الرئيسية » , , » أريد أن أموت و مذكرة انتحارها – آن سكستون

أريد أن أموت و مذكرة انتحارها – آن سكستون

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 24 أكتوبر 2014 | أكتوبر 24, 2014


*كتبت آن سكستون هذه القصيدة للإجابة عن السؤال الذي وجّهه العالم إليها وإلى
 صديقتها سيلفيا بلاث وغيرهما ممن حاولوا الانتحار: “لماذا تريد قتل نفسك؟“.
بما أنكم تسألون، فأنا لا أتذكّر معظم الأيام.
كنت أسير في لباسي، ولا أشعر بزخم الرحيل.
هكذا يعاودني ذاك الشبق الذي لا يُسمَّى.
حتّى إن لم يكن لديَّ شيء ضدّ الحياة.
فأنا أعرف جيّداً شفير الأعشاب التي تذكرون،
وذاك الأثاث الذي وضعتموه تحت لهب الشمس.
غير أن الانتحارات لها لغتها الخاصّة.
تماماً كالنجّار
الذي يريد أن يعرف كيف يستخدم الأدوات،
دون أن يسأل مطلقاً: لماذا يبني؟
لمرَّتَين وببساطة أعلنتُ نَفْسي،
امتلكت العدو، ابتلعت العدو،
وعلى مَرْكبه أخذت معي سِحْره.
وفي هذه الطريق، مُثقلة ومُستغرقة
أدفأ من الزيت أو الماء،
أنا استرحت،
وسال َمن فوَّهة فمي لعابٌ.
لم أفكّر في جسدي عند وخزة الإبرة.
حتّى قرنيَّتي وما بقي فيَّ من بَوْل، اختفيا.
الانتحارات كانت قد خانت الجسد مسبقاً.
اليافعون لا يموتون عادةً،
غير أنهم يُبهَرون، لا يستطيعون نسيان لذَّة مُخدِّر
حتى أنهم ينظرون إلى الأطفال ويبتسمون
أن تَسحَقَ تلك الحياة َكلَّها تحت لسانك!
ذلك بحدِّ ذاته يستحيلُ عاطفةً.
ستقول: موت عَظْمةٍ بائسةٍ ومُجرَّحة.
مع ذلك ستنتظرني هي عاماً بعد عام،
لأمحو هكذا برقَّةٍ جُرحاً قديماً،
لأُخلِّصَ شهقتي من سجنها البائس.
نتَّحد هناك، الانتحارات تلتقي أحياناً،
نحتدُّ عند فاكهة وقمر مفقوء،
تاركين كِسرةَ الخبز التي أخطأتها قبلاتهم
تاركين صفحةَ كتابٍ مفتوحةً مُهملةً،
وسمَّاعة هاتف معلَّقة
لشيء لم يُلفظ بعد،
أمّا الحبّ، أيّاً يكن، فليس سوى وباء.
“لقد ماتت منتحرة سنة 1974، وأنا في الحادية والعشرين من عمري. وكنت حينها في الجامعة، ولدي الكثير من المشاعر المتضاربة تجاه حياتها”.  “ليندا بنت آن سكستون”. 
آن سكستون  وبنتها ليندا
آن سكستون وبنتها ليندا
آن سكستون، “مذكرة انتحارها” **
سوف أرحل الآن
دون شيخوخة أو مرض،
بعنف ولكن بطريقة صحيحة تمامًا
وأنا أعلم أفضل طريق سأسلك. 
بعد أشهر من انتحار أمي، كنت وحيدة في المنزل مع أختي، هذا المنزل الذي احتضنني وأختي خلال فترة مراهقتنا، هذا المنزل الذي شهد انهيار زواج أمي وأبي بعد اثنتين وعشرين سنة، المنزل الذي استمع إلى ضجيج أمي، إلى انهيار قواها العقلية، والذي شهد قبل شهر من الآن انتحارها في المرآب. 
وجدت رسالتها لي، التقطتها ويدي ترتعش. يبدو أن أمي قد بدأت كتابة هذه الرسالة بقلم رصاص باهت، ثم أكملتها بقلم حبرها السميك. كان المنزل حولي صامتًا، تغطّيه إحدى ليالي نوفمبر الهادئة. فتحت الرسالة وبدأت بالقراءة. 
عزيزتي ليندا،
أنا في طريقي للذهاب إلى المطار، سأذهب إلى سانت لويس لأقدم أمسية هناك. كنت أقرأ قصة في مجلة The New Yorker جعلتني أفكر في أمي، وأهمس لها بينما كنت جالسة وحدي على المقعد: “أعلم يا أمي، أعلم.” ثم تذكرتك يا ليندا، تذكرت أنك ستسافرين في يوم إلى مكان ما وحدك وأنا ميتة، وستتمنين أن تتحدثي إلي.
أريد أن أتحدث معك أيضًا. ليندا، ربما لن يكون هذا على مقعد طائرة، ربما سيكون في شقتك على طاولة طعامك وأنتِ تشربين الشاي ذات مساء عندما تبلغين الأربعين. أيًا كان هذا الوقت، أريد أن أقول لكِ هذا.
١- أحبك.
٢- لم يسبق لكِ وأن خذلتِني أبدًا.
٣- أعلم. لقد كنت في مكانك ذات مرة. جربت الوصول إلى الأربعين، وكانت أمي وقتها ميتة، وكنتُ بحاجة إليها.
الأحد الفائت خضت عراكًا مع والدك، واتصلت بالشرطة، كان الأمر برمته مريعًا. أعتقد أن هذا كان ذنبي ليندا. لقد كنت غيورة وأثرت غضبه، ولكنك تعلمين أنني لم أقصد هذا. أريد أن أخبرك بأنني آسفة لكل الألم الذي سببته لكِ هذه الحادثة. والدك يعلم أنكِ تحبينه! وأنا أعلم أنك تحبينني أيضًا. كلانا نعلم أنك ابنة رائعة. لقد أخبرتِ الشرطة بما ظننتِ أنه حدث. لا بأس بهذا، حتى والدك يظن أنه لا بأس بهذا. أريد أن أشكرك لعدم خذلانك لي- لوقوفك بجانبي على الرغم من حبك العظيم لوالدك. أريد أن أشكرك على حبك لي أيضًا. كل هذا انتهى الآن.
هذه رسالتي إلى ليندا ذات الأربعين عامًا. ستظلين عصفورتي. المفضلة لدي. الحياة ليست سهلة. إنها موحشة بشكل فظيع. أعلم ذلك. والآن عليكِ أن تعلمي هذا أيضًا -أينما كان المكان الذي تتحدثين لي منه: لقد حظيتُ بحياة جيدة -كتبتُ بحزن، نعم- ولكني عشت حتى أقصى حدود الحياة. وأنتِ أيضًا، ليندا -عليكِ أن تعيشي حتى أقصى حدودها! حتى ذروتها! أحبك ليندا ذات الأربعين عامًا، وأحب ما تفعلين، وأحب ما تشعرين به، وأحب ما أنتِ عليه! كوني امرأة لذاتك. انتمي لأولئك الذي تحبينهم. تحدثي إلى قصائدي، أو تحدثي إلى قلبك -أنا في كليهما إذا احتجتِ إليّ- لقد كذبت عليك يا ليندا. لقد أحببت أمي وأحبّتني هي أيضًا. ها قد قلتها أخيرًا!.
*مختارات الشعر الأمريكي الحديث، ترجمة وتحقيق شريف بقنه الشهراني
 **ترجمة: محمد الضبع
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads