الرئيسية » » في وقت بعيد | الضوي محمد الضوي

في وقت بعيد | الضوي محمد الضوي

Written By كتاب الشعر on الأربعاء، 5 نوفمبر 2014 | نوفمبر 05, 2014

في وقت بعيد .. كنت أقتل النملة وأقول: ربما أقدمت على إيذائنا بعد قليل .. ربما أكلت قطعة من السكر كنا سنحتاجها .. ربما عَلِقَتْ بياقة قميصي وعضتني في رقبتي .. هكذا كانت ستؤذيني بالضرورة .. هي مؤذية باحتمالات عدّة ولهذا وجب قتلها ..

في وقت أقرب كنت أقتلها وأقول : أنا أقتلها لأنها أختي في الحياة .. بالتأكيد هي في حاجة ماسة للخلاص من هذا الألم المسمّى الحياة .. هي تتألم لأنها تجوع ولا تجد طعاما .. وهي تتألم لأنها ستقطع مسافات واسعة وبعيدة باحثة عن مكانٍ مناسب .. أو شئ تسدُّ به جوعها .. فلا تجد .. أو بحثا عن أهلها وأحبابها الذين يسكنون الجُحر البعيد .. لتجده قد هُدِمَ عليهم .. فتمكث حزينة بائسة .. أنا أخلصها من كل هذه الاحتمالات المؤلمة بالقتل .. أنا رحيم بها ..

الآن أتأمل النملة وهي تقطع عشرات البلاطات في الحمام وأقول : يارب لا تجعلني أضغط عليها من غير قصد .. أخشى أن يموت شئ بسببي يارب .. أنا لن أقلتها حتى لو تأكّد لديّ أنها ستأكل السكّر .. لتأكل .. أنا بإمكاني أن أصنع فنجان قهوتي المظبوطة بكمية أقل .. حتى تشبع أسرة من النمل الطيب ويناموا مبسوطين .. بإمكاني أن أشرب قهوتي بلا سكّر أصلا .. أنا لدي ما أشتري به كيسا كاملا كل أسبوعين أخصصه للنمل .. وأضعه له بالقرب من جحوره لو علمت مكانها .. يأكلون وينبسطون وأنبسط .. لن أقتلها يا رب لأنها ربما في آخر صفوف بلاطات الحمام الكثيرة يجلس حبيبها ذكر النمل ..في انتظار عودتها مبتهجا متشوقا .. أو ربما ابنها أو ابنتها .. أو هي نملة تحب الرحلة .. تسعد بالغناء حتى تصل .. أو هي لا تريد أن تصل .. هي مريضة بالاكتئاب مثلي، وتفعل كما أفعل حينما لا أجد من أكلمه .. تسير في الشوارع وتبكي .. لهذه الاحتمالات ولغيرها أنا أخاف أن أقتل النمل الآن ..!


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads