خمرة الآلهة
علي محمود طههاتها كأسا من الخمر التي | سكرت آلهة الفنّ بها |
إسقينها و تفيأ ظلّتي | شبع الرّوح وريّ الجسد |
عربد الشّاعر من لألائها | و هي كنز في ضمير الأبد |
هاتها في كلّ يوم حسن | نفحة الوحي و إشراق الخيال |
و أدرها نغما في أذني | فاض من بين سحاب و جبال |
هاتها سحر الوجوه النّضرات | هاتها خمر الشّفاه الملهمات |
و العيون الشّاعريات اللّواتي | شعشعت بالنّور آفاق حياتي |
ذقتها كالحلم في ريّق عمري | قبلة عذراء من ثغر حييّ |
و تسمّعت لها في كلّ فجر | و عي تنهل بإلهامي الوضيّ |
هاتها جلواء يا توأم روحي | فيها أبصر للخلد الطّؤيقا |
لو خلا من كرمتيها فلك نوح | أخطأ الجوديّ أو بات غريقا |
ما أراها أخطأت في وهمنا | عالم الغابة أو مهد الجدود |
و أراها خلقة في دمنا | يوم كنا بعض أحلام القرود |
جدّنا الأعلى على كبرته | لم تشنه نظرة المنتقص |
هو ما زال على فطرته | ضاحكا خلف حديد القفص |
ذقها مذ كان في الغاب لعوبا | يتغذّى من ثمار الشّجر |
فمضى يحلم نشوان طروبا | بحفيد في مراقي البشر |
يا لها من قطرة فوق شفه | غيّرت مجرى حياة العالم |
في خيال مرح أو فلسفه | أبصر الدّنيا بعيني آدم |
فلسفته حين مسّت قلبه | فاشتهى الفنّ و علم المنطق |
و رأته و أنارت دربه | و هو في سلّمه لم يرتق |
أيّها الحالم غرّرت بنا | و كفى سكرك ما جرّ علينا |
عد بنا للغاب أو هات لنا | عهدها ، أحبب به اليوم إلينا |
أو ترضى بالذي ما كنت ترضى | أيّ دنيا من عذاب و شقاء |
ورقيّ أهلك العالم بغضا | بين نار و حديد و دماي |
شوّه العلم رؤى الكون القديم | و محا كلّ مسرّات الدّهور |
أو أرض جوفها نار جحيم ؟ | و فضاء كلّ ما فيه أسير ؟ |
أسرة الشّمس اشتكت من ايدها | كيف لا يشكو الأسارى المرهقون |
لو أطاقوا أفلتو من قيدها | فإذا هم حيث شاؤوا يشرقون |
إن يكن قد أصبح البدر الوضيء | حجرا ، و النجم غازا و حديد |
فسلاما أيّها الجهل البريء | و عواء أيها الكون الجديد |
يا حبيبي دع حديث الفلسفات | طاب يومي فتفيأ ظلّتي |
أترع الكأس و ناولني و هات | قبلة تنقذني من ضلّتي |
أو فقم للغاب من غرّيدها | نسمّع الرّوح الطليق المرحا |
و نعبّ الخمر من عنقودها | و اترك الدّنّ و خلّ القدحا |