صاحب الأهرام
هلّ متن بين الموت و الميلاد | إلاّ حياة مآثر و أيادي ؟ |
و هل استطبت على الرّفاهة و الصّبا | إلاّ نهار ضنى و ليل سهاد ؟ |
و كفاح أيّام و عرك شدائد | بجميل صبر أو طويل جهاد ؟ |
متواضعا ، نترفّعا ، ترقى الذّرى | في مثل صمت الكوكب الوقّاد |
يلقى أشعّته هناك و ههنا | و يضيء في الأغوار و الأنجاد |
أهرامك المثلى نتاج قرائح | خلافة موصولة الأمداد |
دنيا من الفكر الطّليق و عالم | رحب الجوانب شاسع الآماد |
تهدي الحيارى المدلجين كأنّها | في شاطئ الوادي منارة هادي |
قم يا فتى الأهرام و انظر رفقة | ينتظّرون خطاك في الميعاد |
و يسائلون بك العشيّ كدأبهم | هذا النديّ ! فأين صدر النّادي ؟ |
يا لهف ، ما علموا بأنّك مزمع | سفر الحياة و رحلة الآباد |
يا لهف ما ظفروا كما عوّدتهم | عند الوداع بنظرة و تنادي |
حين الوفاء الجمّ شيمتك التي | أسرت قلوب أحبّة و أعادي |
دخلوا عليك البيت جسما ضارعا | متفرّدا ، و الموت بالمرصاد |
و الفكر صحو ، و الجبين شعاعة | ألاّقة الرّوح في إيقاد |
و الشّمس بين سحابتين تدجّتا | رمق يصارع حينه و يرادى |
في شاطئ قاني المياه كأنّها | مصبوغة بدم النّهار الفادي |
هي صورة لك و المساء مقارب | و الرّوح ركب ، و المنية حادي |
و القلب في كفّ القضاء فراشة | رفافّة و العمر وشك نفاد |
عجبا أيشكو قلبه من قلبه | كنز الرّضى و الخير و الإسعاد ! |
و تخونه الأنفاس و هو رحابة | كم نفّست عن أمّة و بلاد ؟ |
و إذا أتى الأجل النّفوس فلا تسل | عن صحّة الأرواح و الأجساد |
أأبا بشارة لا يرعك بعاده | مصر اجتبته فلا ترع ببعاد |
آثرتها بهواك ، يا لغرامها ! | هي مصر مهد الموت و الميلاد |
حفظت لولدك الصّنيع المجتبى | و رعت فتاة البرّ في الأولاد |
و رأت نجيبك فاستفاض حنانها | لسميّه المرجوّ في الأحفاد |
ذكرت بيتمك يتمه فتفجّرت | حبّا ، و قبّلت الرّجاء البادي |
لبنان نازعها هواك و ما رأى | لبنان إلاّ من ضفاف الوادي |
الأرز فيه و النّخيل كلاهما | أعشاش حبّ أو خمائل شادي |
أرض العروبة لا تخوم و لا صوى | ما مصر غير الشّام أو بغداد |
و أخوّة بالمسجدين و جيرة | من آل طارق أو بني عبّاد |
قسما بأمساء النّديّ و مجلس | متألّق بالرّفقة الأمجاد |
و جمال أسحار و طيب أصائل | بالذّكريات روائح و غوادي |
و محبّة للخير صفو مزاجها | مرضاة نفس أو عزاء فؤاد |
ألاّ استمعت إلى رفاقك ليلة | و النّار في مهج و في أكباد |
جمد المداد عللا شبا أقلامهم | فصريرها نوح و لحن حداد |
وا حسرتا ! أيّ الرّثاء أصوغه | لوفاء حقّ محبّتي و ودادي ؟ |
أرثيك للأمم التس شاطرتها | كرب الخطوب و فرحة الأعياد |
و أذعت دعوتها و جزت بصوتها | في المغربين شوامخ الأطواد |
و وصلت بين قريبها و بعيدها | رحم العروبة أو عهود الضّاد |
قم حدّث القرّاء عما شعته | في العالم المتنافر المتعادي |
وصف الممالك و الشّعوب كما ترى | ببراعة الوصّافة النقّاد |
تطوي الغمائم و الخضارم و الثّرى | و تجول بين حواضر و بوادي |
بفطانة الصّحفيّ و هي بصيرة | تغزو و تفتح مغلق الأسداد |
يا ربّما نبأ أثار بوقعه | ما لا تثير ملاحم الأجناد |
و هدى قبيلا أو أضلّ جماعة | لسبيل غيّ او سبيل رشاد |
و الهف نفسي كم تمنّيت المنى | يوم السّيوف تقرّ في الأغماد |
هل كنت تبصر من حضارة عصرها | إلا نثير حجارة و رماد |
إنّ السّلام الحقّ ما آثرته | و الأرض غرقى في دم و سواد |
و النّاس ما زالوا كما خلّفتهم | صرعى و الهوى و فرائس الأحقاد ؟ |
***
|