يوم الملتقى
هذي سماؤك أنغام و أضواء | غنّاك داود أم حيذاك سيناء |
أم النّبيّون قد أزجت سفئنهم | موعودة من ليالي النّيل قمراء |
أم طالعتك من السّحر القديم رؤى | يشدو بهنّ الثّرى و الرّيح و الماء |
أم جاء طيبة من أربابها نبأ | أم أنّ كهّانها بالوحي قد جاؤوا |
أم سار عمرو بنور الفتح فائتلقت | به زبرجدة في الشطّ خضراء |
ماجت خمائل بالبشرى و أدوية | فهن فاكهة تندى و صهباء |
يا مصر ، ذلك يوم الملتقى ، و على | صباحه قدم الرّسل الأجلاّء |
أسرت إليك بهم روح و عاطفة | و كم إليك بسرّ الرّوح إسراء |
دعا فلبّوه ، صوت من عروبتهم | كم يلبّي هتاف الأمّ أبناء |
لا بل أهاب بهم يوم صنائعه | من أمرها النّاس أموات و أحياء |
إن لم تصن فيه أيديهم تراثهمو | فقد تبدّد ، و الأيام أنواء |
طاحت بناصية الضّعفى ، و سخرها | كما يشاء الأشدّاء الألبّاء |
أحرار دهر همو المستيقظون لها | و من عفوا فهمو الموتى الأرقاء |
***
| |
بنى العروبة دار الدّهر و اختلفت | عليكمو غير شتّى و أرزاء |
مضى بضائقيها الأمس و انفسحت | أمام أعينكم للمجد أجواء |
اليوم شيدوا كما شادت أبوتكم | شرقا دعائمه كالطّود شمّاء |
دستوره وحدة مثلى ، و شرعته | بالحق ناطقة بالحبّ سمحاء |
لكم بحاضركم من دهركم نهز | فيها لغابركم بعث و إحياء |
شدّوا على العروة الوثقى سواعدكم | لا يصدعنّكمو بالخلف مشّاء |
لم تنأ بغداد عن مصر ، و لا بعدت | لبنان، و المسجد الأقصى ، و شهباء |
أيّ التّخوم تناءت بين أربعها | لها من الرّوح تقريب و إدناء |
أرض عليها جرى تاريخنا ، و جرى | دم به كتب التّاريخ آباء |
مبارك غرسه ، منه بأندلس | و القادسيّة ، و اليرموك أجناء |
خوالد النّفح لم يذهب بنضرتها | حرّ ، و قرّ ، و إصباح ، و إمساء |
إيه بني الشّرق ! فالأبصار شاخصة | لما تعدّون ، و الآذان إصغاء |
يستطلع الشّرق مايجري به غده | يا شرق إنّ غدا هدم و إنشاء |
بصيحة السّلم لا يأخذك إغراء | فللمطامع إغراء و إغواء |
تفتّحت صحف الأيّام و انبعثت | أقلامها و صغت كتب و أنباء |
و طأطأت أمم مقهورة ، و رنا | أنصار حقّ على الجلّى و أدّاء |
مسّتهمو الحرب مسّ المرمضين بها | فما تشكو ، و لا شكّوا ، و لا راؤا |
في عالم الغد ماذا قد لأعدّ لهم | و ما ترى أمم في الحرب غلباء |
خطت مواثيق للإنسان و اشترعت | بناء دنيا لها الإحسان بنّاء |
إنّي أخاف عليها أن تضيّعها | يد مبرّأة للسّلم بيضاء |
في ساعة من خمار النّصر سامرها | لما جرى من عهود الأمس نسّاء |
فقد شراعك لا تسلم أزّمته | لغير كفّك إنّ الرّيح هوجاء |
يا شرق مجدك إن لم ترس صخرته | يداك أنت ، فقد أخلته أهواء |
يا شرق حقّك إن لم تحم حوزته | صدور قومك لم تنقذ آراء |
و الكون ملحمة كبرى جوانبها | دم ، و نار ، و إعصار ، و ظلماء |
أكان عندك هذا الموت يصنعه | بكفّه آدم العاصي ، و حوّاء |
من ذات أجنحة يخشى مسابحها | غول ، و نسر ، و تنّين ، و عنقاء |
شأت خطاها بساط الرّيح و انطلقت | و الأرض من هولها سوداء حمراء |
تعلو و تنقضّ و شك اللّمح صاعقة | يكاد منها يصيب النّجم إغماء |
و زاحفات من الفولاذ قد صهرت | من ثقلهنّ لصدر الأرض أحناء |
إن صعّدت فالجبال الشّم هاوية | أو عربت فالصّخور الصّم أشلاء |
لم يخل من شرها ماء و يابسة | أو تنج من غدرها غاب و صحراء |
يا شرق يومك لا تخطئ سوانحه | فليس تغفر بعد اليوم أخطاء |
في عهدفاروق طاب الملتقى ، و على | جنّاته لقى القرب الأحبّاء |
حمى العروبة أعراقا ، و مدّ لها | خصبا لها فيه إنبات و إزكاء |
و باكرتها سماء من مآثره | فيها لكلّ صنيع منه لألاء |
عباقر الشّرق هم آباؤه ، و همو | ملوكه الصّيد ، و الشّم الأعزاء |
يا عصبة الوحدة الكبرى و عصمتها | هذي طوالعكم جلواء غرّاء |
وددت لو شدّت بالأسماء شادية | بها ربوع حبيبات و أرجاء |
و ما أسمّي فتى شتّى مناقبه | إنّ المناقب للفتيان أسماء |
المصطفى و حواريّوه إن ذكروا | فالشّرق منهبة ، و الغرب أصداء |
و كلكم عن حمى أوطانه بطل | مستقتل قرشيّ الرّوح فداء |
بالله إن جئتمو الوادي و ناسمكم | ثراه ، فهو أزاهير و أنداء |
و طاف بالذكريات الأمس و استبقت | بالدّمع عين ، و بالأشواق حوباء |
فاقضوا حقوق إخاء تستخير به | أخت لكم في صراع الدّهر عزلاء |
طعامها من فتات العيش مسغبة | و ريّها منه إيلام و إشقاء |
أحلّها ذهب الشّاري ، و حرّمها | عصر به حرّر القوم الأذلاء |
حربان أثخنتاها أدمعا و دما | تنزو بها مهجة كلمى و أحشاء |
هذي فلسطين أو هذي روايتها | ماذا تقولون إن لم يحسم الدّاء |
تطلّعت لكمو و لهى أليس لها | على يديكم من العلات إبراء ؟ |
حملتمو العهد فيها أبوّتكم | إنّ البنين لحمل العهد أكفاء |