على صخور المكس
حيّاك أرضا و ازدهاك سماء | بحر شدا صخرا ، و صفّق ماء |
يحبو شعابك في الضّحى قبلاته | و يرفّ أنفاسا بهنّ مساء |
متجدّد الصّبوات أودع حبّه | شتّى الأشعّة فيك و الأنداء |
ولع بتخطيط الرّمال كأنّه | عرّافة ، تستطلع الأنباء |
و مصّور لبق الخيال يصوغ من | فنّ الجمال السّحر ، و الإغراء |
نسق الشّواطئ زينة و أدقّها | صورا بريّا صفحتيه تراءى |
يجلو بريشته السّماء ، و إنّما | زادت بريشته السّماء جلاء |
لا الصّبح أوضح من مطالعه بها | شمسا ، و لا أزهى سنى و ضياء |
كلاّ و اللّيل المكوكب أفقه | بأغرّ بدرا ، أو أرقّ سماء |
يا ربّ زاهية الأصيل أحالها | أفقا أحمّ ولجّة حمراء |
و كأنما طوت السّماء و نشّرت | لهبا ، و فجّرت الصّخور دماء |
و لربّ عاطرة النّسيم ، عليلة | طالعت ، فيها اللّيلة القمراء |
رقصت بها الأمواج تحت شعاعها | و سرت تجاذب للنّسيم رداء |
حتّى إن ران الكرى بجفونها | ألقت إليك بسمعها إصغاء |
تتسمّع النّوتيّ تحت شراعه | يشدو، فيبدع في النّشيد غناء |
هزّت ليالي الصّيف ساحر صوته | فشجى الشّواطئ و استخفّ الماء |
و أثار أجنحة الطّيور فحوّمت | في الأفق حيرى تتبع الأصداء |
صور فواتن يا شواطئ صاغها | لك ذلك البحر الصّناع رواء |
فتنظّريه على شعابك مثلما | رجع الغريب إلى حماه وفاء |
كم ظلّ يضرب في صخور موجه | ممّا أجنّ محبّة و فاء |
عذرا ، إذ عيّت بمنطقه اللّغى | فهو العيييّ المفحم الفصحاء |
فخذي الحديث عليه و استمعي له | كم من جماد حدّث الأحياء |
و سليه ، كيف طوى اللّيالي ساهدا | و بلا الأحبّة فيك و الأعداء |
كم ليلة لك يا شواطئ خاضها | و الهول يملأ حولك الأرجاء |
و السّفن المرهفة القلاع كأنّما | تطأ السّحاب ، و تهبط الدّأما |
حملت لمصر الفاتحين و طوّحت | بالنّيل منهم جحفلا ، و لواء |
و لو استطاع لردّ عنك بلاءهم | و أطار كلّ سفينة أشلاء |
أو كان يملك قدرة حشد الدّجى | و نضا الرّجوم ، و جنّد الأنواء |
و دعا غواربه الثّقال فأقبلت | فرمى بها قدرا ، و ردّ قضاء |
فاستعرضي سير الحياة و ردّدي | ما سرّ من أنبائهنّ ، و ساء |
و خذي ليومك من قديمك أهبة | و من الجديد تعلّة و رجاء |
إيه شواطئ مصر و الدّنيا منى | تهفو إليك بنا صباح مساء |
ناجيت أحلام الرّبيع فأقبلت | و أشرت للصّيف الوسيم ، فجاء |
يحبوك من صفو الزّمان و أنسه | ما شئت من مرح الحياة ، و شاء |
و غدا تضيء على جبينك لمحة | طبع الخلود سماتها الغرّاء |
و ترفّ منك على ثغورك قبلة | أصغى النّسيم لها و غضّ حياء |
فاستقبلي الصّيف الجميل ، و هيّئي | للشّعر فيك جميلة غنّاء |
و تسمّعي لخن الخيال ، و أفردي | لي فوق مائك صخرة بيضاء |
و استعرضي حور الجنان ، و أطلقي | لغة السّماء ، و ألهمي الشّعراء |