أمٌّ يكيدٌ لها من نسلها العقبُ
أمٌّ يكيدٌ لها من نسلها العقبُ | ولا نقيضةٌ إلا ما جنى النسبُ |
كانتْ لهمْ سبباً في كلِّ مكرمةٍ | وهم لنكبتها من دهرها سببُ |
لا عيبَ في العربِ العرباءِ إن نطقوا | بينَ الأعاجمِ إلا أبهم عربُ |
والطيرُ تصدحُ شتَّى كالأنامِ وما | عندَ العرابِ يزكى البلبلُ الطربُ |
أتى عليها طوالَ الدهرِ ناصعةً | كطلعةِ الشمسِ لم تعلق بها الريبُ |
ثمَّ استفاضتْ دياجٍ في جوانبها | كالبدرِ قد طمستْ من نورهِ السحبُ |
ثم استضاءتْ فقالوا الفجرُ يعقبهُ | صبحٌ فكَانَ ولكن فجرها كذبُ |
ثم اختفتْ وعلينا الشمسُ شاهدةٌ | كأنها جمرةٌ في الجوِّ تلتهبُ |
سلوا الكواكبَ كم جيلٍ تداولها | ولم تزلْ نيّراتٍ هذهِ الشهبُ |
وسائلوا الناسَ كم في الأرضِ من لغةٍ | قديمةٍ جدّدتْ من زهوها الحقبُ |
ونحنُ في عجبٍ يلهو الزمانُ بنا | لم نعتبرْ ولبئسَ الشيمةَ العجبُ |
إن الأمورَ لمن قد باتَ يطلبها | فكيفَ تبقى إذا طلابها ذهبوا |
كانَ الزمانُ لنا واللسنُ جامعةٌ | فقد غدونا لهُ والأمرُ ينقلبُ |
وكانَ من قلبنا يرجوننا خلفاً | فاليومَ لو نظروا من بعدهم ندبوا |
أنتركُ الغربَ يلهينا بزخرفهِ | ومشرقُ الشمسِ يبكينا وينتحبُ |
وعندنا نهرٌ عذبٌ لشاربهِ | فكيفَ نتركهُ في البحرِ ينسربُ |
وأيما لغةٍ تنسي امرأً لغةً | فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكبُ |
لكم بقى القولُ في ظلِّ القصورِ على | أيامُ كانتْ خيامُ البيدِ والطنبِ |
والشمسُ تلفحهُ والريحُ تنفحهُ | والظلُّ يعوزهُ والماءُ والعشبُ |
أرى نفوسَ الورى شتى وقيمتها | عندي تأثُّرها لا العزُّ والرتبُ |
ألم ترَ الحطبَ استعلى فصارَ لظىً | لما تأثرَ من مسِّ اللظى الحطبُ |
فهل نضيعُ ما أبقى الزمانُ لنا | وننفضُ الكفَّ لا مجدٌ ولا حسبُ |
إنَّا إذاً سبةٌ في الشرقِ فاضحةٌ | والشرقُ منا وإن كنا به خربُ |
هيهاتَ ينفعُنا هذا الصياحُ فما | يجدي الجبانُ إذا روَّعته الصخَبُ |
ومنْ يكنْ عاجزاً عن دفعِ نائبةٍ | فقصرُ ذلكَ أن تلقاهُ يحتسبُ |
إذا اللغاتُ ازدهرت يوماًفقد ضمنتْ | للعُرْب أي فخارٍ بينها الكتبُ |
وفي المعادنِ ما تمضي برونقهِ | يدُ الصدا غير أن لايصدأ الذهبُ |