الرئيسية » , » فخورٌ بنصف حياة | إبراهيم الجهيني | العدد الخمسون | كتاب الشعر

فخورٌ بنصف حياة | إبراهيم الجهيني | العدد الخمسون | كتاب الشعر

Written By غير معرف on الأحد، 9 يونيو 2013 | يونيو 09, 2013

فخورٌ بنصف حياة
إبراهيم الجهيني

الإهداء
إلى إبراهيم محمود محمد عوض،
الولد الذي صار بعيداً جداً ..
وإلى حسين خطابي الذي أنتظره على شاطئ البحر ولا يجيء،
وإلى عبد الرحيم الريفي الصارخ في الذاكرة .
إبراهيم الجهيني

اكتشاف
لماذا ؟
كلما صدت بهجةً
أو أشعلتُ مصباحاً
ازددتُ خوفاً من الحزن
وصرتُ أكثر حرصاً
حتى لا أصطدم بالأشباح
الملتصقةِ بالحائطِ تماماً .

فخورٌ بنصف حياة

المدينة التي تتكئ على حافة الشباك
تشبهني
وأنا أشبه الغرفة بالتأكيد
ما ثمة من أحد يستمع لبكائنا إلاّنا
لذا أتأبط الشارع المقابل وأمضى
أصيد خسارة جديدة ...
وبعض الأعمدة المحزونين
نقيم عشاءنا ، ونمرح
لنصعد في الصباح من جديد

لنصف كوب من الشاي ...
لنصف قبلة على وجه امرأة نصف حية
لنصف وظيفة
لنصف علاقة على سرير يهيم بنصف عزلة
لأنصاف أصدقاءٍ نصف مخلصين
لنصف رجلٍ يشبهني
أدفع نصفى من سرير عزلته
وأمضى فخوراً بنصف حياة

يمكن أن أقول أنى أحبك
وأنني أرقص بخفة عصفورٍ
على إيقاع وجهك
فرحاً بنصفي الذي يرقص على قدميك .
قدماك اللتان تملآن الغرفة صخباً
أو أنني أكرهك بشدة
لأنك أخذت مساحة كبيرة
في الغرفة
وما ثمة من مكان شاغرٍ الآن
لأوجاعي التي سأحصدها في الصباح
ولا لذاكرة من الرمل البدوي
أو قصيدة عنى وحدي

محاصرٌ بحضوري
ومؤمن بغيابي الجلي
أحمل بهجة غير طازجة
وعلاقات مبتورةٍ
مدناً من ملح المسافة
وامرأة تحب رجلاً لا يشبهني
ورجلاً يشاركني ملابسي
وأدخل للغرفة وحيداً لأنام .

ثمة شيء يوجع في المعطف

المسافة التي بيني وبيني
في المعطف ضيقة جداً ..
لهذا أنا أتضايق منى
حين أشاركني نفس المقعد
نفس الأشياء التي عليها أنا مجبور ..
طماع هو الذي أنا جداً
يعرف كيف يقبل النساء بمهارة
-  وأنا رجل جاهل بالمسائل -
عالماً بفنون الوجع وبوح الروح
وماهراً في اصطياد خرائب الخلق
                                إلى صدري
أحسده
إذ يتسرب من بين ثنايا المعطف
                  ويندلق بنهر الشارع
فتصطفيه الصبايا الخضر
 يسمين عليه
ويشكرن الله على الوعل البرى
مضطراً, أتبعه
إذ لا يمكن أن أترك الذي هو أنا عريانا
لكنني لا أحظى بملامسة الجسد البض
لامرأة تلج إلى معطفنا الشرك ..!!!
 كل صباحٍ أخطط لأقتله
أو أن أضع السم له في الشاي
إلا أن – أعضائي -  جواسيسه تخبره
فيبطل كل الحيل ..

ذات صباح – بالتأكيد –
سأمسك في خناقه
وأصرخ بعنف
              يا سادة
هذا الرجل الذي يشاركني المعطف
لا أحبه على الإطلاق .

                  ***

أنت ممل جداً ..
وفى الحقيقة
ضعيف على حد قول النساء
فكن محترما معي ..
أنا الذي يُركِبُ عظام روحك
غيمة من الوقت تركب المسافة
ويكتب قصائدك.
 موهومٌ
إذ تعتقد أن معطفك الذي يحميك
ممن يمرون على جسمك
إنه أنا ...
فاشلٌ
وغير قادر على إدهاش حتى نفسك
أو الاغتسال بخمر امرأة دميمة
هو أنت ..  
فأنتحي الآن جانباً في معطفك ،
وكن شاكراً
وامنحني مساحة للتنفس
وبعض الخصوصية
                 لأبكى في انتشاء .

                 ***

هو طيب للغاية ويتحملني كثيراً
يسمح لي أن أشاركه
شايه قليل السكر
وأن أنام في سريره عزلته
لا يغضب إذ أقبل نساءه ،
أو أصنع منهن شجراً للغناء
مهندم على حد قول الكفيفاتِ ..
لذا لا أخجل من أن أصحبه
إلى صالونات الشِعر
وحداثة العالم وفقه السياسة
غير آبه بما نقول يجلس ..
يكور الأسماء دخاناً
يصّاعد في غيم الوقت
لا ينسى
أن يدفع الحساب للذين يمتدحونني ...
يبتسم في وجوههم بأدبٍ ،
ويندر على حكم المحكومين
بإشفاق
يحملني في آخر الجلسة
ويمضى ثابتاً كصخرة  
يطمئنني - إذ أمسك فيه بعنف -
عندما تنبح الكلاب علينا في أخر الليل ..
أو إذا ما استوقفتنا دوريات الشرطة
طيب جداً هذا النحيل
يطعمني عشاءهُ ،
وينيمني في أحلامه 
ويسهر ليكتب ويرتب
               ما سأقوله في الصباح .

ربما في الصباح ..
سأرسم قصيدة تشبهني
وأكتب لوحة
من مقام الحزن الكبير
للمغنية التي تسكن
في الشارع المقابل
وأهمس كسكين ثلم
للأشياء غير المرتبة
                   أحبك
أضع علامة مرور واضحة
للشحاذين
وربما أنحت ضحكة
كلما حاولت الأعمدة
أن تثبت للشبابيك
التي تراقب الشارع باهتمام -
وجودها فتحترق
وأقول أن البنت
التي تجلس على محطة الباص
في الصباح
         متيمة بي
وأن عطرها المختار بعناية
دعوة مؤجلة لاقتناص
فراشة
غير آبه بالخواء الذي يملأ 
المدينة زحاماً
أوزع المشوهين المركونين
على الأرفف
في ميادينها المشوهة
لتزداد جمالاً
عرياناً أفجأ البيوت
المستترة بلحم الغرباء
وأدهش الدراويش
بفك طلاسم الوصل والوصال
أتأبطني وأمشى
فخوراً بالجرح الغائر في رأسي
أتصدر شاشات التلفاز
مع مصابي الحرب
أتحدث عن بطولاتي
في صد جيش البق
الذي هاجم الوسادة
أثناء حرب الخليج
وأختتم بإهداء أغنية
خلى السلاح صاحي -
 لجنود الأمن المركزي ..
وسلامات لعمال النظافة
باعة الجرائد
محمود مختار
وأعود وحيداً للغرفة
لأرسم قصيدة مشوهة عنى
وأكتب لوحة
من مقام الفرح الكبير
لمغنية لا تسكن في الشارع
                       المقابل .
بكاء
في المساءات الفارغة
حين أمّل  حواري مع الأشياء
تفركني رغبة
في أن أوقظ جسدي ليجلس معي ..
أحاوره عن علة الأسماء التي هي كذلك
مذ كانت
أعيد تشكيلها على عجلة الخلق
وأمنحها أسماءً جديدة

أشتكى إليه ضيق الغرف التي تسكنني
وأتساع الغرف التي يسكنها ..
من مرارة طعم  امرأة تتفصد بالحناء
وثقل خطو المارين على الروحِ أشكو

أوسدني على حجره
وأبكى الذين يموتون في دمى ..
فيمسح بجناحيه على رأسي
أصير غبارً يصّاعد في السقف
ويتنزلُ أناساً كسيرةً
تقيم موائدها وتبكى,
في مودة عليّ .

المقهى

سأترك لكم جسدي ..
وأجلس إلى بائعة المناديل
على ناصية القهوة
أحاول أن أمسح بشق روحي
دموعها التي لا ترونها دائماً
ولن يمل جسدي بالطبع
من حكاياكم عن معجزاتكم  ...
التي ما ثمة من بيارق تدل عليها .
القاهرة -  مدينة الألف معجز وعاجزٍ –
تعرف هزائمكم واحدة  واحده
ولأنني لن أتضايق
من رائحة موتكم الشهي
سأدعو كل الذين يمرون من دمكم
على فنجان من القهوة المرة
بطعم أشيائكم الثمينة .
لكم في الجلسة
أن تمدوا أيديكم إلى أغوارهِ
تدفعون فيه حرائقكم بيسرٍ
وبالتأكيد لن أغضب
فما هو إلا جسدي  -
وللغريبات
أن يقتسمنه لنصف نهار فقط ..
لأنه عندما ستُقْبِلُ خساراتكم الجديدة
ستكون البنت
قد أغلقت عينيها علي
          فأحمل جسدي وأمضى .

لهذا نحلم
نحن النائمون على الجمر
نحلم ببساطة ..
بملائكة تقشر سماوات  العزلة
عن أجسادنا / الغرف السخية
تناولنا بعض حكمتها  ...
لنرقص بلا أقدامٍ
نكسر في عنفٍ
إيقاع السلام
           العمل
              المرايا
بين يدي امرأة لها رائحة البحر
تفكك أوجاعنا بمهارة ،
وتغسلنا بمائها السري .
ببهجة -  على غير العادة -
نتأبط الشوارع السعيدة فجأة
ونمضى متوحدين بنا ..
ننفض أوجاع الإسمنت ،
وندهش الصحراء بعرينا الشهي .
بصباح  ..
فيه نجلس إلى أنفسنا في دفءٍ عائلي
نشرب الشاي ولا يشربنا ..
نضحك
نبكى
نفرح
نصرخ بحرية في وجه المدينة
ننتشي بعذابات أفعالنا فقط .

فقط ببساطة،
نحلم
أن ندخل إلى الحياة
التي لا تدخلنا في أي صباح
                  
إيقاع

الغرف التي ترقص حافيةً
على إيقاع صدورنا
موحشةٌ جداً ..
وواسعةٌ باتساع أوجاعنا
شموسها التي تفاجئ أحزاننا
تنيرها بمهارة
فيصطفينا البكاء الحلو ..
على صدر أسرة  بقلب فارغٍ
كخرائط الأوطان في المدارس .
تتكئ في آخر الليل
على كتف الشارع وتبكى بحرقة
وتنام في حضن المدينة
فاصلةً من الإيقاع.

سوناتا

نحن الناس الشوارع
ببساطةِِ..
لا نحتاج إلى أذرع لندفع بها المارين
- إذ لهذا نحن -
فلهم أن يكسروا الإيقاع بخطى ثقيلة
على أرصفة القلب
وينفضوا أحذيتهم بحوافه المضمخة
 ويبصقوا في وجه الروح بحرية المالكين.
يأتنسون بضوء أعمدة أفكارنا المطفأة
-  بسبب انقطاع الوصل -       
ويمرحون بمقاهي دمنا العامرة
فنحن الغفارون
لكل الذين يأتنسون بلحم وحشتنا
ويوزعوننا على أنفسهم
              في صباحات هزائمهم
بيارق
وشارات لتاريخهم البهي .
وحاشا أن نكون شكاءين بالمرة
فلنا جبال من الحزن نتوكأ عليها
ونهش بها على بيوت
                 في الليل تصطفينا .

هكذا في صمتٍ

نحن الذين لا نملك شجاعة كافية
لنبكى بحرقة
على أيامنا المتبخرة من بين أسناننا
أو لنقطع
إشارات المرور  في حماقة
لا نسمح لأنفسنا بأشياء غير عادية
أو عادية على الإطلاق
نمر غير مرئيين على الأرصفة
فلا يتذكرنا من يصطدمون بنا
حتى سكان البنايات الذين يشاركوننا
الصباحات والمساءات المتكررة
يعرفون أمثالنا
بالطويل الذي يسكن الرابع
أو المرأة السمينة التي ...
هكذا فقط بلا أسماء
ونعبر لغرف رطبة 
ونساء بدينات معطرات بروائح الطبخ
فواتير الكهرباء
الدروس الخصوصية
أدوية الإسهال
الخرس الزوجي 
وقهر الأخبار
مجرجرين سنوات من الخيبة
ونعوشاً من خشب الوقت
نؤمن وراء الداعين للحكام
ونطيل السجود
ونتفادى
صورنا المشوهة في المرايا 
لأننا لا نملك شجاعة كافية
لنصرخ في وجهها بعنف
أو نبكي علينا بحرقة
نمر هكذا أمامها
           في صمت .

علاقة

على طريقة العارفين
بكل الأشياء
توزع خبرة الموت اليومي
على مريديك في الميدان
ثم وحيداً تمرق في الزحام
إلى مقهى يعج بالغفلة
سانداً جسمك
على صدر الحائط
تبول على عساكر المرور
الغرفِ المملوءة بالحزن
حلمٍ بالرقص عارياً
في باب الخلق ..

يوقفك الماء المتساقط
من أجهزة التكييف بعنف
على رأسك
فتسب المتظاهرين ضد الحرب
علي الشاشاتِ
وتهتف بإخلاص لبائعة الليمون
من تخصك بنظرة محمومة
علي عكس  الأخريات
ثم تقوم للبارات تصنع عروشاً
من دم الذين ما ثمة من شيء
يبرر موتهم
وتُنَظِرُ بعمق لفتنة دافعي الحساب
مع فورة البيرة
ثم تعلق ابتسامة ميتة علي وجهك
كلافتة إعلان سلعة بائرة
وأنت تشق الصالة متأبطاً
أرطالاً كثيرة من الدهن
جلداً مجعداً
شعراً قصيراً
تحاول أن تقنعهم بأنهم امرأة
علك تصيد سريراً دافئاً  
وفطوراً صباحياً
ومبررات إنتلجانيسية الطابع
لموتك العادي .
وجه

في الصباح سيرتدى ملابسه الأقنعة
ويخرج
ليتجول خفيفاً بين أعضائه/ المدينة.

بالمقهى سيجلس إلى قلبه
يحتسيان قهوته المحلاة بمساحات الغياب.
منفردان ..
يمكنهما أن يتحدثا عن النساء اللائي
حين هز جزعهن .. 
               سقطت روحه
                     غريقة في مائه .

خطاه بشرايينه,
ستقوده إلى الفتارين المليئة بجثثه
حزنه...
قد يلُوح من خلف الأقنعة,
فيقايضه ببعض التبغ
وحكمة نساء تموء
عندما يهدر صدرها العاري

في المساء سيكون ندمائه
- بالطبع -
القرامطة والجرذان
يتبادلون كؤوس الفراغ
على شرف موتاه الجدد .

في النهاية يعود
يخلع ملابسه ويرقد
رجل
فارغ
ومدينة
تموت .

أنت
الأجواء تنبي :
أن ليلك ممطرٌ ...
بجثث العائدين من سماء الذاكرة
(والريح ستحمل المشهد الأخير)
فتزيا لحزنك اللون الملائم
وافتعل العراك مع الفضاء
سيهطل – القادمون – وجعاً
في حدة الصوت العسكري
يستنزف دمك المهادن
               قطرةً
                  قطرةً
                     جثةً
                        جثة
لتبقى -  في فراغك -  مقبرة
فكيف يأتيك فرح البرتقال ؟!

حَضْرةُ الغيابِ
وجهكَ ..
شارة أشيائك
- دراويشك المستمسكة بالوحدة
الهائمون ...
في حانة الغياب بكأس من الحزن –
الذي يصّاعد في سماوات الغرف
مهتدياً بالخراب البهي ..
ويَمنُ على الواصلين
شهوداً جلياً لعتمة الروح
يحط الآن بينك .. وبينك
مستمسكاً بأوجاعه ...
ومستعصماً بأمه / الغرف التي شكلتكَ
يرتل أوراده خاشعاً
علّك كالناس الممددين فيه تحل
تقطع المسافة منك إليك
فيبين جمالاً مشوهاً
دالاً عليك لا على الأشياء
متبختراً إلى الشوارع يخرج
دون خوفٍ ...
من عساكر تُحَرِرُ محاضراً
لوجه يسير بلا جسدٍ
ولجسد يسير بلا صاحبْ ..
عن التفلك فوق أسطح الخلق يكفُ
إذ بك فيك ينام في حضرة القرب ..
هي الأوراد سرُ السرِ
تنفض الأبواب على إيقاع من الخوف
فيحل
كناسُ صدركَ
صانعُ أفكاركَ
مدارسُ تاريخكَ
نسوة من الملحِ
يتكاتفون في حلقة الذكر ...
يهمهمون بتراتيل الوجد
على رجع صدى وجهك
وأنت – الوحيدُ - الممعن في الغياب ..
على حجر ملائكة سمر
لا تقطن في هذه الناحية
أو النواحي الشبيهة تغفو
غير آبهٍ بوجه بلا جسدٍ
وجسدٍ بلا صاحب تأكله المدينة ..
الأورادُ غير كافية لحضورك
وضوء الصبح يفض الجمع
إلا من جسدٍ بكَّاءٍ
بين أصابع الجدران تُخلّقه
ووجهكَ التائه في الغرف ...
لحضورك المؤجل
لقيامك في أعضائك
شاخصاً كالمسافة
أو الموت الرحيم
                يصلى .

قنص

العشاء الرومانتيكي
الذي أعددته
على شرف اصطياد روحي
من نهر الشارع ,
لا يليق بطقس اللحظة
فالفخاخ التي نصبتها
وعلقت بها روحكِ
غيرت الإيقاع .
وأصبحت قادراً ،
على القول بثنائية الأعضاء
استناداً على حلُولكِ فيّ .
وأن انهيار سولو الضجيج
أمام كونشرتو صمتك
دال حداثي
على حضورٍ ميتافيزيقي
لبهجة مؤجلة كقصيدة .
لذا
سأعيد ترتيب المشهد
أضع ملعقة أخرى
وكوباً زيادة لشاي الصباح
وأضيف مساحة كافية في الغرفة
لأحملك من تحت إبطيك
وأرقص
كلما رأيتني مكتملاٍ
في الفخاخ .

اكتمال

كبخورٍ سرى
تنسربين إلى الغرفة
تشعلين الملاءة دهشة
وأنت تصيدين بمهارة قناص
روحي الموزعة في الجريدة ،
وأشباه أصدقاء ،
جدلٍ
على أهمية مقاطعة اللحمة
وأناس في زحمة المقهى ,
يدللون على موتهم
بعشرين كوب من الشاي
فترفرف بدقة ضابط إيقاع
على قدميك
إذ ترتيبين أعضائي
تخبئين من الجدران بهجةً ،
لفطورٍ عائلي
فأجلس على حافة السرير مبتسماً
أتوحد بي
أقبلني فيكِ
واربت على كتفي
                  وأنام .

غياب

كيف استطعتِ أن تكوني
عبقرية إلى هذا الحدِ
وأنت تشكلين جسدي
مجمرةً
لثلاثةِ عقودٍ من الحزنِ ،
وتهبين المشهد لوناً
يليق بفراشةٍ
عارفةٍ بأسمائكِ كلها
وتنسجين من عطركِ ثوباً
لروحي العارية كاليتم تماماً .
فأعدوا خلفكِ في الغرفة
خمسة وستون ألف وحدةٍ
من الشوقِ المركبِ
وأغرقُ في مفازة ٍ
من عرقِ جسدينا حتى الصباحِ .
دون أن الحظَ
غياب أوجاعي التي تتنزلُ
كل ليلةٍ من السقفِ
لتشاركني
قهوةَ الراحلين
التي تركتها بالأمسِ
              على النارِ تفور .

وحشة
كم أحتاج إليك الليلة
لتضميني بعنف
فأنا وحيدُ جداً
وخائفُ إلى حد الغيظ
من الأشباح التي تجلس
على السرير
تخطط لاختراق روحي
غير آبهة بالشارع
الذي ينزف من رجلي
أو المدينة الناتئة في الرأس
                       كفجيعة .

ببساطة تُحْدِثُ شيئاً في العالم

كان الأمر ببساطة
رجلٌ يقف لوحده
في مدينة تمشى لوحدها
ما ثمة من أمرٍ مستغربٍ
أعمدة الإنارة
تشاكس مجاذيب الفترينات
ليس بأمر جديد
قهقهات على مقهى
ومظاهرات في الجامعة الأمريكية
إذا لم يحدث شيء في العالم
فلماذا ؟
يدفعني بكاء القطط
لأن أجذبكِ بعنف من المطبخ
وأخُرِجُ ما خبأتِ للممسوسين 
ببارود القصف وغلظة الفاتحين
أكوره بين يدي وأشربُ أنخاباً
من صدركِ المملوء بفقه الصحارى
أشعل قنبلة الجسدِ بفتيل خساراتي
وأدوخني ..
فلا يعوزني مقدمات منطقية
لفض نزاعٍ عسكريٍ بين عريكِ
وتوتري
ولماذا أفكر الليلة
في إضافة بعض الموسيقى للمشهد
حتى لا أشبه البربر
وأنا أحدثكِ عن روعة النهايات المكتملة
وبغير مبررٍ أقول أحبكِ ...
بدهشة المكتشفين الأوائل
أصف مابين عنقكِ وهوة في القلب
لم ألحظها من قبل ...
مملوءة بشهوة الارتحال
حزن القرى
مدينة وحيدة
أيتام الحروب
وخمسين رغبة في الانتحار
فأبكي بحرقة
تمسحين بجناحكِ
دموعي العالقة على وجهكِ
تطبطبين بجسمكِ علي روحي العارية
كالوحدة تماماً 
تغرقين غابة الوحشة بمائكِ السري
فينبت شجر التفاح الأول
آكل
آكل
آكل
وبدن أثواب التوتِ نواجه أساس الغرفة
ونصعد لجنتنا من جديد ..
بينما المذيع يعلن
عناوين النشرة :
رجل مازال يقف لوحده
ومدينة مازالت تمشى لوحدها
ومظاهرات في الجامعة الأمريكية
قهقهات على مقهى   
وامرأة تحدث شيئا في العالم .

رقص

لأنك لا تجيدين الرقص
لن أربك أعضاء الفرقة
بحركة بهلوانية
من روحي التي تملأ الشارع
دهشةً
وأجعل لالتفافها حولك
إيقاع سعادة صريح
حتى لا تدوسي عليها
وبثقة مهرج
سأقول أشياء غير مضحكة
عنى
وأنا أتعرى جرحاً
             جرحاً أمامك
لتكتشفي
أن دموعك
التي شقت نهراً على كتفي
كانت لازمة لتمام المشهد .

قصائد قصيرة
القصيدة
من سماء المشيئة
تتنزل امرأة بحقول من الشاي
ونكهة النعناع
تخلع أعضاءها
وتنام في حضن لغتي
                      فأشتعل

دخول
في كل مرة نلتقي
تصر على أن أقلع جسمي بالخارج
وأدخل إليها نظيفاً ..

محاولة

جاهداً يحاول كل صباح
أن يقنع الرجل الذي يراه في المرآة
بأنه ليس هو بالتأكيد .
إلا أنه في كل مرة يفشل
لذا يتركه الرجل وحيداً
لروحه في المنزل
                ويخرج .

مرايا
(أحمد عبد العظيم)
لماذا كلما مر هذا الولد على الروح
كان لوقع خطاه ..
أثر المدينة على جسدي ؟!!

متواليات العودة

ونحن نشق طريقنا بين الجثث
- كالعادة -
من العتبة* إلى الصليب
همس لي رفيقي
"يحدث أن الموتى يعودون 
لهذا صناعة الصلبان رائجة"
قلت:
لهذا إذاً  نصحو
§         منطقة العتبة  أحد ميادين القاهرة

انتصارات

الولد النحيل ..
لم يكن يجيد لعب البلي
ولا لعب الكرة ...
لكنه كان يستطيع
أن يشكل من قلبه سماء
يظله فيها غيم امرأة
فأحب كل بنات الجيران
أيضا (كلهن تزوجن)

اغتراب
(الحسينية)*
البنت الشفافة ذات الضفائر الخضر
من كنتَ
تشبك أصابعها في يدك ،
وتمضيان إلى الحقول
تطاردان الفراشات ...
وتجمعان التوت من الترع/ البنات
لن تعرفك الآن !!
إذ قصت ضفائرها وصارت امرأة
           مقعية في الظل
تقلقها البيوت/ التجاعيد
                الناتئة في وجهها .

§         الحسينية حي بمدينة الزقازيق حيث عاش الشاعر فترة التهجير من عام 1967 إلى عام 1989

اشتباك
البنات اللائي يشبهن شجر الليمون
بالرغم من أنهن لم يكن قد هِيْتَنَ له
ولم يكن قد كان هِيْتَ لهن ..
إلا أنهن قددن قميص روحه
من قُبُل / ومن دبرٍ
فبماذا
يمكن للجذع أن يحكم عليه
إذا استبان برهان قلبه ؟!

خروج

أعتقد أن الوقت الآن مناسب جداً
لأرتب أوجاعي / أصدقائي المخلصين
في الحقيبة
وأمشي أصفر في الطريق
الطريق الذي يحفظ ثقوب حذائي
وأدعي بأن البيوت التي تشبه شواهد مقبرة
شجرٌ يحاكي غابة الأسمنت
ليتخفى من أعداءه جازي الفروع
وأنني لست وحيداً علي الإطلاق
بالرغم من سيري منفرداً
وأن البنت التي كانت تخر عسلاً
ما كانت تقصد بإشارتها إلا تحذيري
من دراماتيكية نهاية روحها
المعلقة علي حبال الغسيل
وأن الكلب البوليس الذي يتمسح بي
لنصف ساعة ليس بذكاء ضابطه
أو أن أحد أجداده كان كلباً بلدي
وأن هناك صباح ينتظر في آخر الممشى
يحمل وجع من نوع خاص
لم أجربه من قبل اسمه النوم
نعم لابد من أن يكون الوقت ملائماً جداً
لمثل هذه الأشياء
إذ لحتمية غير منطقية
قد اقتحموا الغرفة عنوة
بالرغم عن الترباس
وجلسوا ينزفون برقة كعادتهم
محدقين بعيون باردة
في الفراغ
         الفراغ الذي
                هو أنا .

إبراهيم الجهيني
21/3/2004



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads