الرئيسية » » بدر شاكر السياب | رئة تتمزق

بدر شاكر السياب | رئة تتمزق

Written By هشام الصباحي on الأحد، 9 يونيو 2013 | يونيو 09, 2013

الداء يثلج راحتي، ويطفيء الغد ... في خيالي

ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال

تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال

مشدودتين إلى ظلام القبر بالدّم والسعال ..

**

واحسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟

ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي

فتضوع أنفاس الربيع تهزّ أفياء الدوالي

حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح !

**

كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب

وودت لو طلع الشروق علي إن مال الغروب

بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل

راقصن آمال الظماء ... فبلها الدم واللهيب !

**

بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك

وأعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك

خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال ..

نام الزمان على الزمان به وذابا في شعاعك

**

كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه

ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه

زهراَ ونوراَ في فراغ من شكاة وابتهال ..

في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه

**

واليوم حببت الحياة إلي وابتسم الزمان

في ثغرها وطفا على أهدابها الغد والحنان

سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال

في لونها وتفر ورقاء ويأرج أقحوان

**

شع الهوى في ناظريها فاحتواني واحتواها

وارتاح صدري وهو يخفق باللحون على شذاها

فغفوت استرق الرؤى والشاعرية من رؤاها

وأغيب في الدفء المعطر كالغمامة في نداها

**

عينان سوداوات أصفى من؟ أماسي اللقاء

وأحب من نجم الصباح إلى المراعي والرعاء

تتلألأن عن الرجاء كليلة تخفي دجاها

فجراَ يلون بالندى درب الربيع وبالضياء

**

سمراء يا نجما تألق في مسائي أبغضيني

واقسي علي ولا ترقى للشكاة وعذبيني

خلي احتقارًا في العيون وقطبي تلك الشفاها

فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !

**

يا موت يارب المخاوف والدياميس الضريرة

اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ ومن أرادك أن تزوره ؟

أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها

دعني أعيش على ابتسامتها وان كانت قصيرة

**

لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا

لن تطفئ المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا

في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها

حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا !!

**

يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل

بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل

والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها

إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!

**

وغدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع

وانحل كالظل الهزيل وذاب كاللحن السريع

وتفتحت بين السنابل وهي تحلم بالقطيع

والناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع

**

وهويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير

من صدري المهدوم حشرجة فتحترق العطور

تحت الشفاه الراعشات ويطفأ الحقل النضير

شيئا فشيئا .. في عيوني ثم ينفلت الأسير !!

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads