الرئيسية » » طه عدنان | كابوس فِرْدَوْسي

طه عدنان | كابوس فِرْدَوْسي

Written By هشام الصباحي on الأحد، 26 أكتوبر 2014 | أكتوبر 26, 2014

طه عدنان

 

 

كأنّي في غَيْبٍ

كأنّي على غَيْمٍ مِنْ ريشِ الأحلام

شَعْرُ النّواعِم عُشبي ومَرْعاي

نَهْدٌ بِلا حَلَمَة. صدرٌ بِلا قلبٍ. وَالمَهْبِلُ البُرْكانُ يطفَحُ بالحلاوَةِ والحِمَم. السِّيقانُ تُحاصِر غَفْوَتي. مِنْها الطِّوالُ، كَالخَيْزُرانِ على شَبَقي تنامى باذِخًا. مِنْها القِصارُ، كأفخاذِ الحَمام. أغفو على الأردافِ تَهْصِرني وتَصْهَرني. أقلِّبُها. أقبِّلُها. وَالحُورُ المَقْصوراتُ في الغَرامِ يَسُقْنَني للنّشوَةِ القُصوى. فالوَصْلُ محفوفٌ بِحُبٍّ سابقٍ.. وَبِلاحِقٍ

بِهَوىً مَكينٍ لاهبٍ يَسْتَوْطِنُ الأعْضاء

وَالبرقُ يلمعُ مِنْ ثغورِ الحُورِ، أمثالِ اللآلِئ. أمّا الشّموسُ فَكَالأنهار تَجْري مِنْ تحتِ الأسِرَّةِ.. لِيَطْفُو على السّطح وَهْجُ السّريرةِ.. فَتُونِعَ أدواحٌ، وَيَنْضَجَ تفّاحٌ. أقْطِفُهُ، فَيَقْصِفُني.. أقْضِمُه، فأفنى في لَذاذَتِه.. وأرفُلُ في النَّعيم

هذه جنّتي مُسَرْبَلةً بِعُرْيِها السّرمَدِيِّ

أنا المولودُ مِنْ رَحِم الخَرابِ الدّنيوِيِّ

أنا المفقودُ في هذا الوجودِ الأُخْرَوِيِّ

أنا الطّيْفُ الأثيم

حقيقَتي، هذا المَحْفِلُ الشبقِيُّ: نساءٌ عَدَدَ الورد. لا يَحِضْنَ ولا يَفِضْنَ. كواعِبُ مِن طَلْعَتِهنَّ تَسْطَعُ الأنوار. وَمِن حِرِّهِنّ يرشَحُ رحيقٌ كَالعسلِ

نساءٌ عسلٌ

وأنا المُتمرِّغُ في الحَلاوة

النَّشوانُ المُبْتَهِجُ السعيدُ

لاحِسُ العَسَلِ المُسْتَزيدُ

 

ظنَنْتُني وَحْدي في هذا العُبابِ اللؤلؤيِّ

قبل أن يَجْرُفَني قارِبُ اللَّهْفة الحَيْران

رأيتُ فيما يرى الحالِمُ اليَقْظان:

مغربيًّا من بروكسل، كان يبيعُ الحشيش في (ريبوكور) قبل أن ينضوي تحت لواء (داعش) في الغبراء. متنعّمًا كان على صدر حوراءَ مجرّدَةٍ من الكِسْوَة والرّعشات. يطأُها وَطْءَ الجِمال في الرِّمال، فتَغْدو كلّما افتضَّها بِكْرًا، وَقضيبُهُ لا يَنْثَني أبدًا. مِنْ كتابٍ، في يَمينِهِ، تبْرُزُ أعمالٌ جِسام: تَدْميرُ مقامِ النّبيِّ يونُسَ في الموصل، تفجيرُ حسينيةٍ شيعيةٍ في كركوك، تَرْويعُ نصارى عراقيّين في نينوى، إقامةُ الحدِّ على سارقٍ في حلب، واغتصابُ سبيّتَيْنِ من بناتِ الرّوافضِ العلويّين في الرَّقّة.

رأيتُ

على الأرائكِ متّكِّئًا، مُسْتَوْطِنًا من إسرائيلَ. عرفتُه بلجيكيًّا في نهاية التسعينات، قَبْل أن يكتشِفَ لهُ أرضَ ميعادٍ، ويستولي على بيتٍ في حارَةِ المغاربة بالقدس الشرقية. في صحيفتِهِ هناك بمأوى الأرواحِ الزّكيّةِ حيثُ المراعي الخُضْرُ: قَطْعُ عشراتِ الأشجارِ المثمرةِ في ضيعةٍ عربيةٍ بنابلس وإحراقُ سبع زيتوناتٍ، ضخُّ مياه المستوطَنة العادمة على كُرومِ بيت لحم، وبلونٍ مغايرٍ نقرأ عن دهس طفلةٍ فلسطينيّةٍ بالسيارة في بيت ساحور. كان يشرَبُ عَذْبَ الرُّضَاب من شفاهِ شقراءَ بشَعْرٍ ذَهَبٍ، تبدو كَروسيّاتِ الدّنيا الفانية.

رأيتُ

فلمنكيًّا من (بروج). كان يَحِنُّ لفرسان الصَّليب، ويتوعَّدُ السَّراسِنَةَ بالشَّرِّ المستطير. أقام بالقدس سنتَيْنِ قبل ترحيله. كان يسلُكُ (دربَ الآلام) كلّ صباحٍ حاملًا صليبَهُ المُزَخْرَف. وفي الليل، يسرِقُ اليهود - يُسمّيهم الشعب الملعونَ - انتقامًا للمسيح. بدا يرتخي على فَخِذِ حوريةٍ تُرْضِعُهُ العسل فلا يرتوي. مِنْ حِرِّها البَضِّ سطَع نورٌ وَفاحَ بَخورٌ. كانت تُداعِبُ هزّازَهُ النَّعْسانَ فلا يَهْتَزّ. وبعينَيْنِ هائمتَيْنِ وقلبٍ قانِتٍ بَرَزَ مثل أولي الأجنحَةِ ضارِبًا في الملكوت.

 

تَحَسَّسْتُ يميني

لا صحيفةَ لي

تُدوِّن أعمالي في سِجِّلِ النّاسوت

لا عَمَل لي

يُزَكّي هذا العَسَلَ الأزليَّ

لا أزلَ لي

أنا الهابِطُ مِنْ سِدْرة المشتهى

إلى مَنْزِلِ الرّغبة العابِرة

وحين استفَقْتُ مِنْ هَجْعَةِ الأزَلِ، نافِذًا بِغُلْمَتي، صحَوْتُ على خيمةٍ منصوبَةٍ وَسَطَ السَّرير. بِالشِّمالِ دَعَكْتُ منها العمودَ، فَرَكْتُه، أطلقتُ نُطْفَتَهُ نافورةً تُخْبي جُذْوَة الحُلْم. ولقَطْتُ الهاتفَ يَعْلوني الشَّبَقُ ويَنْهَشُني الحنينْ. أنا الزّنبور الهارِبُ من أبديّةِ العسلِ المُرِّ أسْهِبُ في الطّنينْ:

"ألو نسرينْ

صباحُ الحُبِّ

يا مُهْجَةَ القلب

يا وردةَ الرُّوح

يا جنّةَ الأرضينْ

كَمْ أشتهيكِ

يا ربّة الرّهز

آه لو تَدْرينْ".

 

بروكسل، سبتمبر 2014

 

شاعر مغربي، بروكسيل

tahaadnan@hotmail.com

 

خاص كيكا


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads