الرئيسية » » جورج ضرغام | روشتة طبيب يشبه أندريه بريتون

جورج ضرغام | روشتة طبيب يشبه أندريه بريتون

Written By كتاب الشعر on الأربعاء، 29 أكتوبر 2014 | أكتوبر 29, 2014

جورج ضرغام

روشتة طبيب يشبه أندريه بريتون

 

 

جورج ضرغام

 

 

 

الطبيب النفسي الذي يشبه أندريه بريتون، كتب روشتة لمريضه الكاتب

العربي نصحه فيها :

"إذا أردتَ أن تكون شاعرا عالميا، فكن وسيما كـ"أنتونان أرتو"،

أو"جان بيار دوبريه". وإن لم تستطع أن تتوسل ليد الإله كي تصحح

أخطاء وجهك، و"سفر التكوين" لتعديل الجينات الوراثية لراكبي الفُلك،

فكن بائسا  كـ"ريني كروفيل".. فهو أيضا ذائع الصيت".

الطبيب النفسي حكى له أيضاً عن حياة "الوسيم الثلاثيني". هذا العجوز

ذو الفضول الزائد، والنظارة الطبية التى تشبه كوبين من الشاي الردىء،

مريضٌ أيضاً بسيرة "بريتون"، تفرغ لرصد سيكولوجية الشعراء، وكتب

تحليلاً دقيقاً عن حالة مريضه السابق:

 

1= تحبه كل القطط، وبعض النساء الأليفة.

 

2= كل ليلة كان يضع رأسه على فخذ امرأة

فتصير كمنجة أنيقة من شهية الأصابع.. وينام:

   "موسيقى طائشة في الرأس لينزف الكابوس من رصاص النشوة".

 

3= كان يحب طعم  النمش على وجنتيها كحبات القهوة،

    يُسمي شفتيها فنجاناً ساخناً.. ويحتسي على مهل.

 

4-     قفصه الصدري قضبان حديدية،

تدخل امرأة.. تعطر سيرتها برائحة الغليون وتحترق.

        القفص الصدري ليس مساكن لطيور الزينة

        كي تتلذذ نساءٌ بسماع أصوات عصافير تعلو على أصوات قلبه.

 

5-     أصوات القلب، وأصوات العصافير أسكتها صوت

رصاصة أطلقها على رأسه.

 

6-     في صغره أخبرته أمه الميتة أن "راهبة لبنانية" انبأتها

بأنه سيموت  منتحراً كالمسيح في الثالثة والثلاثين،

فلما بلغ ثلاثين عاماً من النصوص عديمة الفائدة

ذهب لقبرها وسألها :

 هل كان اسم العرافة "نادجا" ؟!

 

7-     لو أدرك "جويس منصور" لتزوجها، لكنها ماتت قبل أن تراه

 باهتاً في ألبوم ممزق.

 

8-     سأل شرطياً ذات مرة، لماذا تعاقبون الباعة الجائلين

على تلويث الشوارع، ولا تعاقبون المرأة على تلويث الذكريات ؟

 

9-     سأل بائع الورد، لماذا انقطعت الصلة بين النساء والنحل ؟!

 

10-   و سأل الرب : لماذا  نحن حمقى لهذه الدرجة ؟

 

11-   الوسيمُ الثلاثينيُ" ذو الشعر الأسود الكثيف

أقنعَ النساءَ بأن الليلَ يجىء حين يميلُ عليهن برأسه،

فنامت نساءٌ على عينه، ونامت نساءٌ على كتفه كحمام ذابل،

ونامت نساءٌ على قبره كسرير أخير للروح.

 

12-   كان يرى المشطَ أداةً لكنسِ الذكرياتِ الرديئة،

وليس أداةً لتصفيفِ الشعر.

 

13-   المرآةُ  الملعونةُ  كانت ترى الدموعَ  في عينيه،

ولا تشكوهُ لحبيبته، ولشرطةِ المسطحاتِ المائية.

 

14-   الصحفُ الملعونةُ  أخفت نبأ موتِه

كي لا تزعجُ الفتياتِ من النومِ في الروايةِ العاطفية.

 

15-   الشاعرُ الملعونُ ليس بودلير وحده.. كُلُنا مجانين باريس 

 

16-   البكاءُ قطراتٌ زائدة لتنقيةِ الروح من شوائبِ امرأةٍ أولى،

تخرج على صدر امرأةٍ أخيرة

لتنبت الأرضُ الضيقةُ بين نهديها بالقصائدِ والعشب.

17-   تعلم كيف يبكي دون أن يراهُ الوردُ.. دون أن يراهُ صدرُ الفتاةِ

القروية التى تكرهُ حلولَ الروح في المطرِ الخفيف.

18-   القصيدةُ مرادفةٌ للأرق.. والحزنُ جريمةُ الشعراء.

19-   الوسيمُ الثلاثينيُ"  يكرهُ الحروبَ، والكوارثَ الطبيعية،

لكنه يرى في الزلزالِ ظاهرةً رومانتيكية تستحقُ التدوين:

أيادي الشعراءِ مرتعشة.. نهود الفتياتِ مرتعشة".

 

20-   يحبُ البرتقالَ لاقتناعه الدائم

بأنه صدرُ امرأة نضجتْ في الشتاء.

 

21-   يحبُ الشجرةَ

فهي دولابُ الحكايات العابرة:

(علِّق ملابسك. مناديلك.. ظلك الذي نسيك ومضى خلف ثرثرةِ

فراشةٍ تائهة على شعرها.. قصائدك التى لا تعجبها. شفتاك اللتان

أصابهما الجفاف من ندرةِ المطرِ العاطفي. علِّق أسماء من تحب

وأسماء من هجروا العصافير بلا أسماء فصارت طائراتٍ حربية

تقذفُ هيامَ العابرين. علِّق نهديّ حبيبةٍ كفاكهةٍ لا تذبل.. كهدايا

الكريسماس. وعلِّق ضحكات أطفال الشوارع )

 

الشجرةُ سيدةٌ لا تمل الانتظار

الشجرةُ رايةٌ لانتصار العصافير.. وظلٌ خافتٌ للناياتِ الحزينة

الشجرةُ مظلةٌ قديمةٌ للروح 

نبتت من تزاوجِ دمعةٍ عابر،

وقرطٍ سقطَ من سيدةٍ مجهولة، اجتازت الليل بنجمتين لها

ولشامتها البعيدة.

 

يحبُ الشجرةَ لأنها

ورقٌ حائر على هواء أغنية.. وشم هادىء على نهديّ الطريق.

لأنها جداريةُ الحبِ الأخضر، وبقيةٌ من ساقٍ نسائية مرت

على رصيفِ المُخيّلة.

ويحبها لأنها صديقة "سوزان".

 

22-   ذات ليلة كسرَ لصٌ زجاجَ رأسه،

وسرقَ الفرح الملطخ بدم الذهب !!

 

23-   الوسيمُ الثلاثينيُ" كان يرى جسدَ المرأةِ حديقةَ حيوانات

تستحق مغامرة التصوير عن قرب:

- الفرْجُ : رأسُ أسدٍ أليف .

- نمشُ الظهر: جلدُ زرافة .

 المؤخرةُ : حِمار وحشيّ .

14-   يدخنُ البايب  كأصدقائه المنتحرين:

(سيزار بافيزي.. هونتر تومسون.. سيرجي يسينين)

لذا اقترح على الشركاتِ المصنعةِ للغليون أن تكتبَ على منتجاتها:

 "يقودُ إلى الانتحار"، بدلاً من "التدخين ضار جداً بالصحة".

 

25-   البايب طقسٌ ليليّ للاحتفاء بالعزلة.

البايب رائحةُ امرأةٍ مثيرة، مدت ذراعها كجسرٍ بين فمك وسرها

ليعبرَ الهمسُ ويخدشَ حريرَ نهديها بزفيرالرغبة.

البايب كفٌ بديلٌ لامرأةٍ غابت نكهتُها عن مصافحةِ ليلِ شفتيك.

 

26-   وجدوه محترقاً...

        رجال الإطفاء شقوا صدره كجرّاح متمرس،

وفتحوا خراطيم المياه

أما هو فكان نائماً يحلم بامرأة تمشي على النهرٍ بصحبة مطرها.

 

27-   وجدوه مهدماً...

رجالُ الإنقاذ جمعوا بقاياه من تحتِ أنقاض

سيدةٍ سقطت عاطفتُها،

أما هو فكان يراقبهم ليدلهم على غبارِ روحه.

 

28-   وجدوه  سَلَّم الرب آخر مفاتيح روحه، وثلاثة دواوين صدأت

من قراءة الجميلات لوثائق الحزنِ المبلل بماءِ الذكريات...

رجالُ الدينِ الحمقى وضعوه في صندوقٍ من رحمِ شجرة،

ومضوا نحو كنيسةٍ مهجورة بلا شجرة.

أما هو فكان يرتبُ عَدَمَه ويَقيسهُ بحجم المأساة، وأرجل العصافير.

 

29-   اقتنع بنصيحة صديقه ريني شار:

        "الشاعر الحقيقي يموت شاباً كصديقنا رامبو"*

والموت أعلى درجات السوريالية.

30-   الشعراءُ أنبياءٌ أقلُ ضجيجاً.

 

31-   علقَ في قلادتهِ الصغيرة عينَ امرأةٍ تشبهُ برفاتي:

عينُ "غادة" ضروريةٌ لمسيرة النهرِ في بكاءِ الطيبيين. كأمهاتِ المطر،

ولو كانت الأمطار مقلوبةَ لانطفئ الجحيم !!

 

32-   كانت  قصيدتهُ الأخيرة من عشرِ كلماتِ فقط ،

كتبها على منديلٍ برائحةِ التعب، وعلّقها على شجرةِ كانون الأخيرة :

        "الجميع حملوا الفرح ومَضَوا، عدا كف الشعراء كان مثقوباً".

 

 

* رينيه شار بتصرف

 

شاعر وصحافي مصري

george.dergham@yahoo.com

 

خاص كيكا


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads