بين الشرق و الغرب
مسراك نور و أنسام و أنداؤ | فاخفق شراعي ، و طر ، يصدح لك الماء |
يا أيها القلق الحيران كم أمل | تشدو به موجة في بحر العذراء |
يحدوك بالنّغم السّكران أرغنها | في مسبح ماؤه زهر و صهباء |
أما ترى البحر يبدو في مفاتنه | لكلّ جبّ جديد فيه أجواء ؟ |
و فجره صائد طارت بمهجته | حوريّة في فجاج اليمّ شقراء ؟ |
و ليله مرقص تغشاه غانية | في مطرف أسود وشّاه لألاء ؟ |
شتّى مواكب من روح و آلهة | لها التّفات إلى الماضي و إصغاء |
تهرّها بقديم الشّوق أشرعة | مرنّحات تغنّهن أنواء |
يقودهنّ على الأمواج في مرح | ملاخ واد له بالتّيه إغراء |
ما بين عينيه سال البرق مبتسما | و استضخكت قلبه مزن و هوجاء |
زوته عنها السّنون السّبع و اختلفت | عليه من بعدها نعمى و بأساء |
مغرّبا في ديار من عشيرته | بها الأحبّة حسّاد و أعداء |
و قيل كفّته عن دنيا شوارده | بيضاء من شعرات الرّأس غرّاء |
لا يا غرامي ، و هذا الفنّ ملء دمي | بالنّار و الصّبوات الحمر مشّاء |
ما أفلتت من يدي غيداء عاصية | إلا و عادت إليها و هي سمحاء |
و ذاك شاطئنا المسحور تزحمه | من ذكرياتك أطياف و أصداء |
على الصّخور الحواني من مشارفه | ربّات وحي ، و أشواق ، و أهواء |
أقمن منتظرات ، ما شكون ضنى | و قد تعاقب إصباح و إمساء |
حتّى رأتني على بعد مطوّقة | مجروحة الصّوت ، و لهى اللّحن ، سجواء |
همّت تغنّي فكانت نبأة و صدى | صحت لوقعهما دوح و أفياء : |
عرائس الشّعر قد عاد الحبيب ، و في | عينيه سهد و تعذيب و إضناء |
آب المغامر من دنيا متاعبه | أما له راحة منها و إغفاء ؟ |
دعيه يحلم بأنّ البحر في دعة | و الرّيح ناعمة ، و الأرض قمراء |
و انها في ظلال السّلم نائمة | و أنّها جنّة للحبّ غنّاء |
و قرّبي كأسه و اصغي لمزهره | يسمعك أشجى نشيد زفّه الماء |
***
| |
و قيل لبنان سحر الشرق ، فاندفعت | سفينة و هفت بالشّوق دأماء |
أوحى له الشّرق أنّا من أحبّته | و أنّنا في الهوى أهل أودّاء |
فقرّبتنا و شفّت عن بشاشته | به قرى كربوع الخلد شجراء |
في كلّ منحدر منها و مرتفع | مسحورة النّبع ، ريّا النّبت ، جلواء |
فعلّقت بمغانيه نواظرنا | و قبّلت نسمات الأرز حوباء |
و استقبلتنا الطّيور في مناقرها | شدو ، و زيتونة للشّرق خضراء |
ترقّص الموج إذا مسّته أجنحها | كقلب آدم إذ مسّته حواء |
في ساحل من خرافات و أخيلة | بهنّ لبنان روّاح و غدّاء |
لاحت على سفحه بيروت فاتنة | صبيّة و هي مثل الدّهر شمطاء |
توسّدت صخرة الآباد و التفتت | ترعى سفائن من راحوا و من جاؤوا |
أتلك بيروت ؟ أم بابل صور | معلقات ، لها بالسّحر إيحاء ! |
شغل العباقرة الشادين من قدم | مجددين لهم في المجد أسماء |
و أومأت بالهوى عاليّ فاعتنقت | من حولنا ثمّ أظلال و أضواء |
قامت تنسّق من ماء و من شجر | فكلّ ناحية زهر و أجناء |
كأنّما نبّئت من عشتروت لقا | فازيّنت فهي سيقان و أثداء |
تقول : يا ربّة الحسن انظري و صفي: | أفوق واديك مثلى اليوم حسناء ؟ |
عاليّ ، رفقا بأبصار مدلّهة | لها إلى الحسن بالألباب إفضاء |
عاليّ ، إنّا نشاوى من هوى و أسبى | إنّا محبّون ، يا عاليّ ، أنضاء |
و حان بعد وداع من فرادسها | و قد حرت بخطى الشّمس المليساء |
فاغرورقت بدموع الوجد أعيننا | و أشفقت من وجيب القلب أحناء |
و سار عنها شراع حائر قلق | له إلى الغرب بالأسفار إيماء |
***
| |
يل بحر ما بك ؟ هل مسّتك عاصفة | أم استخفّك إزباد و إرغاء ؟ |
أشاقك الغرب أم شفّتك موجدة | لما خبت من ربوع الشّرق أسناء ؟ |
هذي السّماء صفاء ، و الدّجى قمر | للحسن فيه و للعشّاق ما شاؤا |
يا بحر ما بك ما بي! مصر ما بعدت | ولي إليها بهذا الشّعر إسراء |
عجبت و العصر حرّا كيف في يديها | هذا الحديد له حزّ و إدماء ! |
أقسمت لا رجعت بي فيك جارية | إن لم تجئ عن جلاء القوم أبناء |
و أنّ مصر بحريّاتها ظفرت | فأهلها اليوم أحرار أعزّاء |
أقسمت ، إلاّ إذا نادت بقتياها | فهبّ مستقتل عندها و فداء |