عودة المحارب ..
اتدري الريح من ملكت زمامه | تشقّ الغرب و تطوي ظلامه ؟ |
هفت للشرق فاختلجت جناحا | به، و استقبلت لثما غمامه ! |
و قيل دنا و حوّم ، فاشرأبّت | ضفاف النيل تستهدي حيامه |
و عانقه الصّباح على رباها | غضيض الطّرف لم ينفض منامه |
يضيء بورده الأزليّ أفقا | تظلّله الرّعاية ة السّلامه |
وواكبه على سيناء برق | بعين الملهمين رنا فشامه |
تمثّل إذا تألّق ذكريات | و أمجادا مشهّرة مسامه |
لمحترب من الأبطال فاد | يخاف الدّهر أن يلقي عرامه |
حواريّ على كفيّه قلب | أبى غير الشّهامة و الكرامه |
نحيف من شراه الخلد يحمي | تراث الشّرق أو يرعى ذمامه |
كسته خشنة غير الليالي | و سلّت عزمه و جلت حسامه |
أشدّ على قواضبها مراسا | و أنفذ من مضاربها همامه |
أقام على الفلاة طريد ظلم | و ذيد ، فما أطاق بها مقامه |
و بايع في شبيبته المنايا | فعادت منه و ادّرأت حمامه ! |
أحلّوا قتله و تطلّبوه | دما حرا و روحا مستهامه |
تنسّي الحرب كلّ فتى هواه | و لا ينسى الكميّ بها غرامه |
زئير الليث يطرب مسمعيه | و تشجيه برنّتها الحمامه |
و وثب الخيل أفراس الأماني | إلى خطر تعشّقه و رامه |
يصفّ البيض و السّمر العوالي | و يرقب من فم الصّبح ابتسامه |
و يفرك راحتيه دما و نارا | يغنّي حبّه و يدير جامه |
كذاك رأى الحياة فما اجتواها | و لا عرف الملالة و السّآمه |
مفازع للرّدى إن لاح فرّت | وراء خطاه و ارتدّت أمامه ! |
***
| |
أخا الهيجاء كيف شهدت حربا | يذكّر هولها يوم القيامه |
و كيف رأيت بعد الحرب سلما | تملأ بالضّغينة و اللآمه |
و قالوا عالم قد جمّلوه | فلم يعد الشّناعة و الدّمامه |
تناثرت الممالك فيه حتّى | لتعجز أن تبين لها حطامه |
متاهات تضلّ بها الليالي | و لا يدري بها فلك نظامه |
فلسطين الشهيدة في دجاه | مفزّعة الخواطر مستضامه |
أقام المستبدّ على حماها | فعاث بها و أفرادها طغامه |
و جاء بآبق لفظته دار | و أفّاق يحمّلها أثامه |
أباح له على كيد جناها | و شاطره على خبث مدامه |
و علّمه الرّماية و اجتباه | فسدّد في مقاتله سهامه ! |
نديم الأمس سقاه بكأس | أحسّ لهيبها و رأى ضرامه |
رمى الشيطان عن فخّارتيها | و عضّ على نواجذه ندامه |
ألا لا يمرح الباغون فيها | فلن ينسى لها الحقّ انتقامه |
محال أن تطيب لهم حياة | عليها ، أو تدوم لهم إقامه |
عروبتها على الأدهر أبقى | و أثبت من رواسخها دعامه |
أتهدأ و هي في الغمرات تأسو | جريحا ؟ أو تشدّ له ضمامه ؟ |
و مفتيها الأمين و مفتديها | وراء تخومها يشكو هيامه ؟ |
فتى أحرارها ما عاب عنها | و لا منع الخيال بها لمامه |
كأمس ، كعهدها ، لم بغف عينا | بليل أقسمت ألا تنامه |
يؤلفها على الأحداث صفّا | جسور النفس جبّار العرامه |
جهاد في العروبة و احتشاد | له التاريخ قد ألقى زمامه |
***
| |
أخا الصّبوات هل شفت الليالي | جراح القلب أو روّت أوامه ؟ |
حللن بسوريا بعد اغتراب | و قد كاد الجلاء يتمّ عامه |
فقلت تحيّة الزّمن المعادي | لمقتل أطال به صدامه |
و أشرقت الكتائب عن لواء | يد الشهداء لم تترك عصامه |
لأصهب من أسود الحرب يمشي | بأصهب تمسك الدنيا لجامه |
حواك جلالة فحنيت رأسا | و لم تخفض لجبّارين هامه |
طريق المجد كم أثر عليه | لأهوال لقيت و كم علامه ! |
و كم جبل هبطت برأس واد | يعزّ الجنّ أن ترقى سنامه |
حميت الغاصبين خطى إليه | فصان عراقه و حمى شآمه |
بجيش من بني عدنان فاد | ترى نسرا به و ترى أسامه |
يروعك خالد فيه و تلقى | عبيدة و هو في سيف و لامه |
كأنّ الفاتحين من الأوالي | على أسيافهم رفعوا خيامه ! |
***
| |
حماة الشرق ، كم الغرب باغ | عليه ، أذاقه بطشا و سامه |
و كم أيد عليه مجرّدات | مخالب كاسر يبغي التهامه |
ذئاب حول جنّته تعاوى | كأنّ بكلّ معترك زحامه |
هو السيف الأصمّ إذا تغنّى | صغا متجبر و وعى كلامه |
أعدّوا حدّه لصراع دهر | صريع الوهم من يرجو سلامه ! |