الرئيسية » » الأغنية الأخيرة لمالك الحزين | شوقي بزيع

الأغنية الأخيرة لمالك الحزين | شوقي بزيع

Written By غير معرف on الجمعة، 17 مايو 2013 | مايو 17, 2013


قصيدة الشاعر  شوقي بزيع

الأغنية الأخيرة لمالك الحزين


منتشياً بنصره العظيم
راح تيمورلنك يدفع التاريخ
مثل قارب أمامه،
وينهب السنينْ
وحيثُ واصلتْ جحافل المغول زَحْفَهَا
لتنقش اسمه على أحجار سور الصينْ
وفوق مغرب الشموسِ
في بلاد الشامِ،
والضفائرِ الخضراء للمياهِ،
والدخان منهكاً يغذُّ سيرهُ أمام ناظريْهِ
كي يظلِّل المذابحْ
تحلَّقتْ فصائل الطيور حولهُ
وراح كلُّ طائرٍ يُخرج من جعبتهِ
ما يُطرب السلطان من مدائحْ
تقدَّم الطاووس أولاً،
وقالَ: لستُ شاعراً
لكنني أستسمح السلطانَ أن أَخُصَّهُ
بريشةٍ لرأسهِ
لكي أوفِّر التناغم الخلابَ
بين نور عقلهِ وبين وجهه الصَّبوحْ
وبعدهُ تقدَّم الغرابُ ناعقاً
وقال: يا مولايَ
أنت ما تزال بين جولةٍ وأختها
ترمِّلُ الأنهار والنساء والمُدُنْ
وتطحنُ العبادْ
لكي تعيد كل خاطئ الى صوابهِ،
ليأذنِ السلطانُ لي إذنْ
أن أعتلي سنام عصره السعيدِ
كي أجرِّد البلاد من نعيبها
وكي أزيِّن المآتمْ
ملمِّعاً أسماءك الحسنى
على ذرى المآذنِ التي صنعْتَها من الجماجمْ
بكلِّ ما ملكتُ من سوادْ
وبعده تقدَّمت فبَّرَةٌ تقول:
أنا ضعيفةٌ كما ترى
لكنني وقد لزمتُ رفقة الثرى
أودُّ يا مولاي
لو أرافقُ الجيوش حيثما تَوَجَّهَتْ
لعلَّني أمسح بالأهدابِ
ما يظلُّ عالقاً من الغبار والأشواكِ
في حوافر الخيولْ
وبعدها تقدَّمتْ حمامةٌ وأنشأتْ تقول:
لو أراد سيدي استعادة الزمانِ يانعاً
لعدتُ بكْ
إلى الوراءِ
حيث وجهك الذي تحتارُ
في تأويلِ سحره النساءْ
يطلُّ مع بهائه الملائكيِّ
من غيابة السنينْ
وحين جاء دورُ مالكِ الحزينِ
ظلَّ صامتاً،
فقال تيمورلنك:
أما لديك ما تقولُهُ
في مجلسي الوقور هذا؟!
قال: لست شاعر البلاط سيدي
ولن أكون واحداً من جوقة المنافقين
ثم إن لي أغنية واحدةً
لا تُطرِبُ السلطانْ
فصاح تيمورلنك في جنودهِ:
اقتلوهُ شأن كلِّ من عصى
لكي يكون عبرةً لغيرهِ من الطيورْ
وحين أسلموه للسيوف والرماحْ
وسالت الدماءُ من منقاره الجريحِ
دار حول عنقه الطويل كالدرويش،
منشباً غناءه الذبيحَ
في حناجر القتلى،
وفي رفاتِ كلِّ ضحكةٍ تَيَتَّمَتْ،
وكلِّ قبلةٍ تَقَطَّعَتْ أوصالها،
وفي حراشف الهواءِ
يطفو فوق صفحة المياه نافقاً،
وفي قصائد الحنينْ
في جهات حمص قيل مات مالكُ الحزينْ
وقيل: حين ماتَ
جفَّت الدموعُ في عيون أهلها
وقيل إن لوثةً من الجنونِ
خالطتْ عقولهمْ
فجيَّشوا الطبول كي تُصِمَّ سمْع تيمورلنك
وأطلقوا أعنَّة الرياحِ من أقفاصها
لكي تدكَّ عرشه المكينْ
وحيث مالت الأشجارُ نحو الأرضِ
وانحنتْ على جذوعها،
ونكَّسَتْ جدرانها البيوت،
وحده الإنسانُ ظلَّ واقفاً
واتَّخَذَتْ مقابضُ الأبوابِ شكلَ:
لا
 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads