الرئيسية » » الديناصور الأخير-4 | رفعت سلام

الديناصور الأخير-4 | رفعت سلام

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 17 مايو 2013 | مايو 17, 2013

حَانَ وَقْتُ الرِّثَاءِ، فَهَلْ حَفَرْتُ قَبْرِي بِيَدِي، أَمْ زَرَعْتُ فِي طَرِيقِيَ حَقْلاً مِنْ شِرَاكٍ، وَسِرْتُ مُغْمَضَ الْعَيْنَيْنِ أُغَنِّي غُنْوَةً قَدِيمَةً لِوَرْدَةٍ بِلاَ لَوْنٍ وَرَائِحَة أَيَّتُهَا اللَّحْظَةُ الْجَارِحَةُ، الْفَادِحَةُ، رَاوَدْتِنِي وَخَدَعْتِنِي فَرَمَيْتِنِي فِي الْعَرَاءِ، صَرْخَةً فِي الْخَوَاءِ، سَيِّدًا لِلْهَبَاءِ، يَهْرُبُ الْعَرْشُ مِنْ تَحْتِي، وَيَفِرُّ الصَّوْلَجَانُ، يَنْسَلُّ مِنْ يَدِي الزَّمَانُ، إِلَى أَيْنَ أَيَّتُهَا الْجِيَادُ الذَّهَبِيَّةُ؟ أَيَّتُهَا الْمَرْكَبَاتُ الْمَلَكِيَّةُ؟ كَمْ نِمْنَا، أَيُّهَا الوَهْمُ الْجَمِيلُ؟ دَهْرًا أَوْ بَعْضَ دَهْرٍ؟ أَيَّتُهَا الْغَيْبُوبَةُ الْمُرِيبَةُ، هَلْ يَعُودُ الزَّمَانُ الْقَهْقَرَى؟ وَكَانَ عَرْشِي طَافِيًا عَلَى الزِّئْبَقِ، وَسْطَ الْحُقُولِ، فَانْتَحَى بِي إِلَى غَارٍ يَحُفُّهُ الْغَارُ، قُلْتُ هُوَ الْوَحْيُ وَالنُّبُوَّةُ، أَوْ سِنَةٌ مِنْ نَوْمٍ، يَا حُرَّاسَ الصَّمْتِ وَالظَّلاَمِ، انْتَشِرُوا فَاحْصُدُوا شَجَرَ الْكَلاَمِ، فَانْتَشَرُوا وَحَصَدُوا لِي 35 أَلْفَ صَوْتٍ، فَاسْتَسْلَمْتُ لِلسُّبَاتِ وَالنِّسْيَانِ، تَحُفُّنِي رَفْرَفَةُ الأَحْلاَمِ الْبَيْضَاءَ بِلاَ سُوءٍ، وَاسْتَيْقَظْتُ فِي الْبَرَارِي الْعَارِيَة جُثَّةً عَاوِيَة؛ فَهَلْ رَبَّيْتُ الأَفَاعِي فِي عَبَاءَتِي؟ أَمْ نَمَا شَجَرُ الْكَلاَمِ فِِي غَيْبُوبَتِي؟ فَأَيْنَ كَانَت الْمُخَابَرَاتُ وَالْمَبَاحِثُ وَالْحَرَسُ الْجُمْهُورِيُّ الْمَلَكِيُّ وَالأَمْنُ الْمَرْكَزِيُّ وَغَيْرُ الْمَرْكَزِيِّ وَالسُّجُونُ وَالْمُعْتَقَلاَتُ وَالسِّيَاطُ وَالصَّفَعَاتُ وَالْكَهْرُبَاء؟ نُوْمٌ غَادِرٌ وَوَقْتٌ مَاكِرٌ، فَهَلْ تَوَاطَأَ الْكَوْنُ ضِدِّي؟ أَنَا الْبَهْلَوَانُ الْعَجُوزُ، سَيِّدُ الْقَفْزِ عَلَى الْحِبَالِ، مِنْ أَيْنَ جَاءَت سِقْطَتِي؟ أَيُّ حَبْلٍ خَانَنِي، فَالْتَفَّ حَوْلَ رَقَبَتِي، ثُمَّ أَفْلَتَنِي إِلَى الْهَاوِيَة؟ مُعَلَّقًا، لاَ أَرْضَ لاَ سَمَاء، فَضَاءٌ حَامِضٌ يُدَلِّينِي مُؤَرَّقًا بِلاَ قَرَارٍ، تُطِيحُ بِي الرِّيحُ أَيْنَمَا رَاحَت أَرُوحُ، فَمَنْ بَاحَ بِي؟ مَنْ أَطَاحَ بِوَرَقَةِ التُّوتِ، فَاسْتَبَاحَتْنِي عَوَامِلُ التَّعْرِيَة؟ أَيُّهَا الْخَوَنَةُ، أَعْرِفُكُم كُلَّكُم، فَاصْطَفُّوا أَمَامَ حَائِطِ الإِعْدَامِ حَسْبَ الطُّولِ، خِيَانَةٌ عُظْمَى، أَنَا الْقَاضِي الْجَلاَّدُ، اصْطَفُّوا، بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيُّهَا الْجَاحِدُونَ الْمُنَافِقُونَ، لاَ رَحْمَةَ أَوْ مَغْفِرَةَ يَا فِرْقَةِ الْقَتْلِ، مَنْ يَدُقُّ الأَجْرَاسَ، لِمَن؟ مِنْ أَيْن؟ أَطْلِقُوا، جَمِيعًا، وَعَلِّقُوا رُؤُوسَهَا عَلَى الْبَوَّابَاتِ وَالْمَيَادِينِ، أَيُّهَا الصَّمْتُ الْمَكِينُ كَالسِّكِّينِ، لاَ يَحْتَلُّهُ غَيْرُ صَوْتِي، أَنْتَ مُوسِيقَايَ وَغُنْوَتِي، خَمْرِي وَبَهْجَتِي، فَمَنْ فَتَحَ الأَبْوَابَ لِلأَصْوَاتِ النَّافِرَةِ السَّافِرَةِ الْكَافِرَةِ الْغَادِرَةِ الْبَائِرَةِ الْفَاجِرَةِ؟ أَيُّهَا الْحُرَّاسُ، إِلَى أَقْبِيَةِ التَّعْذِيبِ وَالْعَرُوسِ الْخَشَبِيَّةِ، لاَ حِيلَةَ لِي، أَنَا عَاشِقُ الظُّلْمَةِ وَالصَّمْتِ وَالْمَرَايَا، وَجْهِي قِنَاعٌ مِنَ الشَّمْعِ لاَ تَرَاهُ الشَّمْسُ وَالْعَصَافِيرُ، وَابْتِسَامَتِي تَكْشِيرَةٌ فَاشِلَةٌ، أَنَا الْقَبْضَةُ الْقَاتِلَةُ، اللُّغَةُ الْمُخَاتِلَةُ، أَرُوغُ بِالْغَرِيزَةِ مِنْ رَصَاصِ الصَّائِدِينِ الرَّاصِدِين، قَلْبِي يَرَى الرَّصَاصَةَ فِي مَكْمَنِهَا، يَرْصُدُ خَطَّ سَيْرِهَا، فَيَمِيلَ فِي اللَّحْظَةِ الْفَاصِلَة، فَهَلْ خَانَنِي- هَذِهِ الْمَرَّةَ- قَلْبِي؟ أَمْ أَغْمَضَ الْعَيْنَيْنِ سِنَةً مِنْ نُعَاسٍ؟ أَمِ الشَّيْخُوخَةُ حَطَّتْ عَلَى الْبَصِيرَةِ فَامْتَطَاهَا الْبَرَابِرَةُ الصِّغَارُ إِلَى سُدَّةِ الْعَرْشِ؟ هَائِمًا فِي الْقِفَارِ، عُكَّازٌ مِنَ السَّنْطِ فِي يَدِي، وَعَلَى رَأسِيَ إِكْلِيلُ شَوْكٍ يَنْخَسُنِي كُلَّمَا انْتَابَنِي الأَسَن، أَيُّهَا الْوَهَنُ الَّذِي يَسْرِقُ الذَّاكِرَةَ، أَنَا الأَرْضُ الْقَاحِلَةُ، صُخُورٌ وَشَوْكٌ وَالزَّوَاحِفُ تَرْعَى، سَمَاءٌ مِنَ بَازَلْت، وَغَيْمَةٌ مِنْ حَجَرٍ، أَيُّهَا السَّهَرُ، مَنْ طَعَنَ النَّوْمَ فِي الظَّهْرِ، وَبَعْثَرَ الأَشْلاَءَ فِي الْجِهَاتِ الأَرْبَع، لاَ بَأسَ، أَسْرَابٌ مِنْ حَدِيدٍ صَدِئٍ تُرَفْرِفُ فِي فَضَاءِ الْقَلْبِ، تَقْضُمُنِي، وَكُلُّ قَضْمَةٍ صَرْخَةٌ بَرِّيَّةٌ، كُلُّ صَرْخَةٍ قَافِلَةٌ مِنْ نُعُوشٍ طَائِرَةٍ تَخْفُرُهَا وَلْوَلاَتٌ غَائِرَةٌ، كُلُّ وَلْوَلَةٍ وَرْدَةٌ سَوْدَاءُ تَخِزُ الْقَلْبَ الْكَسِير أَنَا الدِّينَاصُورُ الأَخِير عَرَفْتُ آخِرَتِي، إِلَيْهَا مُغْمَضًا أَمْضِي، وَعَلَى الْعَرْشِ أَعْلاَمُ الْبَرَابِرَةِ الْوَارِثِينَ، أَدِيرُ وَجْهِي إِلَى الْهَبَاءِ، وَفِي فَمِي أُغْنِيَةٌ قَدِيمَةٌ لِوَرْدَةٍ بِلاَ لَوْنٍ وَلاَ رَائِحَةٍ، أَعْرِفُ الطَّرِيقَ بِلاَ شَارَةٍ أَوْ دَلِيلٍ، عَلَى رَأسِي الإِكْلِيلُ وَفِي الْقَلْبِ الْعَوِيلُ، أَيُّهَا الزَّمَنُ الْجَمِيلُ، مَا فَاتَ مَاتَ، بِلاَ عَزَاءٍ، أَيُّهَا الزَّمَنُ الْوَبِيلُ، مَا سَيَأتِي سَيَأتِي، فَلأُعِد الآنَ مَرْثِيَّتِي وَأَطْلاَلِي لِطُقُوسِ النِّهَايَةِ، نُبَاحٌ وَعُوَاءٌ لَحْظَةَ الافْتِتَاحِ، كَأسٌ مِنَ الْحَنْظَلِ الْمُعَتَّقِ، فَالطَّبَقُ الرَّئِيسِيُّ شَرِيحَةٌ مِنْ لَحْمِ الْفَجِيعَةِ، فَالْمَرْثِيَّةُ الأَخِيرَةُ وَالْبُكَاءُ عَلَى أَطْلاَلِ الزَّمَنِ الْغَابِرِ، أَضْيَافِي الْحَيَّةُ الرَّقْطَاءُ وَالضَّبْعُ الْخَجُولُ وَالْحِدْأَةُ الرَّحِيمَةُ، عَائِلَتِي السَّاحِرَةُ الشَّمْطَاءُ وَالْوَغْدُ الزَّنِيمُ، حَاشِيَتِي هَوَامُّ الأَرْضِ، أَيُّهَا السَّادَةُ النُّبَلاَءُ، قَدْ نَضُجْتُ لِلنِّهَايَةِ، نَضُجَتْ لِي، فَأَحْمِلَ مِعْوَلِي وَجَارُوفِي إِلَى السَّفْحِ، وَحِيدًا، لاَ مَوَاكِبَ، لاَ إِعْلاَنَ لِلطَّوَارِئِ، الآنَ النِّسْيَانُ آنَ، فَانْفَضُّوا جَمِيعًا لأَقْفِزَ الْقَفْزَةَ الأَبَدِيَّة أَنَا سَيِّدُ السُّلاَلَةِ الدَّمَوِيَّة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads