أَيُّهَا الْوَقْتُ الْحَجَر ؛
هَرُبْتَ مِنِّي إِلَى الْجِهَةِ الْعَمْيَاء َ،
تَرَكْتَنِي كَسَنْطٍ عَجُوزٍ ،
أَحْتَسِي الْمُرَّ رِشْفَةً فَرِشْفَةً ، بِلاَ انْتِهَاء .
سَرَابٌ، وَلاَ مَاء .
غَيْمَةٌ جَرْدَاء ،
لاَ قَطْرَةٌ مِنْ مَطَر .
أَيُّهَا الْوَقْتُ الْحَجَر .
خَرَجَتْ مِنْ جُحُورِهَا الأَفَاعِي ، تَسَلَّقَتْنِي ، نَتَفَت لِحْيَتِي الشَّيْبَاءَ إِلَى آخِرِ شَعْرَةٍ ، وَالْتَفَّتْ عَلَى عُنُقِي فِي رَقْصَةٍ هَمَجِيَّةٍ ، وَفَوْقَ أَكْتَافِيَ مَدَّت قَوْسَ نَصْرٍ قَادِمٍ ، فَهَلْ آنَ أَنْ أَحْفُرَ الآنَ قَبْرِي ؟ أَآنَ آنُ الْبُكَائِيَّةُ الأَخِيرَة ؟
بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ كُلُّ شَيْء ،
كُلُّ شَيْءٍ عَابِرٌ ، غَارِبٌ ، هَارِبٌ
فِي لَحْظَةِ الزَّهْوِ الْغَرِيرَة .
أَنَا الْمَيِّتُ الْحَيُّ ، لاَ أَمْشِي ، بَلِ الأَرْضُ تَسِلُّ نَفْسَهَا تَحْتَ أَقْدَامِي ، إِلَى الْوَرَاءِ ، تَفِرُّ مِنِّي الأَشْجَارُ وَالْيَنَابِيعُ ، تَرْكُضُ التِّلاَلُ وَالْحُقُولُ ، لاَ يَخْفُرُنِي سِوَى غَيْمَةٍ مِنْ عُوَاء
لاَ عَزَاء .
كُلُّ الَّذِينَ أُحِبُّهُم مَاتُـوا ،
وَغَاضَ الْبَكَاء .
لاَ رِثَاء .
فَلْتَهْبِطِي أَيَّتُهَا الْبُومَةُ الْعَمْيَاءُ عَنْ كَتِفِي ، وَلْتَنْزِلِي أَيَّتُهَا السِّحْلِيَّةُ الْعَجْفَاءُ عَنْ نَيَاشِينِيَ الصَّدِئَةِ (كَانَت بَاهِرَةً فِي الأَزْمَانِ الْغَابِرَة) ، إِلَى آخِرِ رَمَقٍ ، أَنَا سَيِّدُ هَذَا الْكَوْنِ الآفِلِ
أَنَـا الدِّينَـاصُور الأَخِيـر