الرئيسية » » ما الذي تبقّى لنا؟ | طلال حمّاد

ما الذي تبقّى لنا؟ | طلال حمّاد

Written By غير معرف on الجمعة، 17 مايو 2013 | مايو 17, 2013


ما الذي تبقّى لنا؟

(هي قصيدة وتوطئتها وقد نُشرتا في تونس في أفريل/أبريل/ نيسان 2003)


التوطئة


حسناً.. ليتوقّف كلّ شيء عند هذه النقطة، ولنعد نحن إلى أوّل السطر. سنعترف، الآنَ وهنا، بأنّ ما فات لم يمت، وأنّه ما يزالُ حيّاً، باقياً فينا.. يسكُنُ لحظةً، وينهضُ لحظة، بتحريضٍ من فاعل، أو بنزوةٍ دفينةٍ، تنبُتُ كالبذرة، وقد خالها الرّامي ميّتةً تحت التراب..
كما أنّنا سنعترف، هنا ولاحقاً، بأنّ ما اقترفناه في حقّنا، حتّى الآنَ، من إغفالٍ أو إهمالٍ أو مساومةٍ، جريمَةٌ، وأنّ علينا محو هذا العار، الذي يُطاردُنا، مُطالباً بديونه، حتّى حافّة القبر، قبل أن نتركه، أو نورِثَهُ بكتاب، إلى أبنائنا، أو أحفادنا، فتحلّ اللعنة علينا، محلّ الغفران لنا، أو يُهيلونها فوقنا، بَدَلَ التراب، فلا تستُرَنا.. حتّى بعد الحياة.
والتساؤل الذي يُحرجُني فَضحُهُ الآنَ، في هذه الظروف المريرة، وهو حالةٌ قائمةٌ ثابتةٌ لا تتحوّل، منذ دعوة أمّ أبي عبد الله الصغير صغيرَها الملك، إلى البكاء "مثل النساء" على ما أضاعَهُ (وما الذي أضاعَهُ؟ المُلكٌ، والمُلك "لله"، أم "غرناطة"، وغرناطَةُ في آخر الأمر، أليست هي الوَطَنُ؟)، هو: " ما الذي تبقّى (لنا)، بعد كلّ ما تحقّق (لنا)، ولم يتحقّق مثله لغيرنا،خلال نصف قرنٍ من الحياة (على الأقّل)، في ظلّ حياتنا القاتمة؟




القصيدة

مــــا الــذي تبقّـــــــــى لنــــــا؟
ـ ماء؟
ـ نغرَقُ في شبرٍ
يتجمّع من قَطرات
تسقُطُ سهواً
من دلو الجيرانْ
لكنّا
نخترق البحر إذا شئنا
مشياً
كالحَجَل المُتَبختِرِ في الوديانْ
وسنبلُغُ حتماً
قبلَ فُحول العَدْوِ...
شواطئنا بأمانْ
وإذا ما اجتاح الأرضَ
الطوفانْ
كنّا السدَّ.. لَهُ فارتدَّ
وكنّا للبنيان الجدرانْ!؟
ـ هواء؟
ـ تخنُقُنا نَسَماتْ
إنْ عَبَرَتْ هامِسَةً بالشُرُفاتْ
عَصَفَتْ بالقَصَباتْ
فكأنَّ رياحاً هبّتْ
قَصَفَتْ أعناق الشَجَراتْ
لكنّا
هَلْ تَعْرِفُ أنّا
نَلوي عُنُقَ الرّيحِ إذا شئْنا
بيَديْنا
وبأنّا
نَصْمُدُ كحُصونٍ كأداءْ
في وَجْهِ العاصِفَةِ الهَوْجاءْ
إنْ جُنَّتْ
ـ كالمصعوقِ ـ وَدوّتْ
في الأرْجاءْ
فَتَخِرُّ عَلى الأرْضِ ذليلة
وَكَسيرَة
ثُمّ تَفرُّ فَراراً
كالهارِبِ مِنْ رَمْضاءْ
ـ كلام؟
ـ نَنامُ كالحَمامْ
عَلى هَديلٍ مِنْ كَلامْ
وَنَسْتَفيقُ كالنّعامْ
عَلى خَريرٍ مِنْ كَلامْ
فَنَنْتَقي الباقَةَ الجَميلة
مِنْ أعْذَبِ الكَلِماتْ
المُذْهِلاتِ الساحِراتِ الآخِذاتْ
وَنَمْتَطي المَوْجَةَ الطّويلة
في الذّبْذَباتْ
مُحلِّقينَ كالطُّيورِ الراحلاتْ
مِنْ سِدْرَةٍ هُنا
وألْفِ سِدْرَةٍ هُناكْ
إلى العَنانِ باسِقاتْ
وَإنْ رَمَتْ عَناكِبُ الأزَماتْ
خُيوطَها مِنْ حَوْلِنا
مُحاصِراتٍ
أوْ مُكبِّلاتْ
نَهْوي عَلَيْها
مِثْلَما تَهْوي
مِنْ حَيْثُ نَدري
وَهْيَ لا تَدْري
صَواعِقٌ سَواحِقٌ
بِما الْتَهَبْ
مِنْ أعْقَدِ الْخُطَبْ
وَأعْجَزِ الكَلامْ
لِنَطْلُبَ السّلامْ!
ـ تَمامْ
فَما الذي يَنْقُصُنا إذَنْ
وَكلُّ شَيْءٍ عِنْدَنا
يَفيضُ عَنْ حاجَتِنا
ـ عَنْ حاجَةِ الإمْتِلاءْ
بِكُلِّ هذا الرّخاءْ ـ؟
ـ يَنْقُصُنا في البَدْءِ لَوْ نَشاءُ
أنْ نَموتَ في هَناءْ
أوْ لا نَموتَ.. كَيْفَما جاءْ
لكنْ
في كِبْرِياءْ
كَيْ لا يَقولْ
أبْناؤُنا
مِنْ بَعْدِنا
فَلا يُصابَ سامِعٌ بالذّهولْ
بِأنّنا لَمْ نَعِشْ
وَأنّنا لَمْ نَمُتْ
لكنّنا كُنّا
بِما عِشْنا
في آخِرِ الْأمْرِ
بِلا فَخْرِ
مِنِ أسْعَدِ التّعَساءْ!
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads