الرئيسية » » سؤالٌ خنجر | شيخة حسين حليوى

سؤالٌ خنجر | شيخة حسين حليوى

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 11 يناير 2016 | يناير 11, 2016


سؤالٌ خنجر








"وين يا مسهّل؟" سؤال يستبطنُ دعاء أو دعاء يستبطنُ سؤالا خبيثا.
سؤال بريء جدّا يُحاكي الكناية في معناها الأصلي ومعناها غير الأصليّ.
يليق بالضيف المستعجل يحثّه على البقاء ويستهجن سرعة رحيله. وبه تُرمى الأنثى المارّة فتتكوّر على ذاتها بحثا عن إجابة أو رحيل أو حائط يُخفيها أو تخبط رأسها به.
إذا تجاوزتِ الواحدة منّا مجلس ذكور القريّة زحفا كالأفعى أو ركضا ككلب القطيع أو تبخّرا كدخان سجائرهم ولم يشدّها من طرف فستانها أو آخر جديلتها سؤالٌ خنجر " وييين يا مسهّل؟"، إذا تجاوزتهم فلا يعنيها بعدهم الطوفان. ستقطع الشارع والنهر وتخترق السماء وعين الجار. في الحافلة الذاهبة إلى حيفا تنظر ببلاهة إلى الركّاب تتأكّد أنّهم يرونها وأنّها ليست وهما. بين شارع عبّاس ووادي النسناس في حيفا ترسم خيطا رفيعا للثوريّات والنسويّات يحسدنها عليه.
خطّا تكون قد دفعت ثمنه سلفا. أو ستدفعه حينما تخمد ثورتها.
وكانت إذا أصابها السؤال ولم تجد حائطا تلوذ به تقتلُ الإجابة وتدفنها مع أحراز جلب الحبيب وطرد الجنّ وتعودُ من حيثُ أتت.
المحاولات لا تنتهي. منها ما يصيب وأكثرها يرتدُّ خائبا. لا بأس.
من اعتاد سجن الكوخ لو أخرج رأسه من كوّته وسرق نفسا ونظرة سيكون كمن صفعَ جلاّده وعاد يُحصي ما تبقّى من عصيّ ستتكسّر على مؤخّرته.
تسللتُ بحذرٍ من مكاني الأوّل وأنا أقبض على جمر الخوف. هل سيراني عمّي المضطّجع دائما على مصطبة بيته؟ يقطع حديثه لنفسه ويلفّ رأسه بتصوير بطيء ويسأل: خييير؟ وييين يا مسهّل؟ أم سيسبقه إلى السؤال عمّي الآخر وهو يطلّ من بيته المطلّ على كلّ البيوت؟ كم تمنيّتُ لو أنّ الطّريق إلى الشّارع وإلى الدّنيا بعده لا تمرُّ من أمام البيوت. وكأنّ المارّ واجهةٌ روحٍ مكشوفة متحرّكة يُطالعها كلّ ساكني البيوت المحاذية للطريق. وكلّ البيوت في القرى تحاذي الطريق.
وفي القرى أيضا طريق واحدة.
كنتُ ذاهبة إلى حيفا حيثُ الطرق والشّوارع لا تُحاذي سوى نفسها. حيفا التي لا تسأل ولا تنتظر إجابة. والذّاهب إليها كذلك. من الغباء أن تسأله عنها.
نجحتُ في تجاوز كلّ الرجال الجدران. تركتهم ورائي يُعيدون ترتيب أسئلتهم ونهاراتهم المُملّة. مشيتُ في الشّوارع. فتحتُ زرا آخر في القميص الخانق وتركت شعري يحمله الهواء ووردة حمراء تداعبهُ. مشيتُ حافية. قطعتُ شارعين طويليْن وراقبت نفسي في الواجهات والوجوه الهادئة. دخلتُ دكاكين الملابس وتدرّبت على قطعٍ تليق بحلم المستقبل. تحمّلت ألم قرط رابع سيحجبه شعري عن أمّي لأسبوعيّن أو يوميّْن.
لم أعدّ أيّة حجّة أعود بها إلى قريتي ولم أجهد فكري في البحث عن أسباب. حيفا هي كلّ الأسباب.
بعد ثلاث ساعات كنتُ في الحافلة العائدة إلى قريتي. بالكاد فطنت إلى موعد النزول منها. سحبتُ تفاصيل الحلم الجميل معي وأخفيتُ كلّ معالمهِ بمهارة اللص الخبير.
مرّة أخرى نجحتُ في تجاوز الرّجال الجدران قبل أن تستوقفني التفاتة من عمّي   نحوي كادت تكشفُ ما أخفيه.
قبل أن يأتيني السّؤال استدرتُ نحو الشّارع وبدأت أخطو بثقة.
جاء السّؤال واثقا أكثر مني.
"وين يا مسهّل بهاي السّاعة؟ يلا يلا ع البيت. بنات ما تستحي".
استدرتُ مرة أخرى نحو البيت ووجهي يضحك وظهري يسخر من الأسئلة.
ويدي التي تلوّح للشّارع تسخر من الإجابات الصامتة.












التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads