الرئيسية » , » ماركيز: هكذا استعيدت قصّتي من القمامة | ترجمة: صالح علماني

ماركيز: هكذا استعيدت قصّتي من القمامة | ترجمة: صالح علماني

Written By تروس on الاثنين، 11 يناير 2016 | يناير 11, 2016

ماركيز: هكذا استعيدت قصّتي من القمامة
ترجمة: صالح علماني

هكذا استعيدت من القمامة احدى قصصي القصيرة التي قوبلت بأفضل إطراء من جانب النقد ومن جانب القراء على وجه الخصوص.

عدت مؤخراً إلى مكتبي في مكسيكو، حيث تركت منذ سنة كاملة عددا من القصص القصيرة غير المكتملة ورواية كنت قد بدأت بكتابتها وأحسست أني لم أجد طرف الخيط كي تكر اللفافة. بالنسبة للقصص القصيرة لم أجد أية مشكلة: لقد صارت إلى سلة المهملات. فبعد قراءتها اثر سنة من الغياب الصحي، أتجرأ على أن أقسم- وربما كنت محقا- بأنني لست كاتبها. إنها تشكل جزءاً من مشروع قديم يتألف من ستين قصة قصيرة أو أكثر تتناول حياة الأمريكيين اللاتينيين في أوروبا، وكان عيب هذه القصص الأساسي والسبب في تمزيقها هو أني نفسي لم أقتنع بها.

ليس لدي من التبجح ما يجعلني أقول أن يدي لم ترتعش حين مزقتها، ثم حين بعثرت القصاصات لأحول دون جمعها إلى بعضها بعضاً من جديد. لقد ارتعشت ولم تكن يداي وحدهما هما اللتان ارتعشتا، لأني أحتفظ لعملية تمزيق الأوراق هذه بذكرى قد تكون مشجعة، لكنها تبدو لي مربكة.

إنها ذكرى ترجع إلى ليلة حزيرانية من عام 1955 ، عشية سفري إلى أوروبا كموفد خاص من صحيفة الإسبيكتادور، حين جاء الشاعر خورخي غيتان دوران إلى غرفتي في بوغوتا ليطلب مني أن أترك له شيئاً ينشره في مجلة ميتو. كنت قد انتهيت من مراجعة أوراقي، فوضعت في مكان أمين ما رأيت أنه جدير بالحفظ، ومزقت ماهو ميؤوس منه. بدأ غيتان دوران بالبحث في سلة المهملات عن الأوراق الممزقة، بنهمه الذي لا يرتوي نحو الأدب، وخصوصاً نحو إمكانية اكتشاف قيم مغمورة.

وجد شيئاً لفت انتباهه، فقال لي: “لكن هذا صالحٌ جداً للنشر”. فأوضحت له لماذا مزقته: إنه فصل كامل انتزعته من روايتي الأولى عاصفة الأوراق – وكانت الرواية قد نشرت في ذلك الحين – ولا يمكن له أن يلقى مصيرا مشرفاً إلا في سلة المهملات. لم يتفق غيتان مع وجهة نظري. ورأى أن النص قد يكون فائضا عن الحاجة في مسار الرواية، ولكن له قيمة مختلفة بذاته. فخولته – ليس لقناعتي بوجهة نظره بقدر ماكان ذلك لإرضائه – صلاحية ترقيع الأوراق الممزقة بشريط لاصق، ونشر الفصل على أنه قصة قصيرة.

” وأي عناوين نضع له؟”

سألني مستخدماً صيغة جمع قلما كانت دقيقة كما هي في تلك الحالة. فقلت له: “لست أدري، فهذا لم يكن سوى مونولوج لايزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”.

وهكذا استعيدت من القمامة احدى قصصي القصيرة التي قوبلت بأفضل إطراء من جانب النقد ومن جانب القراء على وجه الخصوص. ومع ذلك لم تفدني هذه التجربة في عدم مواصلة تمزيق أصول المخطوطات التي تبدو لي غير صالحة للنشر، بل انها علمتني ضرورة تمزيقها بطريقة لا يمكن معها إعادة ترقيعها ثانية.

المصدر: كتاب “كيف تكتب الرواية؟”. الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع. 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads