حدث ذلك قبل سنوات طويلة، حين ضاع مني كلب صغير اعتبرته أخي، كنت بطول ناي وكان ينام في حجري وينبح وراء أطفال أصغر مني فيهربون راكضين ومتعثرين كي يختبئوا خلف خلابيب أمهاتهم المنقبات. كنت سعيدا بذلك، أني أملك كلبا صغيرا مخيفا. كان اسمه بوبي ككل أسماء الكلاب الجميلة. كان يجب أن أهتم بدروسي الأولى وأن أهتم أيضا ببوبي وأن أجد أيضا وقتا لتأمل شجرة الكالبتوس من نافذة الكوخ كأي شاعر. تلك الشجرة الضخمة جدا التي كانت في باحة بيتنا وكانت حقا تصل بأغصانها حتى السماء. كانت شجرتنا نحن، أمي قالت لي إنها شجرتي، شجرتي وحدي، كالبتوسة هائلة بكل عصافيرها لي وحدي، للشاعر الذي بطول ناي من قصب الوادي الحزين. كلب صغير جدا وشجرة ضخمة، للشاعر. كلب بذيل قصير وبطن منتفخة ونباح جاد ضد الأطفال واللصوص، وشجرة حكيمة ثابتة في المكان والزمان، حنونة حين أعانقها، ومتغضنة كالجدات. كان يجب أن أهتم أكثر بدروسي، ضاع الكلب بوبي ولم أجده، بحثت عنه زقاقا زقاقا، وطرقت بيوت الجيران بيتا بيتا، حتى البعيدين منهم الذين في طرف الحيّ البعيد، بتّ جالسا على العتبة كيتيم، ولم يرجع بوبي، والشجرة جاء الرجال ذات صباح ربيعي مشمس وحطبوها، ربطوها بحبل المشانق، ضربوا قلبها وجروها لتسقط، سال منها دم كثير، والعصافير تشردت وهاجرت، لم يبق في يدي سوى قشور بيض القصائد. حدث ذلك قبل سنوات طويلة، حين ضاع كلبي وضاعت شجرتي. كنت شاعرا وقالت أمي أن عليّ أن أهتم بدروسي. كلما تعبت من الدرس كنت أقف في نافذة الكوخ، بعينين براقتين، أراقب مكان الشجرة في المطر، وأعُدّ القطرات.
