كان صباحٌ ، وكانت الأجسادُ طازجةً بكل غضبها ،
والرصاصُ ما زال نيئا فى حلوق البنادق ،
كانت ثورةٌ خرجت كغيمة فى صحراء ،
كانت الثورة وعيا فائضا ، تحولت أعضاؤنا الجائعة إلى ميادين من اللحم ،
ووهبت لنا كلُ الأشياء صلصال مصائرها ،
كانت الأسِّرةُ القطنية تصنع لنا نوما من اللوز ،
والبيوت كانت تودعنا ببكائها الخافت ، والشوارع فتحت لدمنا كلَ شرايينها ،
كانت تخبئُنا العمارات بين طبقات دهانها المتآكل ، والريح تغسل عنا غبار الغاز المسيل للدموع ،والأحجار تعرف أسماء أصابعنا ، كل حجر كان يهرب من أمه الصخرة ويتبع قوافلنا المهاجرة ،
وكانت أمرأة من الماء تسقى ضلوعنا الظمأى ،
كنا نحب ، أعانق صدرَ حبيبتى الهائج فتتمزق جنازيرُ المصفحات بالخوف ،
وقبلاتنا نرسلها كصرخة فى وجه الجنود ،
هكذا اتحدت بنا كل الأشياء ...
كانت ثورةٌ ،
وكانت الموسيقى تنزف من بكاء عروقنا النافرة ،
والمدينة تصحو من نومها بين أكفنا ...نرفعها كدعاء إلى الله المتدلى كمصباح من سقف صدورنا ،
صنعنا من الفقر ثروة ، ووزعنا دمنا كخبز على الشوارع والجوعى ،
كانت ثورة ...منذ صباح لم يأت بعد !
