الرئيسية » » فرانسيسكو أوذيل: وهكذا لن يعرف الناس | ماناغوا (نيكاراغوا) - غدير أبو سنينة

فرانسيسكو أوذيل: وهكذا لن يعرف الناس | ماناغوا (نيكاراغوا) - غدير أبو سنينة

Written By Lyly on الخميس، 1 يناير 2015 | يناير 01, 2015

كنّا في أحد مقاهي مدينة غرناطة بنيكاراغوا مع الشاعرين فاضل العزاوي وحسين حبش، حين انضمَّ إلينا عدد من شعراء أميركا اللاتينية، وكان من بينهم شاعرٌ شاب ذو قسمات جادّة، تزيدها صرامة نظَّارةٌ طبيَّةٌ لا تُفارق عينيهِ الصغيرتين.

كان ذلك لقائي الأول بفرانسيسكو رويس أوذيل أو فران، كما يحلو لأصدقائه المقرَّبين أن يُسمُّوه، ضمن فعاليات مهرجان غرناطة الشعري بنيكاراغوا، فبراير/ شباط 2010.

أعترف أنّني انزعجتُ من صرامته المبالغ بها، كانت ردوده قاطعة حين كنّا نناقش بعض الأسماء الشعريَّة. تبرّعتُ حينها بسؤاله إن كان يعرف شاعرةً من جيله هي إونيسه شيد، لينقلب وجهه فجأة ويرد: لا، لا أعرف أحداً بهذا الاسم.
سأقرأ له بعد فترة وجيزةٍ من ذلك اللقاء قصيدةً كان قد أهداها لإونيسه التي ذكرها باسم التحبِّب (إو)، وأنكر معرفته بها لاحقاً، يقول في مقطعٍ منها:
ضعي المساحيق على وجهك يا إِو
وهكذا لن يعرف الناس
أنَّ الدموع كانت تشقِّقُهُ
كلَّ هذا الوقت.

كانت علاقته مع الأشياء حتّى الأكثر تعقيداً بهذه الشدَّة وهذا الحسم، حتى فيما يتعلَّق بالموت أو الحياة. وكان من الصعب عليه إذن أن يمسك العصا من المنتصف في حياته، وهو الذي لم يعش حياة وسطيّةً أبداً منذ مولده عام 1977، وحتى تاريخ انتحاره يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2010.

ولد فرانسيسكو في مدينة ستالي شمال نيكاراغوا، لأمٍّ توفيَّت بعد أن تركت وراءها خمسة أولادٍ أودعهم والدهم -الذي ظلَّ مجهول المصير فيما بعد- دارَ أيتام فرَّقتهم في بيوت عدَّة أُمَّهات بالتبنِّي، كنَّ يتقاضيْن أجور رعايتهم. المعاملة القاسية التي تلقَّاها فران من أمِّهِ بالتبنِّي جعلته يهرب من مدينة ستالي حين كان في الخامسة عشر من عمره ويشقُّ طريقهُ وحيداً في العاصمة مناغوا.

لكنَّ الحياة كانت أقسى من أن تدعه وشأنه، وحين بدأ ينتظم في دوامه الجامعي مقتسماً غرفته الجامعيَّة مع صديقه الذي كان يحمل أيضا اسم فرانسيسكو، عادت فتطرَّفت من جديدٍ حين رجع في أحد الأيّام إلى تلك الغرفة ووجد صديقه منتحراً حين قفز من برج الإذاعة.

استطاع فران أن يتجاوز تلك المناطق المعتمة في حياته، وكرَّس نفسه للكتابة وكان ناشطاً ثقافيّاً لطالما كانت تصلني منه رسائل بريدية هي دعواتٌ لحضور الأنشطة التي كان يُنظِّمها في رابطة الكتاب النيكرونسيين التي تولّى رئاستها.

رُبَّما نظر الكثيرون له بشيء من الحسد حين تبنَّته الشاعرة النيكاراغوية الشهيرة كلاريبل أليغريا، التي فتحت له أبواباً كثيرة، لكن بالتأكيد لم يكن لأليغريّا ذلك لولا موهبته.

اللقاء الأخير بفرانسيسكو كان يوم 2 يناير/كانون الثاني 2011، في عزائه الذي بدأ به الوسط الأدبي سنةَ جديدة. اقتربت من جسده المُمدَّد وسط الغرفة، الملامح صارمة رغم عضلات وجهه المسترخية، نظَّارته الطبيَّة كانت على الجهة اليسرى من صدره.




لمن هذه اليد؟

التي تجرجرني لمكان معتمٍ حزين،
هذا الصوت الذي يغوص في صدى سحيق.
دون أن يُخبرني

ثمَّة ظلامٌ يقودني،
هذه العصا اللوزية التي تنبت منها الأوراق بين يدي.
أسيرُ عابراً هذا الهواء العذب
الذي يُخلّفه الكائن البشري.

حين ينطقُ أحدهم الكره،
أتخيَّلُ عناقاً.

أرى العالم من قبلةٍ تُبرعمُ حين نغادر
من نورٍ ذي لحنٍ
بالكاد يصل كي يبحث عن العيون.

أرسم كائنات لا وجود لها.
يقولون إن هناك شجرة تمنح الظل.
مرة رسمتُ واحدة، وحين انتهيت، كانت صورة آدمي.
تنبَّأت أنه ظلٌّ، ذلك الذي ينمو
حين يرتشف الإنسان نوراً.



نملٌ

يبني النمل
منزله في زاوية غرفتي،
يمضغ الليل مختبئاً
جاعلاً منه جزيئاتٍ صغيرةً من الرمل
الليلُ منهكٌ في عيني
والحفرةُ التي صنعها
صارت بئراً.
هناك مواسمُ لا يخرجُ فيها
ولا حتَّى يُطلُّ
حتّى بدأتُ أفتقد طقوسه في حمل الأوراق،
طابوره الطويل القاتم،
ووجع المنافي القديم.



بين جبلٍ وآخر

فقط يبقى لي ضبابٌ بطعم المطر:
واليد في الجذر المقطوع.

يبقى لي البحرُ المتقلِّب بالكُثبان
ليس البحر نفْسه
بل آخر يفكر بي عند الأفق.

يبقى لي الشاطئ، وغفوة طقوس الرمل
الذي لا يمكن لقصَّته أن تُمسك أثره
تبقى لي الكلمة الملفوفة في عاصفةٍ من ضجيج،
وقبضة اليد المدفونة تحت الأرض.

يبقى لي جدارٌ مختوم:
عتمة في الكهف، ورقة تعود للشجرة
والماء الذي يسكُبُ صراخه
حتّى يتحَجَّر.



تحت السلالم

سرتُ يوماً تحت درجات سُلَّم
إلى أن وصلتُ لنافذة
ضاعت في أعماقِ بابٍ كبير
ضاعت
في هوّةٍ سحيقة
ضاعت وضاعت،
وهكذا، بدا أنَّ كلَّ شيءِ
على وشك أن يتحول
لقدرٍ صاعدٍ
كبوصلةٍ تكادُ أن تقيس العالم الذي نسكن،
نتعثَّر ونسير.

أعرف أنَّ حياتنا،
تقسمها زاوية مصيرٍ كئيب،
رُبَّما لأنَّه حين نولد، نضيع.



أحجار

إن وجدتُ صوتي،
إن اكتشفتُ كلَّ هذا الوقت
الحيوان الذي بنى لغزاً
في التجويف ذاته.
إن وجدتُ صوتي لتساءلت،
هل أتعرَّف في الأحجار عليه؟
إن وجدتُ صوتي بين الأحجار
فإنني أعرف ماذا أنتظر، 
جيِّدٌ أن أعرف.
عندها سأرجوكِ أن تلقيني معكِ للنهر،
ولن يكون هناك أعشابٌ تغطٍّي السقوط،
إن وجدتُ صوتي،
إن فعلاً وجدتُ صوتي،
فارفعيني وراقبي:
بين يديك، أستحيلُ ماءً.



شجرة أشواك

شجرةٌ غطَّت الرمال بالأشواك
مرَّ الصيَّادون
حزينين قربها
أحدهم، أكثرهم بؤساً،
غطَّى بآثار قدميه الرمال،
الآخرُ، نظَّف الشجرة من أشواكها،
والأخير ما زال يسأل
لأيِّ سببٍ تبكي الشجرة؟



Black and White

ليس بشاعرٍ
لكنَّهُ يرى
مطراً ونافذة.
يبتسم،
يتحدَّثُ قليلاً.

يستيقظُ من العالم،
من الصمت، قلتِ،
كسلسلة مفاتيح.

لو كانت تعلم
أين تذهبُ حيواتنا
لكن البحر عميق:
لا بدَّ من وجود باب
على ألا يكون شديد الضيق
كي لا يُؤلم كثيراً
كي لا يُؤلم كثيراً.

- See more at: http://www.alaraby.co.uk/culture/15f6b413-9b8d-4f8b-ad8f-7d90c32e4951#sthash.MhT6t3oQ.dpuf

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads