الرئيسية » » مختارات من ديوان: ثقوب سوداء | سالم الشبانة

مختارات من ديوان: ثقوب سوداء | سالم الشبانة

Written By Unknown on الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014 | ديسمبر 23, 2014

مختارات من ديوان:  ثقوب سوداء

حرائقُ قديمةٌ.
تحتَ قمرِ النُّعاسِ أفزعُ من ظلّي
وأنا أُشَذِّبُ ما يعتملُ بأنحائِي؛
كي لا يلقطَ الهواءُ كيمياءَ جسدي.
يمرقُ طائرُ الليلِ
يجرحُني الغبارُ على الجدارِ.
لا نايَ على حافّةِ الليلِ،
وشرفتي فمُ الصّحراءِ،
النايُ والبكاءُ الخافتُ، أسيلُ نبعَ كلامٍ.
حزينًا، وفارغًا من الأصداءِ.
يمرُّ الشّبحُ،
فهل غفا البحرُ على الكرسيِّ الحجريِّ؟!
لا ليلَ خارجَ الليلِ!
وأنا بلا أقنعتي أشهقُ التّبغَ؛
ولا يفسرَ شبقَ شفتيّ لحرائقَ قديمةٍ.


العينُ الفارغةُ.

هَبْني اسمًا ناصعًا،

وذراعًا قويةً؛

فالسنواتٌ تتراكمُ كتبًا مهملةً

على الرّفِّ.

في المضمارِ أعدو،

ولم تقلْ لي يومًا

لمَ علىّ أن أخوضَ في

كلَّ هذا الهُراءِ:

أُخفي نجمةً في جيبي؛

لعلّي أفهمُ معضلةَ الغيبِ

والرّحيلَ المباغتَ.

أتنفسُ جوادًا فوقَ قمةِ الجبلِ

بلا صهيلٍ يورثُ قلبي

مرارةَ السّعي،

أشهقُ ما تبقّى من هواءِ

الآخرين الشَّحيحِ.

وحيدًا، أدفعُ بقاياي


لكوبِ القهوةِ؛

لعلَّ الرائحةَ تحملُني

لمدارجَ الرّوحِ الغائمةِ.

في الليلِ لا أدركُ لمَ علىّ

أنْ أمضى شاغرًا

وجافًا كعودِ حطبٍ؛

بلا خطايا

في شوارعَ بلا أسماءَ

أركلُ الحصى

في وجهِ الأوقاتِ،

وأمشي بصورتكَ

المُوحشةِ في قلبي

وعينكَ الفارغةِ من الحبِّ،

لا أجدُ قلبي صادقًا؛

وأنا أضعُك صورةً

على صدرِ قميصي

لا أشعرُ بكَ.



الهواءُ السُّريُّ!
استيقظَ كَدِرًا في الليلِ.
وجدَ نهرَ مِلحٍ تحتَ فراشِه
وغاباتِ عوسَجٍ،
حدّقَ فيها طويلاً؛
لم يفلحْ
في شحذِ الهواءِ الراكدِ.
العالمُ عَماءٌ
لا تتهجَاهُ أصابعُه،
ومن يزعمُ أنّه حياةٌ
لا يظنُّ الهواءَ الذي تتنفّسُه
الأحجارُ حيواتٍ معلبةً،
وأنّ المطرَ
هواءٌ مغسولٌ بالماءِ.
لن يقولَ قامرتُ بنفسي
واحتمالِ الضُحى.
همستْ امرأةٌ: لا تتركني
في الهباءِ متعبةً.
نفضَ الهواءَ العالي
من رئتِه،
وبكي حين لم تقرأْ
امرأةٌ جسدَه.
كانتْ آثارُ الفراغِ  دوائرَ
حولَ عينيه.
يتكئُ على ضلعِ روحِهِ
وهو يمشي بكفين فارغتين.
ماذا عليه أن يفعلَ
في الفراغِ المُسمّي يومًا؟
يزرعُ الحَبَقَ أمامَ البابِ،
يحرثُ الكُثبانَ بجفنِه؛
ليألفَ نجمةً في الليلِ.
ربّما يسقي الغيومَ بعضَ دمِه؛
تخضرُّ الأوديةُ شيئًا،
فشيئا،
حسبَ صورتَه
في مرآئي الحجارةِ:
احتدامَ لغاتٍ، وصخبَ جيوشٍ
يَجُدُّ في أثرِها الرسولُ.
لا سطوةَ للبئرِ عليهِ
إلا رقصةً رقصَها بليلٍ،
وما كان جِذْعًا؛
ليَحُكَّ على حافّةِ الحجرِ جلدَهُ.
ما كانَ عاطفيًّا
بما يكفي غسيلَ البحرِ
بكفِه الخشنةِ،
ولا أدّعى
أن جنودًا تحتَ أظافرِهِ
ترعي سَأمَ القادةِ،
حين لا مفرَّ من الترّهاتِ
والضجيجِ الغامضِ.
مهملٌ هو كشمسٍ،
ومُبعدٌ بما يكفي ريحٌ
لتمشطَ جدائلَ الصحراءِ
هذا الذي قرأتْ الأعرابُ جبينَه؛
ضلّوا لم  يستطيعوا وصولا،
نقّبوا القُرى بالحُداءِ
والمولَيَّا؛
ودخلوا الفصولَ: برائحةِ التَّبغِ،
ومضوا بعيدًا.













فضاءُ شائكٌ.
أبي ينهرني!
أخبّئ رملاً تحت جلدي وأنثرُه بسريري، أراقصُ الغزالةَ التي أصطادَها بالأمسِ وتنكّر لها، أمسحُ دمعَها؛ تلحسُ كفيَّ ووجهي ونضحكُ حتى البكاءِ.
نهدُها الأبيضُ طارَ من كفيّ،
واستوطنَ غابةَ الأسماءِ، سالَ الحليبُ على شفتي الغضّةِ وبلّلِ ثوبي، فأحبّتْ أصابعي النحيلةَ وعصيرَ الفاكهةِ، وكرهتْ عيونَ الآخرين.
ضبطني أبي أحتسي الألوانَ بقاعةِ الدرسِ؛ قال: تغذّى جيدًا يا عودَ الحطبِ. بكتْ؛ فكان: "الجحيمَ الآخرون".
تنكّرَ لأربعين عامًا،
من الحفاءِ والوحشةِ، أقامَ حاجزًا حجريًّا وما أدركَ نخرَ الجيناتِ الوراثيةِ؛ صارَ عصبيًّا يكرَه النوافذَ ويسعلُ إذا شاهدَ الجِمالَ تعبرُ أفاقَ المحطاتِ الفضائيّةِ.
الغزالةُ تُحاكي لهجتي وحنكتي
في توجيهِ العواصفِ وإشعالِ الحرائقِ تقولُ: عيناك جميلتان يا صغيري، وجسدُكَ وعولٌ نافرةٌ، لماذا تخيفني؟!
سرقتُ سكينًا؛ أطعنُ به الأبَ الجالسَ فوق عرشِه الموحشِ؛ قررتُ احترافَ الكتابةِ والبحثِ عن قبرِ أمِّي التي صمَّمتْ في غيابي إنهاءَ متاعبَ الربو وخصوماتِ الأقاربِ وصخبَ الأحفادِ في شتاءٍ بعيد.
أيمكنُ تسلّقَ حبالَ الضوءِ بحثًا،
عن ملائكةٍ تجوبُ الفضاءَ المتخمَ بأثامٍ وأحلامٍ ومحابرَ؟! أقرأُ الفاتحةَ، لأفتحَ قصرَ الغزالةِ النائمةِ بسريري؛ التي تشْقَى بعيونِ الآخرين. وعيوني جدلُ الشهوةِ والرّجاءِ اصطنعتُهما لي وللآخرين شرودي، وللغزالةِ ما اصطنعتُ لنفسي المعلقةِ كبندولٍ بين فكيِّ آلةٍ جهنَّميّةِ، أصرخُ: أنا ريحٌ، أَمَا من نارٍ تشعلُني.
أنا، والغزالةُ
وأبي،
يحاولُ كلٌّ منّا الوصولَ للآخرِ، أبي لا يريدُني، والغزالةُ لا تريدُه، وأيَّانَا في هلامٍ نقيمُ أصابعَنا أشرعةً للضفافِ البعيدةِ.
أنا، والغزالةُ
وأبي...
هذا الفضاءُ حقلُ الأسئلةِ.








قصيدتان.

1
أربعون عامًا
أقفُ على أعتابِها؛
كأنّي أخطو
في ضبابٍ كثيفٍ
مثلُ جلجامشُ
في رحلةِ
البحثِ عن الخلودِ
الخلودُ..
لا يعنيني
من العالمِ الهادرِ
غيرُ ركنٍ صغيرٍ
في مكانٍ ما،
وحالةٌ صحراويّةٌ
أتوهَّم فيها
فردوسًا مفقودًا،
واجترُّ
الفرصَ الضائعةَ
هباءً.
كم بعُدَتْ بي خُطاى
بعدتْ...

2
فاشلٌ في الحُبِّ
وفي إقامةِ جسورٍ؛
لتعبرَ الفتياتُ إليّ
والكلامُ
يندفعُ من شفتيَّ
طبلاً بدائيًّا،
أصابني بالانطواء
والكسلِ؛
فرسمتُ العالمَ يشبهُني
لتأخذَ الفتياتُ عنّي
ومعشوقاتٌ
من نساءِ الكتبِ.
هكذا سقطتُ في هوّةِ
الجنون والنسيانِ
أشفق أبي علىَّ
وأشعلَ النّارَ
في مدائِني وسفني؛
فالتجأتُ إلى القصيدة.











الأيامُ تسقطُ بشراهةٍ!
الأيامُ تسقطُ بشراهةٍ
بيدٍ أسندُ السحابةَ
في جبينِ الليلِ.
في الهُراءِ المسمَّي حياةً؛
لا معني للأسماءِ
التي تشبهُ حجرًا ثقيلاً،
ولا الشبقُ الجديرُ
بامرأةٍ بيضاءَ،
جديرٌ أنا بالكلماتِ أنحتُها
كصنَّاع الآلهةِ.
لي لغةٌ، ولكم ما لكم
فدعوا يدي للغتِها.
أجرُّ الحياةَ إلى الطينِ،
أنا الكاذبُ كالحرباءِ؛
أسوقُ خرافاتي
عبرَ المدينةِ؛
فلا تلتفُ امرأةٌ لي.
غنّيتُ
وعرجتُ معراجَ الحبِّ
وعدتُ خائبًا؛
بشعيراتٍ بيضٍ،
وقلبِ أخضرَ
أَرِدُ البئرَ ولا ماءَ،
أرفعُ قطعةَ السماءِ
فوق رأسي
وأصعدُ الجبلَ،
طائرًا مكسورَ الجناحِ.
يا كم بُلِيتُ بقلبي،
وشهوتي
وما صدقتْ خرافةُ الأيامِ،
كانت الأحلامُ زادَ غريبٍ
والغريبُ غريبٌ؛
ومن للغريبِ؟!
لا امرأةً، لا بيتًا،
لا وطنًا؛
وطنُ الغريبِ لغتُه
وقناعُه الجارحُ.
عرجْتُ على اسمي.
وما دريْتُ أنّي أصيرُ:
حجرًا،
شجرةً، أو دمعةً،
جافًا كعودِ حطبٍ؛
أسندُ جبهةَ الليلِ
من الطّنينِ
وأنا أرتجفُ من الحمَّي.
يمرقُ طائرُ الغيبِ
يكابدُ الريحَ؛
لا ألومُ نفسي
وأنزعُ الخسارةَ
كضرسٍ متعفنٍ
فارغًا من الأصداءِ،
أشيرُ،
تصيرُ الأشياءُ
رهنَ أصبعي:
امرأة،ً وردةً، سماءً،
بحرًا، لغةً صافيةً.















العابرُ بلا أثَرٍ.
تعبْتُ من أسمائي
وبقايا الكلامِ!
أطيّرُ الكلامَ غبارًا؛
عَلِّي أفلتُ من محنتي،
وأنا أسيرُ حذاءَ نفسي
المتعبةِ
من التحديقِ في الفراغِ،
وأصابعها الملوّثةِ
بدمِ التّرحالِ.
يا خوفي من الأصداءِ
ومن إبحاري
في اللّيلِ الطّويلِ
على صحراءَ من الماءِ؛
لماذا كان عليَّ أن أبتعدَ
كلَّ هذا النّهارِ؟!
لا ماضٍ،
لا أجدادَ، ولا تاريخَ.
أخرجُ من الكهفِ
بلا أثرٍ ولا خرافةٍ،
لا نسائي يبكين،
ولا مائي يكتنزُ
الماضي في أجسادهنَّ.
أعلِّمُ كفيَّ سطوةَ الحنانِ،
وأنا أَنْشِلُ ذكرياتي
من الوقتِ متعبًا،
أركلُ اللّيلَ بقَدمي الخشنةِ،
لا اللّيلُ ملَّ منّي،
ولا أنَا غرفتُ ما شئْتُ
من ماءِ البحرِ.
وحيدًا، وعكرًا بعضَ الشَّيءِ
من قسوةِ الحياةِ.
أغنِّي، وتدمعُ عيناي
من الضَّحكِ الصَّاخبِ،
فما الذي كنتُ أداريهِ
يا حياةُ؟
وكيفَ عبرتُ السَّنينَ
الطِّوالَ
بلا مللٍ من رملِ الطُّرقاتِ
وصخورِها؟
وأنا أتسلَّقُ ما يكفي
من الجبالِ،
الصَّحاري،
والبحارِ؛
لأعبِّرَ ماضيَّ بقدحِ قهوةٍ.
أبصرُ نفسي
بعد هذه السَّنواتِ نحيلاً
وممتلئً بأجسادِ الآخرين:
مِلحها، عرقها وشبقها.
أعلَيَّ أن أهتفَ
لكلِّ طائرٍ مرَّ بي
وأنا أردُّ الهواءَ العالي
عن أسمائي
ومصائدَ الوقتِ؟!
لأقولَ: أنا. من أنا!
ربَّما كنتُ بحارًا
ثارَ عليه بحارتُه،
حجرًا طافَ حوله الحَجَلُ،
أو قوافلَ تسوقُ أحلامَها
صوب المجهولِ.
أنا المجهولُ من لَدُنُ ذاته
بي من نفسي ما بي،
و بي من الأضَّدادِ
ما يجعلنُي:
ريحًا على جدارٍ،
ذئبًا مأخوذًا بدمِ الطَّرائدَ.
فلم أبرأْ من نفسي بعدُ،
ولا برئتْ منِّي،
وكلَّما أوغلنا في الدَّربِ
أصابنا في مقتلٍ
هذا الدَّربُ.
وبكيتُ، لا من شيءٍ،


بكيتُ. من جهلي
ووضوحِ الصُّورةِ في نهايةِ
النَّفقِ المظلمِ، بكيتُ،
أعلَىَّ أن أكابدَ كلَّ هذا؛
لأعرفَ أن النَّفقَ قريبٌ؟
وأنَّ من تركتُهم خلفي
لن يدلُّوا علىَّ،
إلا كما يدلُّ الغيمُ على عابرِ،
ما زادتني الرّحلةُ
إلا خسارةً،
واسمًا مشرقاً بالقصصِ.
ما عدتُ؛ لأعودَ لنفسي
وزّعتُ نفسيَ بكلِّ حجرٍ
وماءٍ لمستُه؛
وأنا أصوغُ سيرتي
من شهوةِ التّرحالِ.
أنفاقٌ معتمةٌ.

* المجنونُ
معي تتأهّبُ السّاعاتُ،
تنهضُ متثاقلةً.
وظلِّي المشبوحُ
على الجدارِ،
كيف احتملني كلَّ هذا العمرِ؟!
الغضبُ، اليأسُ،
الخطواتُ التي خطوناها معًا؛
بأفكارٍ سوادءَ ومشاعرَ ملتبسةٍ،
كتبٍ أرهقتني،
وآباءٍ وَسَمُوني بالحياةِ؛
ثمَّ قالوا: سِحْ في الأرض،
بعدَما قيدوني بحبلِ ليفٍ،
ذكرياتٍ
وخرائبَ معدّةٍ سلفًا،
بداوةٍ بالانتسابِ.
لم أنظرْ في عينِ
من جلدوني بعنفِ محبّتِهم،
لأصطادَ السّمكَ من الخلجانِ
وأجفِّفُه أمامَ الشّمسِ الحارقةِ.
باحثًا عن اللهِ
في حقولٍ شاسعةٍ،
وأكوامِ الورقِ المتّسخِ
بالحبرِ الأسودِ.
يا اللهُ أسألُكَ ساقيّ نعامةٍ؛
لأفرّ من الخرافةِ والقُمّلِ والسّحرِ.
وأنا أتململُ تحتَ ذراعِ أمّي،
بعرقي ودموعٍ مالحةٍ شربتُها
حتى تشققت شفتاي.
قفزتُ من هذا المستنقعِ
إلى حدائقِ الخيالِ،
ودخلتُ تجربةَ الله بلا تجربةٍ؛
بقلقِ روحي وبرقِ الشّهوةِ؛
أفرّ أوسطَ أربعةٍ
إلى فوضي الأفكارِ
وجحيمِ الأسئلةِ؛
سيتركونني
على قارعةِ الطّريقِ وحيدًا
ولن يبكوا عليَّ.
عادوا لأبي وقالوا: يا أبانا،
إنّ ابنكَ قد جُنّ
وما كان لنا من حيلةٍ.

* شهوةُ الرقصِ
تعالَي أقولُ لكِ شيئًا
أيّتها الحياةُ: أنتِ كلبةٌ.
هل سمعتِ؟
أنتِ كلبةٌ عنيدةٌ.
سأرميكِ بحجرٍ
ثمَّ أمشي مرحًا
في شارعِ البحرِ.
ربَّما ألتهمُ الآيس كريم،
أرقصُ مثلُ زوربا على الرّملِ؛
التقطُ صورَ النساءِ بعينيّ.
وأنقشُ على الصّخرِ اسمي
وامحوه.
قد يغريني البحرُ
بصيدِ الطّيورِ المهاجرةِ؛
تسقطُ إعياءً بعدَ عناءِ الرّحلةِ.
فهل كنتُ
طائرًا مهاجرًا مكدودًا،
تطاردينني بمخالبكِ
يا حياةُ؟
في ماءِ البحرِ أغمسُ قدميّ؛
تبرزُ تقرّحاتٌ قديمةٌ؛
تفسرُ فشلَ سيطرتِي
على نساءِ البحرِ.
أنا رجلٌ
برملٍ في ذاكرتي،
أقفُ وثلاثين عامًا
قُبالةَ البحرِ.
ولأنّ الحياةَ احتمالٌ؛
أوغلُ في الغيِّ.
ففضّلتِ الكلبةُ الشّبقةُ
طريقًا بعيدًا..

* اغترابٌ
الصقرُ المتعبُ
من التحديقِ في الفراغِ؛
ينتصبُ وحيدًا
فوقَ حافةِ البنايةِ
فارقَ الفريسةَ قلقُها.
والخلاءُ العريقُ يفيضُ:
بالأفكارِ، بقايا الطّعامِ، الهّوسِ،
الأسلحةِ الخفيفةِ والثقيلةِ،
الأعضاءِ البشريّةِ،
المرابين، المافيا،
والأعلامِ السوداءِ؛

وما زالتِ اليدُ الكبيرةُ تعملُ،
تزرعُ النفاياتِ، الأحقادَ،
البناياتِ الشاهقةَ،
وأنهارَ العطنِ
في الفرودسِ الأبديِّ.
تحطُّ الأجنحةُ
بغابةِ الأسمنتِ ولا تطيرُ؛
إلى أين ينمو السّرطانُ
بجسدِ الصّحراءِ المُنهَك؟








كيفَ عَنَّ لولدٍ أَرْعَنَ؟!
كيف عَنَّ لولدٍ أرعنٍ:
بلا ماضِ،
ولا أجدادَ بعيدين في العِزّ،
أن يكون شاعرًا؟!
أبوه يكرهُ الكتبَ،
يدّعي أنَّها " فَذلَكَةٌ "،
ويصفُ الشّعراءَ
بديوكٍ تصيح.
الأرعنُ يسيرُ حذاءَ نفسه
جرحًا مباغتًا.
هي عيونُهُ المستديرةُ،
قالتْ صديقتُه: تضطرمُ
بالرغبةِ، الشّهوةِ،
والغوايةِ..
كم بكي من فتنةِ الألوانِ
لمّا عثرَ بالصباحِ.
الذئبُ تستبيه المرأةِ
يعثرُ بهنّ؛
يورثنهُ الخسارة.
بدموعٍ خلفَ جفنه
يلسعُه مِلحُها؛
ويظنُّهُ كَلَلَ بصرِه.
أدمنَ قراءةَ أصابعِه؛
لم تُغنِ عنه شيئاً،
قالتْ له أمُّهُ:
كن جميلاً كالضحى،
ولا تمشِ في الأرضِ
صخبَا.
خاف على نفسِه
من كلِّ امرأةٍ وبحرٍ.
كم بكي صامتاً كُلَّما
رأي صحراءَ وحيدةً
كروحِه!
كتب على قبرِ أمِّهِ:
" أنا هناك، ظلاً أصيرُ "
ثُمَّ صحا في الصّباحِ؛
يكتبُ نثرًا
في كلِّ امرأةٍ
أحبَّتْ أصابعَه،
وفي روحِه المشعَّثةِ
بحرًا بعد عاصفةٍ.
نعتَه أبوه بالخاسرِ.
يكتبُ كلامًا مبهمًا،
ويسهرُ الليالي كالسَّحرةِ،
يقرأُ كتبًا،
ويلوِّنُ الورقَ بالأصباغِ.
البدويُّ الأرعَنُ
أحبَّ " كزانتزاكس "
" بحرَ كريتَ "
و" زوربَا " الذي كان
كما  أراد أَن يكون.
يأيُّها النّاسُ، لا تظنُّوه قويًّا.
هشٌّ كطينٍ يابسِ

وحادٌ كصرخةٍ؛
فدعُوه لروحِه
سيظلُّ سادِرًا في الغَيِّ؛
حتى تدمى أصابعُه
من خرافةِ الحياةِ
والصَّخبُ الذي تكدِّسُه الأيّامُ
وراءَ أذنه؛
لن يمهلَه طويلاً..
رفقاً به،
هو لا يعرفُ شيئاً،
ولا نفسَهُ يعرفُ.






أركيولوجيا.

* صيفٌ مفقوءُ العينِ!
أجلسُ تحت الشجرةِ،
أغنّي نفسَ الأغنيةِ
القديمةِ عن الحنينِ،
صائدُ يمامٍ، أتجوّلُ في الخرائبِ
وبين الأشجارِ؛
لعلّي أفلحُ في شحذِ الهواءِ
تحت قامةِ الصحراءِ،
أدّعي أنَّ البحرَ صديقي؛
ربّما لم أحبّه
إلا بعدما علّمني (زوربا)
أنّ الحياةَ:
بحرٌ، رمالٌ، ونساءٌ؛
لكنني رجلٌ بلا ماضٍ
ولا صيتٍ،
يتجوّلُ بين الخرائبِ
أو يجلسُ صيفًا مفقوءَ العينِ
في ظلِّ النهارِ الطويلِ.

* أنامُ محتقنًا بي.
والأيامُ تركلُ ظهري
أكابدُ النهارَ
وأنا أتذوّقُ الأغنيةَ
على عَجلٍ.
أقولُ لنفسي:
لما علىّ التوغلُ
في المتاهةِ،
بلا يدٍ تسندُ عثرتي؟
أعلىَّ أن أغرسَ يديَّ
في قذارةِ الحياةِ،
بلا صرخةٍ فوق الجسرِ؟
حجراتٌ نضبتْ سريعًا
والهواءُ الراكدُ:
حيواتٌ ميّتةٌ، بقايا الكلامِ،
وفاكهةٌ عطنةٌ.
ماذا أفعلُ؛
لأجرفَ الممراتِ الطويلةِ
من النسيانِ،
الكتبِ القديمةِ،
وصخبِ الأطفالِ؟!

* إن كان ثمّة حياة!
مسافرٌ بلا قرارٍ،
ولا بيتٍ يدومُ؛
يتنفسُ بالكادِ سنواتٍ
قليلةً؛ ثمّ يسقطُ.
كلُّ عِرقٍ صارمٌ:
الأجدادُ خرافةٌ
سطوةُ الأبِ الغاشمةُ.
ماذا عنّي الآن؟
مشيتُ هذه السنواتِ؛
ولم أنظرْ ورائي؛
بأفكارٍ تطيشُ في الفراغِ
المُسمَّى صحراءَ،
في نفسي التي ارتجلتُها؛
لأرضيَ فضولَ الأهلِ
عن الطّاعةِ.
فوضي الدروبِ
وضعتني بأوّلِ الكلامِ
وفتنةِ الكتبِ.
فالسنواتُ ضربتني خلسةً،
ولستُ أوّلَ البدوِ
ولا آخرَ الممسوسين؛
بلهجاتٍ تحت لساني
أعبرُ متاهةَ الحياةِ:
بسيطاً، عجولاً وخافتاً
كصفيرِ قطارٍ بعيدٍ.
فتشتُ جيوبي؛
لعلَّ محارًا عَلِقَ بها
من حياتي السابقةِ.
يا ربي.
كيف نَمَتْ هذه الحياةُ
طحلبًا حول البئرِ العظيمةِ؟
ولم أجذبْ العالمَ
من أذنيه كبعيرٍ مخطومٍ؛
كأنني كنتُ يومًا
تاجرَ نوقٍ
أضعُ في كلّ بلدٍ بذرةً،
أزورها كلّما سَنَحتْ فرصةٌ.
أبصُّ للحيطانِ العاليةِ
والقبابِ الشاهقةِ
مبهورَ الأنفاسِ
لا أعلقُ بها خوفَ الفتنةِ
والفقدِ.
كلما رمتني امرأةٌ
بتفاحةِ بشهوةٍ
زادَ العطشُ والهيامُ؛
وبكيتُ منْ مررنَ بي
وتركنَ في جسدي ندوبًا.
هذا عن البيتِ.
فماذا عن البدويِّ
ورعبِ التكنولوجيا.














صحراءٌ مُتخيَّلةٌ.
بمثلِ خيالٍ مريضٍ،
أقطعُ الصّحراءَ عن عُرُضٍ
أدّعي أنّني بدويٍّ.
وأنا أحلُمُ
بناقةِ طرفةِ بنِ العَبدِ،
أقيسُ الزمنَ بساعةِ الرّملِ؛
لأنجوَ من رعبِ العولمةِ،
وسطوةِ الصّورةِ.
ولستُ حُرًا؛ لأقولَ ما قلتُ.
ولا عادلاً،
حين وَصَمْتُ نفسي
بما ليس فيَّ.
إذ أنوءُ بأثقالي والتاريخِ؛
فالنّجومُ  ليستْ ما يلمعُ في الليلِ:
مصابيحُ النّيونِ،
هديرُ المحركاتِ،
خرافةُ الحداثةِ وما بعدها
الكسلُ الصيفيّ،
السّرطانُ،
النّومُ المتقطِّعُ
الهوسُ بالمجازِ والكنايةِ
قلقُ الزّوجةِ
من صمتِي الطّويلِ
أفكارُ الأبناءِ عن الأبوّةِ
مكرُ الصيفِ والشّتاءِ
النّدمُ
السّاعاتُ الرّقميةُ..
.................
أمدُّ رجليّ في الحجراتِ
المرتجلةِ على عجلٍ
كما أفكارنَا عن:
الديمقراطيّةِ
وصدمةِ حضارةٍ لم تعرفنا..
أنا ابنُ خلاءٍ
بصحراءَ في خيالِي
صحراءَ عُروَةِ بنِ الوَردِ
وقُطاعِ الطّرقِ
أجلسُ أمامَ laptop
أسطرُ أفكارًا تكابدُ الحُمَّى
والهذيانَ المرَّ
ولستُ بعيدًا
عن جذوري الواهيةِ
في الصّباحِ الفاتنِ
فهذه الصّحراءُ النّائمةُ
على قدرِ ذراعٍ منّي
لا تهبُني مِفتاحَها بيسرٍ.
أزعمُ النّهارَ
أيقونةً بيضاءَ؛
لكنّي وأنا يبتلعُني
الخلاءُ السّاطعُ
أهتفُ: هذا أنا، لا غيرَ.
رجلٌ بعِرقٍ قديمٍ
كعواءِ ذئبٍ
وحاضرٍ يصنعُ أمثولةً
لا تكتملُ.......
..............




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads