الرئيسية » , » قصائد للبولندية فيسوافا شيمبورسكا | ترجمة و إعداد : صالح الرزوق

قصائد للبولندية فيسوافا شيمبورسكا | ترجمة و إعداد : صالح الرزوق

Written By كتاب الشعر on السبت، 25 أكتوبر 2014 | أكتوبر 25, 2014

على ما يبدو أن فيسوافا شيمبورسكا البولندية التي حازت على نوبل عام 1996 شاعرة علنية، بالعكس من نظيرها جيسواف ميوش حامل لقب نوبل أيضا منذ عام 1980 ، فهو كاتب سري.
فالعلاقات التي استطاعت شيمبورسكا أن تعيد النظر فيها من الناحيتين العقائدية و الفنية ، أقرب ما تكون إلى الواقع الجدلي و الحياة الموضوعية حينما تبتعد عن الذهن الأسير، ذهن يتألم تحت هيمنة الكبت و الأفازيا الإيديولوجية ، و ذلك لتؤلف عبارة. كانت شيمبورسكا جريئة على فنون القول ، و لكنها حكيمة بالفطرة ، و قادرة على تجاوز عتبة الفلسفة الإقليدية، بمعنى أنها تستطيع أن تعيش من خلال النشاط الكلامي و بلا صور. ليس هناك حاجة إلى إعادة تصوير الواقع في قصائدها المائية و الباردة التي تثلج صدرا احترق برماد فلسفي و عقائد من فولاذ.
و إنها مثل هيدغر تحاول أن تغتنم فرصة تخلفنا تاريخيا وراء هذا الوجود المؤبد ، لتصنع حوارا مع عناصر الحياة.
لقد أعوز حوار شيمبورسكا مع المعاني رطانة تستقر في اللاشعور و تذكرك بصليب الحكمة القديمة و السرية ، حيث ينمو أنا – غيري. و كانت قصائدها مركبة من مفردات ، و من خارج القطيع اللغوي. و قد استطاعت أن تعكس سلوك هذا الخيال الوجداني بعيدا عن مكونات الذات الأولى. شاعرة بريئة و معقمّة من بذور ميوش المستترة ، و من الغرانيت المعجمي الأسود لآدم ميسكيفيتش.
فيسوافا شيمبورسكا هي القلب الرومنسي الأخير الذي تصالح مع الحداثة ، و لكن من موقع خلافي و غير معرّف ، حيث ليس للمفردات مرادفات ، و ليس للنعوت أسماء ، و الحياة تعبّر عن أمل لا ضفاف له بموت مبهج ، و من غير رماد و لا مغزى.
ولدت فيسوافا شيمبورسكا Wisawa Szymborska في بوزنان عام 1923 ، و تعيش حاليا في كراكوف العاصمة التاريخية لبولندا ، بعد وارسو عاصمتها السياسية. ترجمت عن الفرنسية إلى لغتها الأم أعمال دي موسيه ( 1957 ) ، و بودلير ( 1970 ). و صدرت لها عدة مجموعات شعرية أهمها : لهذا نحيا ( 1952 ) ، أسئلة تسألها ( 1954 ) ، ناس على الجسر ( 1986 ( ، النهاية و البداية ( 1993 ) و التي صدرت ترجمتها إلى العربية في دمشق و بيروت مع مقدمة لهاتف الجنابي . 
* حفريات 
Archaeology
حسنا ، أيها البائس ،
يبدو أننا نحرز هنا تقدما.
ألفية مرت
منذ ناديتني لأول مرة بالأركيولوجية .
**
لست بحاجة بعد الآن
لآلهتك الصنوعة من الحجر ، و لا إلى خرائبك المدعومة
بالنقوش.
**
أبرز لي قبض الريح الذي لديك
و سأخبرك من تكون.
هناك شيء في الأسفل ، و شيء في الأعلى.
أشلاء محرك . و عنق أنبوبة صورة.
و بوصة من سلك معدني . أصابع تحولت إلى غبار.
و ربما أقل من ذلك. ربما أقل منه.
**
بتطبيق أسلوب
أنت لا تدركه
بوسعي أن أحرض ذاكرة
عناصر لا تحصى.
هناك أثر من دم حتى الأبد.
أكاذيب فاضحة.
و ِشفرة سرية ذات صدى.
ثم شك و نوايا تحت الضوء.
**
لو أردت
( و ليس بوسعك أن تخمن
هذا على وجه اليقين ) ،
سوف أتبصر في أعماق حنجرة الصمت ،
سأتكهن بآرائك
من حدقات عينيك ،
و سأوقظ ذاكرة تفاصيل من غير نهايات
عن تكهنات بالحياة و بالموت.
**
أفصح لي عن الخواء
الذي تضعه وراء ظهرك
و سوف أشيّد منه غابة و أوتوسترادا ،
مطارا ، و أساسات ، عواطف
و بيتا مفقودا.
**
أنشد قصيدتك المختصرة
و سأخبرك لم كانت غير مدونة
قبل الآن أو بعده
**
بكلمة لا ، أنت تسيء الفهم.
دع معك قرطاس الأوراق البليدة
و عليها تلك النقوش.
أنا بحاجة للنهايات ،
لنذر يسير من نفاياتك
و لأثر من رائحة احتراق
طواه النسيان. 
* التعذيب 
Tortures
لم يتبدل شيء .
الجسد حوض للآلام ،
عليه أن يأكل و يتنفس الهواء ، و أن ينام ،
له جلد رقيق و تحته مباشرة
دم يجري ،
و له صف من الأسنان و أظافر في آخر الأنامل ،
العظام تنكسر بلا عناء ، و المفاصل
تستطيل.
في التعذيب ، نأخذ هذا كله بعين الاعتبار.
**
لم يتبدل شيء .
الجسد لا زال يرتعش مثلما فعل
قبل تأسيس روما و بعده ،
و في القرن العشرين قبل و بعد
ولادة المسيح ؛
التعذيب هو على ما عليه ،
الأرض تضاءلت
و كل ما يجري فوقها له صخب قريب كأنه
من الغرفة المجاورة .
**
لم يتبدل شيء.
ما عدا زيادة في عدد الأشخاص ،
مع عنف جديد بالإضافة
إلى العنف المنصرم.
حقيقي ، يمكن تصديقه ، سريع الزوال ، و
معدوم ،
و لكن الصرخة التي يرد بها الجسد
على ذلك
كانت ، لا تزال ، و سوف تستمر صرخة براءة
بمقاييس العمر الطاعن بالسن و نبراته.
**
لم يتبدل شيء.
ما عدا ، ربما ، الأسلوب ، المهرجانات ،
و الرقصات.
و حركة اليد التي تحمي الرأس
هي ، في النهاية ، نفسها.
الجسد يمتعض ، و يتلوى ، و ينقبض ،
و يتهاوى على الأرض حينما تدفعه ، ثم يسحب
ركبتيه ،
مع الرضوض ، و الأورام ، و الهذيان ، و النزيف.
**
لم يتبدل شيء .
ما عدا جريان الأنهار ،
و أشكال الغابات ، الشطآن ، الصحارى ، و
الجليد.
الروح الضئيلة تحوم بين هذي السهول ،
و تختفي ، ثم تعود ، و تقترب ، و تفر ،
بلا مبالاة و في غربة عن الذات و الآن بكل تأكيد ،
أو الآن ، مع الشك بوجودها ،
حيث هو الجسد ، حيث هو
حيث هو ، و بما أنه لا مكان
يذهب إليه. 

* السماء
The Sky
ألتهم السماء ، و أطرح السماء.
أنا مصيدة وقعت في المصيدة ،
ساكنة مسكونة ،
عناق يتقاطع مع عناق ،
سؤال يجيب على سؤال ،
أن تفصل السماء عن الأرض
أسلوب خاطئ
لا يساعد على دراستهما معا.
هذا يسمح بالبقاء فقط
في عنوان أكثر انضباطا ،
و أسهل للعثور عليه
لو توجب عليهم البحث عني.
و كلمات ندائي
تصبح مبهجة و يائسة.

* متعة الكتابة
The Joy Of Writing
لماذا هذه النعجة المكتوبة مربوطة بهذه الغابات المكتوبة ؟
هل لأجل جرعة ماء مكتوب من نبع
سطحه سوف يصوّر فمها البارز و الناعم ؟
لمذا رفعت رأسها ، هل سمعت شيئا ؟
مسنودة على أربع قوائم نحيلة استعارتها من الحقيقة ،
تنصب أذنيها تحت أطراف أناملي.
صمتا - هذه الكلمة تخشخش أيضا على عرض الصفحة
و تغادر الأغصان التي تبرعمت من كلمة " الغابة ".
تنام و تنتظر ، و تشرع بتهجئة الورقة البيضاء ،
الحروف لا تصل بنا إلى معنى طيب ،
و تتمسك بعبارات شقية جدا
لن تسمح لها بالسفر.
كل قطرة حبر تحتوي على مقدار معتدل
من الصيادين المجهزين بعيون نفاذة تسبق مدى البصر ،
و هم على استعداد للهجوم بالأقلام المائلة في أية لحظة ،
لمحاصرة النعجة ، ثم بالتدريج يصوبون عليها بنادقهم.
إنهم لا ينتبهون أن الموجود هنا ليس الحياة.
و هو يحوز على قوانين أخرى ، بالأسود و الأبيض .
و بريق العين سوف يستغرق مثلما أقول ،
و لو كانت عندي رغبة ، سوف يتجزأ إلى لحظات ضئيلة من الأبدية ،
و سوف يتوقف في منتصف الطريق و هو مثقل بالطلقات.
و لن يتحقق شيء ما لم أرضى بذلك.
و من غير دعائي ، لن تسقط ورقة من شجرة ،
و لن ينحني نصل من عشبة تحت حافر صغير توقف هنا.
هل هناك عالم
أنا أحكمه بالقدر الغاشم ؟
زمن أحكم وثاقه بسلسلة من الرموز ؟
وجود أراهن عليه حتى يصبح بلا نهاية ؟



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads