الرئيسية » » قصيدة: "مَخلوقُ الرَبّات" شعر: محمد عيد إبراهيم

قصيدة: "مَخلوقُ الرَبّات" شعر: محمد عيد إبراهيم

Written By كتاب الشعر on الخميس، 16 أكتوبر 2014 | أكتوبر 16, 2014




قصيدة: "مَخلوقُ الرَبّات"
شعر: محمد عيد إبراهيم
في مُبتدا يوليو، ولأنّ
الصيفَ شَدَّ
يَسوقُ أحلامَ عِجلِ البحرِ، أَغْطَسَ
أَعضاءَه وتَهادَى
قُربَ رملِ القاعِ: يصفو الماءُ
تحتَ الماءِ، تَحدوهُ أمنيةٌ
أن يصطَفِي سَمكاتٍ
ليلعبَ بها لُعبةَ الذئبِ والمنديلِ
ومَن يَفُز يبلَعهُ
مُتَّزِناً، بلا غفلَة.
حَولهُ يسبَحُ الشَبُّوطُ والقاروسُ، كلبُ
البحرِ والسَلَمون، الأنقَليسُ
والدُّلفينُ الصغيرُ، واللَّسَّاعُ والرَّعّاشُ
والبَخَّاخُ، وما لا يهتَدِي
بزعانِفَ؛
وَسطَ أعشابٍ: حمراءَ دُهنيةٍ
وخضراءَ زَرعِيّةٍ وبنفسَجِيّةٍ
ورمَاديّةٍ، بروائحَ
كالبَخورِ ووَردِ الصَلِيبَةِ والعُودِ...
طَقَّ غُبارٌ
من الأرضِ باستِكشَافهِ، داخَ
مُعتَرِضاً وأَبطلَ آلاتِهِ، ليرى ـ
إن عَدوّاً، وإلا يفوتُ.
هَبَّ من خَلفِ الغُبارِ:
ملامِسُ، حِمضِيّاتٌ، وحَبُّ لِقَاحٍ
بما لا يُشبِهُ السُكّرَ، بَعدَهُ شَوكَتان
على هُلامٍ ينسَحِب، كالعَقربِ الرَّهيفِ:
أكبرُ من زهرةٍ
وأقلُّ من وَرْوَارَ،
عَلَّقَ نفسَهُ كجَناحٍ بلألأةٍ من المِلحِ في
عينَيهِ، وانهَمَرَت مُدَلاّةً
قواريرُ
من أَنجُمٍ مَعطوبةٍ، تختَفي كالحِجابِ، وهو
يقومُ مِن مَرقَدهِ...
حولَهُ دِيدانٌ
أُسطوانِيّةٌ، تحرُسهُ بالعِيدانِ، وجَنبَهُ
سَمَكَةٌ عَكِرَة
تُنظِّفُ مَرقَدَهُ من طَحِينِ البحرِ...
كانَ يصُبُّ رِعشَتَهُ،
لكأنَّهُ يَهِيمُ
وقتَ الشمسِ التي عَمِيَت
فأَعْمَت
قلبَ عِجلِ البحر.
(هل يُكتَب عليهِ، طويلاً
وبِعَزمٍ، أن يسعَى
إثرَ كلّ فَرِيسَةٍ، كعَجِينٍ إلى النارٍ... تغمُرهُ
السّابِحاتُ، السّاحليِّاتُ، طائفةُ
السِّلكِياتِ، والخَيطِيةِ، واللاّحَشَويّةِ
والرَّخويّاتِ العوالِقِ،
دفعاً
وعَقْداً
وهَيمَنةً
وهُبوباً
لتأدِيَةٍ، بالسَلبِ، على غيرِ نحوِ الغرام؟)
ودونَ عاطفةٍ، خَصَّهُ
عنكبوتُ الماءِ
بالوَخْزِ في كُليَتَيهِ وتحتَ فَكِّهِ، ليعودَ
أَدراجَهُ،
حتى يتمَّ إنزالُ القَتيلِ القديمِ...
هبطَ المَساءُ كالصوفِ ـ عادَت
دَورَةُ الحياةِ ـ فكانَ أن أَفصَحَ
بِغُصَّتهِ،
كمَخلوقٍ مَسَّ أُعجوبةً: تَعتَرِيهِ
عاكِسَةُ الحُلمِ ذاتُ الصفَتَين، وهي
تَزُفُّ صَيحَتَهُ ـ
كابنِ آدمَ، قَدَّمَ تَقدِمَةً: فَرَسٌ
من الخَشَبِ اللُّعبَةِ، زَيّنَها
بأوراقِ حُورٍ وأصدافٍ في الثنايا،
وراقَ لهُ أن يزرَعَ الفِطرَ بالحافِرَين،
لكيلا تَثِب...
طَقطَقَ النارَ في هِبَتِهِ، بعدَها استَلقَى
رِسالةً صِينيةً خُتِمَت
في زجاجةٍ، ألفَ عامٍ، وما من مُجِيب.
لدى نُقطَةٍ من حَلِيبِ الزمنِ، تَتَبَّعَ
عُنقودَ الأنجُمِ الشاميّةِ
في الماءِ: سَرجٌ من النغَماتِ
سالَ، وصَفّارَةٌ جَمَعَتهُ، وهو دائِخٌ يتخَبَّطُ من
مَطرِ الكائناتِ التي دفعَتهُ
فارتَدّ ـ على سبيلِ الوَهمِ ـ
فَتّشَ حَولَهُ،
يتَلَبَّثُ أو يتَوانَى،
فارِداً من ذيلهِ، وزِعنِفَتاهُ كالصَلْبِ،
صِبْغٌ أحمرُ عيناهُ،
وارتَشَحَت أَوصالُهُ كمُراهِقِ الجِنّ...
شَقّ مَشِيئَتَهُ، فجأةً
والتَطَم؛
ضارباً طَرفَهُ ـ وبوَضْعِيّةٍ كالخائنِ ـ في إسفنجَ، يَحبِسُهُ
نورٌ من المُخْمَلِ الوَردِيِّ، لا
يتدَبَّرُ أنها وَجَرَة!
ـ وطالَ مَطَالُ الليلِ!
في الوَجَرَةِ، بعدَ انكِسارِ الأحازينِ، حَشْوٌ
على كِرْشِ عِجلِ البحرِ
نَوَّمَ رأسَهُ وتَحَرّرَ من مألوفِهِ، قد مَرَّرَتهُ
الشُطوطُ، وماذا تعنيَ الدنيا...
لا تَبرَدُ الوَجَرَة:
بُحَّةٌ، طَلْقٌ، ندَى، ثمّ ضِحكَة
بآخرِها تَرتِيلٌ، وهي تَصعَدُ...
من فَرطِ نِعمَتهِ، قلبُهُ المُشْعِرُ لانَ
وانداحَت مَلامِسُهُ لحَلقِ العِجلِ ـ
لا صوتَ
يُؤنِسُ وِحدَتَهُ، لا عظمَ كِلمةٍ
يتَشَفَّى بها، أو يَعتَرِض:
قاءَ ما هو بِنُعومةِ الرملِ،
واحتَلَمَت نفسُهُ
للصراخِ ـ
فلم ينتَصِب حَلقُهُ، أبداً... صَرَّ، مُنتَفِضاً، كمِشْكاةٍ
عليها خَيالاتُ دم!
عِجلُ البحرِ
في البحرِ،
في جَوَبانهِ الطريِّ، مُنقَلِباً
على بطنهِ السمكاتُ،
ورَغوَتُهُ في فمهِ...
(*) من ديواني: (الملاك الأحمر)، دار الانتشار العربيّ، بيروت، 2000
(*) التمثال، للفنان المصريّ الكبير: عبد الهادي الوشاحي
(*) قال عنها أحد النقّاد: هي "معلّقة محمد عيد إبراهيم"!
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads