الرئيسية » , » قصيدة: (أبي) شعر: سيلفيا بلاث ترجمة: محمد عيد إبراهيم

قصيدة: (أبي) شعر: سيلفيا بلاث ترجمة: محمد عيد إبراهيم

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 24 أبريل 2015 | أبريل 24, 2015

(قصيدة: (أبي 
شعر: سيلفيا بلاث
ترجمة: محمد عيد إبراهيم

لم تُنجز، لم تُنجز
المزيدَ، حِذاءٌ أسودُ
عِشتُ فيه كالقَدَمِ
ثلاثينَ عاماً، زاهِدةً بيضاءَ،
لا أجرؤ أن أتنفّسَ أو أعطَسَ.
*

كانَ عليّ أن أقتُلكَ، يا أبي.
مِتَّ قبلَما يتَوفَّرُ لي الوقتُ...
كِيسٌ، ثقيلٌ رخاميٌّ، مِلؤهُ الله،
تِمثالٌ شَبَحيٌّ بإصبَعِ قَدَمٍ رماديةٍ
ضَخمةٍ كفَقمةِ فِريسكو.
*

ورأسٌ في الأطلَسِيّ العَجيبِ
يصُبُّ أخضرَ زَرعِياً على أزرقَ
في المياهِ خارجَ نوسِيتَ البديعةِ.
واعتدتُ أن أُصلِّي، لأستعيدكَ.
وأنا أَئِنُّ.
*

باللّسانِ الألمانيّ، في البلدةِ البولنديّةِ
قد حَكَّكَتْكَ مِدْحَاةٌ
من الحُروبِ، الحُروبِ، الحُروبِ.
إلا أن اسمَ البلدةِ شائعٌ.
يقولُ صديقي البولنديّ
*

ثمّةَ اثنتا عَشرةَ أو اثنتانِ.
فليسَ لي أن أحكي عن أَصلِكَ
مِن أينَ قَدِمتَ، وما جُذوركَ،
ليسَ لي أن أُكلِّمَكَ من بَعدُ.
التَصَقَ لِساني بِحَلْقي.
*

التَصَقَ بفَخٍّ سِلْكِيٍّ مُسَنَّن.
فأُتأتِئ، آي، آي، آي.
وكلامي بشِقّ الأَنفُسِ.
ظننتُ أنكَ كَكلّ ألمانيٍّ.
واللغةُ فاحِشَةٌ
*

قاطِرةٌ، قاطِرةٌ
تُهَجِّرني كيهوديٍّ،
يهوديٍّ إلى داخاو، أوشفيتز، بيلسن.
بدأتُ أتكلّمُ كاليهوديّ.
أظنُّ أني يهوديةٌ.
*

ثلوجُ تِيرولَ، بيرةُ فيينا الرائقةُ
لا هي صافيةٌ ولا حقيقيةٌ.
مع سَلَفي الغَجَرِيّة وحظّي العَجيبِ
وأوراقِ لَعِبي، أوراقِ لَعِبي
مُحتَملٌ أني يهوديةٌ.
*

كنتُ أَرتاعُ دائماً منكَ،
بقُوّتِكَ الجَويّةِ، ولَفظِكَ الجَهْمِ،
وشاربِكَ المَحفوفِ، وعينِكَ الآريّةِ، زرقاءَ برّاقةٍ.
جُنديَّ الدبّابةِ، جُنديَّ الدبّابةِ، يا لِيَ منكَ...
*

لستَ ربّاً بل صليبٌ مَعقوفٌ
فاحِمُ السّوادِ، لا سماءَ تَعْوِي منها.
كلُّ امرأةٍ تَعبدُ فاشِيّاً،
الحِذاءُ في الوَجهِ، غاشِمٌ
قلبُكَ الغاشِمُ في غاشِمٍ مِثلكَ.
*

تقفُ إلى السُبّورةِ، يا أبي،
في الصورةِ التي لكَ عندي،
قَطْعٌ في ذَقنِكَ عِوضاً عن قَدَمِكَ
ولستَ أقلّ من شَيطانٍ، لا لَم
تكن أقلّ من ذلكَ الأسودِ الذي
*

شَقّ قلبي الأحمرَ المَلِيحَ نِصفَين.
دَفَنوكَ، وكنتُ في العاشرةِ.
جَرَّبتُ في العِشرينِ أن أموتَ
ثم عدتُ، عدتُ، إليكَ عدتُ.
أظنُّ تفعلُها العِظامُ.
*

ثُم شَدّوني من الكِيسِ،
مِن ثَمّ لَحَموني بالصَّمغِ.
وهكذا عَرِفتُ ما أُريدُ.
فاتّخَذتُ مِنكَ مِثالاً،
يا ذا الزِيّ الأسودِ بنظرةِ "كِفاحي"
*

وعِشقي للمِسمارِ والخَلاَّعةِ.
قلتُ أُنجِزُ، إني سأُنجِزُ.
وأخيراً، يا أبي، وَصَلتُ.
الهاتفُ المُسْوَدُّ مَخلوعٌ مِن مَنْبِتهِ،
وليسَ للأصواتِ أن تلتاعَ فيهِ.
*

إن قتلتُ رَجُلاً، فقد أقتل اثنَين...
الخَفَّاشُ الذي قالَ إنكَ هُو
وظَلّ يمُصّ دَمي عاماً،
وسبعةَ أعوامٍ، إن أردتَ أن تعرفَ.
فاضْجَع بظَهركَ، يا أبي، الآنَ.
*

ثَمةَ وَتَدٌ في قلبِكَ الأسودِ الشَحِيمِ
ما لم يُعجِب أهلَ القَريةِ فِيكَ.
فكانوا يرقصونَ وهُم يدبّون عليكَ.
على وَعيٍ دائماً أنكَ هُو.
أبي، وَصلتُ، يا أبي، يا ابنَ الزِّنا.

(*) تحكي الشاعرة الأمريكية، سيلفيا بلاث، (1932/ 1963)، في هذه القصيدة عن علاقتها بأبيها، وهي علاقة مركّبة وبالغة التعقيد، تحبه وتبغضه في الوقت نفسه، وتربط بينه وبين محاولاتها للانتحار، كما تتنبأ بعلاقتها الفاسدة مع الشاعر الإنجليزيّ، تيد هيوز. وتعدّ هذه القصيدة أساس شعريتها وجوهرها!


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads