الرئيسية » » كرسي قديم أمام الأطلسي | أحمد ندا

كرسي قديم أمام الأطلسي | أحمد ندا

Written By Lyly on السبت، 24 يناير 2015 | يناير 24, 2015

جمِّلوني بالستر


جمِّلوني بالستر يا أصحابي
الشبابيك التي فتحناها سويةً
لا تطلّ على البحر
بل على وجوهنا القديمة
وقت أن كنّا نتقاسم الألم
بحصص متساوية
خبّئوني في قلوبكم
واجمعوني إن ضللت
هذه المدينة لن تعرفني أبداً
عددتُ أقمارها وبكائيها
وحاسري رؤوسهم عن الصبح
ينبغي لي حماية روحي من العطب
علموني الأسى كيف يكون موضوعياً
والشكوى كيف تصير ممنهجةً
حتى لا أنهك أكثر
كل الكلام وشاية يا أصحابي
والجنون الذي يترفق بي حتّى اللحظة
أصابني بالشلل
ألصقوني بالكلمات المناسبة
أو انسوني
كما تنسون أسماء الشوارع
أنا واقف في آخر العالم
أتثاقل من كثرة الملائكة على كتفي.


 

الظهيرة


الظهيرة انتقامٌ بشريٌّ من الأرض،
أردت أن أطلع أحبّتي على سرّها،
فخانوني بانتظار الليل
واستبدال الأوقات الطيّبة بالأعمال الشاقة.
أضعت سنواتٍ أتطوّح كالغرقى
واصلاً بين هباءين بمعجزة
هارباً من عرقي العزير
وها أنا أسمَن كقطٍّ رومي
وأعرق مثل منتظري نهاية العالم.
ساعاتٍ
وأستأنف مهمتي اليومية:
أفتل من عروق أعدائي حبالاً
ومن عيونهم أجراساً
فتقودني الفوضى إلى حيث أنام بلطف
أسمي المكان مسدساً
وأطلقه على بقية الصبر
مرتجلاً مهرجاناً عن قلة الحيلة
والغضب المسفوك في قصائد تشبه بعضها
أعرف أن لساني مقضوم بفعل التشتت
وأن هذه الظهيرة تتمشى حول الشمس
لتلتقط البراغيث من سريري
-يرون أحيانا أن البراغيث فأل نحسٍ
للذين لا يحبون الدم-
لن أموت سريعاً على ما يبدو
كما أني لن أشهد نهاية العالم
فيما أرى الجميع مشوهّاً كقطعة صلصال
مستمرّاً في فتل عروقهم حبالاً


 

المصالحة


ربما سأتعلم يوماً ما
كيف يصير صوتك مرئياً
حتى نغنّي سوياً
عن الأحباب الذين يتلاقون
دون مصالحة حقيقية
هكذا نعقد هدنتنا الصغيرة
في مواجهة الحياة
الخطايا تستعيد صورتها
لأبحث عن عين زائغة
لا تخصّني
أنت علّمتني كيف أنظر إلى الغزالة
وأقول: هذه رحلة
أسأل نفسي من يتكئ على من؟
ونحن الاثنان واقعان من قميص واحد
سميتِه المحبة
وأسميه حسرتي على ثرثرة لا تمنحني الوقت
لأتفرّس ميلادك
وأغبط نفسي على وقوعي بين بدايتين: حضنك، وكوني أخطّط لمستقبل يجمعنا
أيتها البنت الجديدة
أكثر من مرة حاذيت خطو الله
لأعرض عليك
ما يتسع لكلينا
نكمل به مصيرنا
أو فريضة البهجة الغائبة


 

الهارب


رأيته خلف أسوار عالية من الحذر
الولد المتسرب خلسة من قطّاع الطرق
يجلس على مقربة من أحلام تبددت
مع أنه لم يحارب طواحين الهواء يوماً
حين أدركتُه كان عارياً،
إلا من تماسك مزيف،
فيما عيناه تفضحان رقّته
هو يخبئ هذه الرقّة وراء أكوام من النوستالجيا
تبدو على وجهه أحياناً طفولة
لا تخرج إلا لمن يلقونه ويبتسمون بلا تكلف
يكتب أحياناً عن خبيئته،
لكن سرعان ما يتراجع
خوفاً من التأويلات الثقيلة
نسيتُ أن أقول إنه ليس مثلنا تماماً
أنبل ربما
بسيط كزمن مسروق من ضوضاء المدينة


 

أمام الأطلسي


في حياة سابقة كنت بدوياّ،
لكنني أخطأت في تركيب جسدي
دخل الهواء بين الكتف والذراع
فصرت أنشغل بالسياسة
وأحصي الجثث بلا رغبة حقيقية في التعاطف

حياتي الماضية كانت أجمل
الرمل أكثر من أن يعد أو يمحى
وجلود الماعز تكوّن أصدقائي
طيّبين وقتلةَ

من سرق يديّ الآن، يكفيني صدع الكتف
تكفيني السياسة والصلوات الخمس
من يجرؤ أن ينظر إليّ ولا يضحك

كنتُ دمي وصرت بقعاً حمراء تفترشها خدود غلبانة
-والله غلبانة ولا تحتمل-
كنتُ دمي حتى وإن حلّ ليلٌ كفاكهة فاسدة
صرت زغباً على جلد مسلوخ

في حياتي التالية، سأصبح كرسياً قديماً
أمام المحيط الأطلسي


 

كنت أجرب


كنت أجرب كتابة قصيدة
بغير كلمة "أنا"
أنسبها إليّ بضميرٍ مستريحٍ
لكنني وقفت بعد ثاني جملة
رأيت أشباحاً تتطاير حولي
وتضحك بهستيرية
لست جباناً كي أنسب لآخر
أوجاعاً تخصّني
أو أنا للدقة.. جبان
يترك نفسه على سجيتها
في قصائد كئيبة
يَسِمُني من يعرفني
بالعنف أحياناً
دون أن يعرف وقع كلماته علي
أنا قتيل معركة لا تهمه
يبحث عن مرثيّة جذّابة
أدخل في حيوات لا تخصّني
لأفتش فيها عما يؤنسني
ودائماً
دائماً
لا أجد غير خيباتٍ
أما هذه اللوعة التي اكتسبَتْها قصائدي
كسُمْرة جذّابة
خرافة حقيرة تبسط أيديَها الست
على صدري
فأشعر باختناق
أنا سكران بشدة
وأبكي بشدة من هزائم لا تمتّ لي بصلة
فاعذروني، إني خرجتُ عن النص
قليلاّ


 

تداعٍ


كان لا بد أن يقلتني أحدهم قبل أن أقول شيئاّ،
نحّيتُ عن نفسي خصالها العفْويّة،
وثابرت على الاصطناع، كمسلسل المساء المبتذل
بقيتُ عند نقطة الصفر، مشمولاً بصلوات المصدّقين، وهم أكثر من أكرهُ على وجه الأرض.
أستخدم كلمة "كراهية" كثيراً في حديثي،
دون أن أعرف معناها،
أو أعرفُ ولا أصدق
أو أصدق ولا أريد أن أصدق
بينما نساءٌ يزحفْن داخل رأسي بوجوه دامية وأطراف مزرقّة،
يجاورهن صاحبي المستسلم للجنون، وهو يجذبني إلى خَباله
أتركه يقود ذاتي، علّها تبصر جديداً أتوكّأُ عليه
أفكّر كثيراً في المعاني، دون أن أُحدّدها، تنقصني حنكة الخبراء، وأصواتهم الواثقة، فيما أغوص داخلي وأقول:
سأقصّ عليكم يا أصدقائي الخياليين ما يحلو لي
لن تتذمروا، أو تتساءلوا عن مصداقية الحكاية
وأنا بالكاد لملمتُها من أرواح مترهلة تُلقى أمامي..
أواسي دماغي بالحشيش،
مستلقياً على ظهري،
مادّاً بصري إلى حيث تختمر الحياة بمودّة، وألتقي ناساً غير لوّامة: أهلاً وسهلاً، أنا أحمد ندا، أعطوني قليلاً من انتباهكم، وبلّغوا عنّي نصوصي، ولا تذكروا هاجسي من الصلع، لئلّا تتشوّه الصورة.
لكنهم يذهبون بسرعة، ويقسمون فيما بينهم خطواتي إلى العدم:
أحدهم لا يترك نميمةً تتعلق بي إلا وربّاها كناطحة سحاب
وآخر مشغول جدّاً بكيفيّة تقويمي، محصياً أنفاسي التي تخرج دون مشاكل..
على كل الأحوال،
لا بد أن أُقتلَ، قبل أن يكرهني آخرون،
وقبل أن أَقتل نفسي دون إجابة عن السؤال "ماذا بعدُ؟"


 

ترجيح احتمالات


يقف قبالة حياته ويترقب أقلّ بادرة تأتي منها
غير أنه لا يمسكها ثم يختفي وراء ظله

- ربما خطفته النجوم أثناء سخطه على الليل
- ربما شرب خمراً فاسدةً فأصابته بقرحة ودم متجلط على جدران القلب
- ربما استقبل النوائب دون جزع
- ربما تسرب من شقوق العيون دون بقايا ذاكرة
- ربما لم يشعل سيجارة لإكمال الكليشيه
-ربما كان فأراً أو بوذيّاً أو عابراً جانب أنهار متخيلة

المتواتر أنه مدّ خطاً بينه وبين الانتحار
لكن حياته التي تقف قبالته
تعرفت على صوته
من مرارة قديمة تعتّقت إثر تتابع الأيام


 

يا ماجد


المحبة تجعل القلب أكبر،
هكذا قالوا لي في معرض كلام كثير، مكرر ومحفوظ عن الحب
ولم يتطرقوا يوماً إلى مساوئه،
باستثناء بعض أغاني البكاء الرثّ،
وجروح غائرة تترك ندوباً دائمةً
لقيتَني يا ماجد في مشهد نادر الحدوث،
وقت أن كنتُ بلا ميكانيزمات دفاعية
أسوّف سقوطي مرة بعد مرة،
وأنت الرومانتيكي العاقل،
تجهّز حالك ليومين متتاليين لاستقبال مرارة وصلت حدها الفائض
كنتُ مسرفاً في الاكتراث
بينما أنت تستفيض في التدليل على سيكولوجية الخسارة
وتضحك، ملء فمك تضحك، بطيبة هادئة، وصوت يصير حاداً لحظة ميلاد وجهك بالإشراق.
صوتُك يا صاحبي، وبعض القصائد ربما
هي الفضاء السمح على أرض مختلة، كثر القتل فيها وقلّ الكلام عنه
صوتك ياصاحبي، طفل مدللٌ، لولاه لكنتُ أتلقف العمى من بائعي المقولات الكبرى على مقاهي المثقفين، أولئك الذين يأخذون الخمر بجدية أكثر من اللازم

تتسع صداقتنا أن أعرّي فضائحي السرية أمامك، تجهيزات لوهم أصابه العطب، من كثرة ما صدقتُه
 أنت لم تصدقه يا عزيزي وقلبت المنطق البسيط للأشياء إلى حكمة واسعة النطاق
ولولا ذلك الدفء الذي تنشره بغير حساب على الجميع، لصدقتُ ما يشاع بتواتر عن موت الشاعر
ماذا لو أنك شاعر لا يموتُ، وإنما هي كثافة العمى تسقط على عيون اعتادت الجاهز؟
ماذا لو أنك جميل كلحظة الميلاد، وكل ما في الأمر أنكَ نسيت خيانة المسافة، والمكان دوماً يتربص بالبعيد؟
في البدء سميتُك السنتمنتالي والرومانتيكي والعاطفي
والآن أسميك المحبة الكاملة.



 
الجلوس


يمر على عمره الجلادون
يحولون أشجاره إلى إسفلت وخيبات
تتبعه الأفواه
محدثة ضجيجاً هائلاً
-بالكاد يتلمس صوته-
يداه صِفرٌ
قروحه تتعاظم
-بالكاد يعرف نفسه-
رأى ذاتَه أمنيةً تتضاءل تدريجياً
كما يتضاءل البدر بعد منتصف الشهر
لم يعد قادراً أن يقترب
حتى استوطنه البعد
فاندمل عمره مشوهاً
والعلامات على قرب النهاية
تتبدّى في تفسّخ أعضائه
والجهامة التي رباها للجلادين
تكسرت عند أول آهة
يقولون له: هل جربت الطيران؟
- أجنحتي أضيق من السلامة وقدماي لا تتحملان الهبوط الاضطراري

- هل تسلقت جداراً يطل على ناس طيّبة؟
- الأنفاس التي تتكاثر حولي تصيبني بالغثيان

- هل تقترب من الله أو أعدائه بحذر؟
- أنا لا أعرف أحداً

- هل تخاف من الليل؟
- بعدما غفوت نسيتُ أن الليل يناسبني

في منتصف العمر تماماً
أراد أن يقتل جلّاديه
لكنه اكتفى بالجلوس


 

لا متناهية


عندما يطلع نهار جديد؛
ستكون الأرض أكثر اتساخاً بوقع الخطى،
حيث تتكالب الأنفس وراء إزهاق أخرى.
سيمر جلادون وشعراء وصائدو نجوم،
ينظرون في أسى إلى جهنم البشرية
ويطلقون رغباتهم على أعتاب البيوت الخاوية
إلا من نساء تدرّبن جيداً على الاعتياد.
في حين ينتظر الوحيدون إخراج حاجياتهم الوحيدة لتتشمّس.
وبين هذا وذاك،
ثمّة من سيطالع تشكّل الشوارع على هيئة مقابر واسعة،
ويكتب شيئاً عن الحياة المربوطة بجمل لامتناهية.


 

الأثيوبية


لم يعرفوا البرد إلا في نشرات الأخبار،
والثلاجات الكبيرة في المحال التجارية
حيث لا تَرَفَ لأحدهم أن يقتني واحدة في بيته
هذا ما خبّروني به عن الإثيوبيين
أما هي
فظهرت في خيالي كلوحة لـ "غويا"
قبل أن تخاطبني هكذا
وجهاً لوجه
وتنشب شفاهها على خدي
المستعد دائما لاستقبال النيران
أحمل فوق كتفي حرمة الملامسة
كما ورثتُها
لذلك جاء استسلامي مرتبكاً
رومانسياً كقائد يتخلى عن كتيبته
هي هي ذات المشاعر التي أخلفها وراء كل رائحة تصدم رأسي بقوة
فبدوتُ كسلاح آلي فارغ من طلقاته
وبطول المسافة بين عينيها وعينيّ
شرعتُ في تحديد مكامن الفتنة
لأذهب إليها مباشرةً.
ليس من الغريب إذن،
أن نهجر إنجليزيتنا الرديئة،
حين اكتشفنا بالصدفة
أنّ شهوة الاستكشاف جمعتنا
فآثرنا إزاحة الرواسب الحضارية جانباً
والنوم متلاصقين
كطفلين يستدفئان من البرد
وقد تركنا أنفسنا تماماً
للارتجال


 

كل هذا الليل


الليل لا يريد أن يترفّق
لم يداوه تداول الابتسامات،
ولا قراءة شعر جيد.
ثمة أيام مجيدة استطالت حتى اتّسعت لعمري كله
بقي منها قليل من الحسرة.
حسناً، حيث أني ضائع في تذكارات باهتة
صرت أكثر تعاسة من اليتامى
إلى الآن أنا صاحبي الوحيد
لأني صدقت أحاديث الأهل عن الجدوى
حتى اختليتُ إلى نفسي
ووجدتُني أعمى يسوق عماه نحو هاويةٍ تخصه تحديداً
كل شيءٍ يمكن أن يكون موجعاً
حتى شرب الماء
من يقدر على مداواة كل هذا الليل إذن؟


* شاعر من مصر


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads