الرئيسية » » حول الموت ذنون خلف – سوريا / ألمانيا

حول الموت ذنون خلف – سوريا / ألمانيا

Written By كتاب الشعر on الخميس، 4 ديسمبر 2014 | ديسمبر 04, 2014

حول الموت
ذنون خلف – سوريا / ألمانيا



كل فرد سيموت وحده، سيواجه موته لوحده، أشياء الآخرين لا تموت مع الميت، أشياء الميت كلها تموت بالنسبة له، أحلامه وأفكاره وآلامه كلها تموت، تنطفئ رائحته الكريهة وينطفئ وجهه الحسن، لا شيء يبقى، هل الميت ميت بالنسبة لنفسه؟ ربما لا، لأنه أصبح خارج نطاق الفعل، لكن على أية حال يبدو الميت شاحبا فهل يعود ذلك إلى أنه يشعر؟ أم أنه لا يشعر إنما هو شحوب الموت. كذب ما يقوله أفراد عائلته عن أنه يكون مبتسما، إنه يبدو تعيسا وشاحبا، لا ذنب له في أن الآخرين يخافون منه، لا ذنب له بالقرف الذي يستشعره الآخرون.. يخفت البكاء في الغرف المجاورة بعد ساعات، تنهك الحناجر، تستنزف العيون، لكن كل ذلك ليس لأجل الميت المستلقي أو الملقى على أرضية الحمام، كل ذلك لأجل نشوة الباكي، إنه يبكي لأجل نفسه. الميت لا يقدر الأيادي الكثيرة التي تغسله في تلك اللحظة، لا يفهم شيئا ويظل شاحبا، يظل شاحبا أيضا عندما تغني الجوقة الصوفية آيات من القرآن، هذه اللغة الفخمة لم تعد تعني له شيئا على الإطلاق، كل مفاهيم الميت في تلك اللحظة تتسرب على أرضية الحمام، تنحدر ببطء صوب فتحة القذارات، كل المفاهيم بدون استثناء، الله والحب والفلسفة وحتى الفتاة الشبيهة بالملاك والتي لم يضاجعها، كل ذكرياته تتسرب وتنحدر ببطء، تتعرج في الطريق، لكنها في النهاية لا تضيع. يغسلونه ويعطرونه، يلبسونه ثيابا أنيقة ومع ذلك يبقى شاحبا، عندما يحكمون مسامير التابوت ويحشرونه في الداخل لا يشعر بالضيق ولكن فقط يظل شاحبا.. بهدوء يجتمعون مئة شخص.. مئتا شخص.. وأيضا ثمة موتى فقراء لا ترافقهم حشود، لكن هذا لا يهمهم على وجه الإجمال. يجتمعون بهدوء، أربعة نساء بدينات في الزاوية يبكين، يمسحن دموعهن بأكمام أثوابهن السوداء، الميت لا تهمه دموعهن، أربعة رجال أصحاء ينزلون التابوت إلى الأسفل، أربعة شبان فقراء بثياب معفرة يطمرون الحفرة، يرتفع الغبار.. بعد دقائق يغادر الجميع. في محطة القطار يغادر القطار، في القطار ثمة أستاذة مدرسة تقرأ مجلة عن البيئة، من النافذة ينظر شاب إلى الأراضي الزراعية وهو يستمع إلى الموسيقى بسماعات هاتفه، الآخرون يزعجهم صوت موسيقى الروك الصاخبة المنبعثة من سماعته. أما الميت فهو وحيد في مكان مظلم، لا نعرف أيضا، لا يتسنى لنا أن نعرف إن كان حتى هذه اللحظة شاحبا.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads