الرئيسية » » خمريات الشاعر الصيني لي بُو

خمريات الشاعر الصيني لي بُو

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 13 أكتوبر 2014 | أكتوبر 13, 2014




عبد الهادي سعدون


 


لي بو، أو: لي باي (حسب ما يُنطق اسمه بلغة بلده أو ما وصلنا من نطق غربي معروف) شاعر كلاسيكي صيني، يُعدُّ واحداً من اثنين - إضافة إلى صديقه الشاعر دو فو - من أهم شعراء الصين قاطبة. ولد لي بو في مدينة شويي عام 701م، وهو ابن لتاجر معروف في مدينته. عاش أغلب فترات شبابه معتكفاً في صومعة، ومن ثم أمضى المتبقّي مسافراً في أرجاء البلاد. في عام 742م استقرَّ في مدينة شانغان، عاصمة الإمبراطورية تانغ. وتمَّ تقديمه إلى الإمبراطور ليصبح من ضيوف البلاط لوقت طويل، بعد ذلك عانى من الشظف والحاجة حيث نُفيَ بعيداً عن الإمبراطورية بسبب تأييده للأمير يونغ عندما قام هذا الأخير بالتمرّد على الإمبراطورية. ومات الشاعر سنة 762م. لقد عاش لي بو فترة هدوء وحرّية عقائدية تقريباً طوال حياته، مما أتاح له إنشاد القصائد والتأليف كثيراً، إذ يُحكى عن تأليفه لأكثر من 10 آلاف قصيدة، لم تصل لنا منها غير بضعة آلاف. كتب شاعرنا في أصناف شعرية مختلفة: تغنّى بحياة الاعتكاف، مديح الفرسان، الحرب، الطبيعة، الحياة في المناطق الحدودية، وكما كتب خمريات عديدة في مناسبات مختلفة من حياته كونه كان ذوّاقةَ خمرٍ من طراز رفيع... ومن بين خمرياته تلك نترجم هذه الباقة.
وحيداً تحت ضوء القمر
محاطاً بالأزهار، أشرب لوحدي
أمام جرّة النبيذ.
رافعاً قدحي، داعياً القمر،
ومع ظلّي، نصبح ثلاثة.
رغم أن القمر لا يشرب
وظلّي بالكاد يتبعني،
لذا أعتبرهما صديقَين طارئَين.
منتشياً برفقتهما قبل أن يهجرنا الربيع!
أغنّي بينما يتجوّل القمر.
أرقص، وظلّي منشغل عني.
قبل أن أنتشيَ، نتسلّى برفقة بعضنا البعض.
عندما أثملُ، تنفكُّ عرى صداقتنا.
إيه يا قمر، إيه يا ظل!
ستظلان صديقَي الخالدَين.
سنجتمع ذات يوم
في عالم نجيمات قُدَّ من البلّور.
ضيف
في أقداح «جادي» يلتمع العنبر،
هذا شراب لان لانغ،
متضوِّعاً مثل زهرة خزامى.
مضيفي يصرُّ على تسكيري،
كي أتهرَّب من حنيني إلى أرضي.
وداع في حانة جين لنغ
أزهار البرك
تتطوَّح مع النسيم
وتُغرق الحانة بأريجها.
أصدقائي الشبان في حانة جين لنغ
يتقاطرون لتوديعي.
فتاة رائعة الحسن
تسقينا الشراب.
وما بين وداع وآخر
نترع كؤوساً بعد أخرى.
لتسألوا، إيه صحبي،
النهر العظيم الذي يجري نحو الشرق:
ما الذي سينتهي أولاً
مجراه أم حنيني؟
تحريض
ألا ترى يا صاحبي
بأن مياه النهر الأصفر
تجري بثقة
تستعجل مضيَّها إلى البحر كي لا تعود؟
ألا ترى، في الصالة العظمى
أن المرآة الفضّية تعكس
الشعيرات الشائبة،
وأن الحرير الأسود في الصباح،
قد غدا أبيض كالثلج
مع الغسق؟
اسْقنا لنتحرَّر قدر ما نستطيع
كي لا ندعها فارغةً، الكأس المذهبة على ضوء القمر!
الهِبة التي منحتني السماء
لا يجب أن أُبذِّر بها.
ما إن أصرف ألف أونصة ذهب،
حتى أحصل على مثلها.
لنطبخ خرافاً، لنُضحِّي بالعجول ولنستمتع!
لننتعش بثلاثمئة كأس بجلسة واحدة.
هيا أيها المعلم كين، وأنت يا صاحبي دان كيو،
لا تتركا كأسَيكما ولو للحظة.
سأغنّي لكما أغنية
ولتصغيا إليَّ
لا تعنيني هذه الصنوج
ولا الطبول ولا هذه الولائم الفاخرة،
لا أطمح لغير سكرةٍ أبدية.
كلُّ قدّيسي وحكماء الماضي عاشوا في عزلة،
شاربو الأقداح فقط مَن احتفظ بالشهرة.
الأمير شين استغلَّ وقته جيداً:
في قصر السلام والمتع
انطلق بحفلات مجون مع ذويه
إذ لم يُطفئ ظمأهم غير الشراب الرائق.
الآن أطلبُ منك أيها الساقي،
لماذا تقول إنْ ليس بحوزتنا المال الكافي؟
تعال يا فتى واجلبْ حالاً
فَرَسي الأشهب
وجبَّتي المطرَّزة بمئة قطعة ذهبية.
ارهنْها بالخمرة الرائعة
التي أصبُّها في كؤوسكم
لكي نُبذِّر سوية أحزان ألف عام.
مع ناسك في صومعة عند الجبل
محاطَين بالأزهار المتفتِّحة
شربنا، وجهاً لوجه،
القدح تلو الآخر.
لتنسحبْ حالاً،
فقد هدَّني السُّكر
وأرغب بالنوم.
إذا شئتَ، عُدْ غداً
واجلبْ معك قيثارك.
لوحدي
منتشياً بالخمرة،
لم أنتبه إلى الغسق،
حتى غطت بتلاتُ الوردِ
جبَّتي المجعَّدة.
ثملاً، أنهض وأعود
منقاداً لضوء قمر الجدول،
بلا طيور ولا بشر يرافقونني.
أمام قدح نبيذ
نبيذ عنب... قدح ذهبي...
فتاة في الخامسة عشرة من ويو
تصل على فرس هائج.
حاجباها مرسومان بالأسود،
وزوجا حذائها من الساتان الأحمر.
تتحدَّث بلكنة أجنبية
لكنها تغنّي بصوت يُدغدغ.
في الحفل المدهش،
تثمل بين ذراعَي صاحبي.
وتحت مظلَّة بلون الزهر،
صاحبي المذهول لا يعرف ما عليه أن يفعل.
برفقة صحبي
لكي نهرب من أحزان العالم الأبدية
نلجأ إلى الشرب، رفقة مئات الجرار.
الليلة البهيّة تدعونا لحوارات حميمة،
والقمر اللامع يسرق منا النوم.
ثمالى، نضطجعُ في الجبل الأجرد.
السماء لحافنا
والتراب وسادنا.
بكائية لـ جي الخمّار الطيّب
في العالم الآخر، العجوز جي
مستمرٌّ بتخمير نبيذه.
لكن لمنْ سيبيعه
إن لم يكن بجواره لي بو؟

 

 

«الغاوون»، العدد 48، 10 أيّار 2012

 


 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads