الرئيسية » » ممر التوحد | أشرف الجمال

ممر التوحد | أشرف الجمال

Written By هشام الصباحي on السبت، 9 أغسطس 2014 | أغسطس 09, 2014

ممر التوحد
( من ديوان ممر ضيق لفرار القطيع )
 
 
(1)
 
لماذا تسقط الأمطار
لتنبت الزهور في وحشة الشعاب
أم لتلفظ الأفراخ أنفاسها
لتنعم الأيائل بنشوة النزق
حول الينابيع
أم لتموت صغار القردة في الغابات
معلقة بين الغصون
من الذي سيتأمل الأشجار
في وميض البروق
الشعراء خلف زجاج النوافذ
أم الثور الذي يجر الساقية ..
 
من هنا ..
ستعبر شاحنات العبيد إلى المناجم
من هنا ..
ستهرول كَلبة تحمل جروا صغيرا بين فكيها
باحثة عن مأوى
ومن هنا أيضا
سيمر عاشقان يختبئان
تحت جاكتٍ واحد
 
أنا مثل هؤلاء جميعا
أسير تحت المطر
لكن ..
وحدي ..
 
أنظر إلى حذائي على الأرصفة
ولا أنظر إلى السماء
أحدق في قلبي
ولا أراقب الشجر
أدخن .. ولا أعبأ بوجه امرأة
يلمع حنانه تحت ضوء السيارات
أقول قصيدة لقلبي
وأنا أعرف أنه لا يسمعها
تفتح روحي شباكا
حين تنحني المرأة .. لتلقط حقيبتها
لكنني أغلقه
أقرأ حنان نهدين
في حمامتين تتبادلان القُبل
وغربة أرملة
في عيون مشربية
أراود نخلة بعيدة
عن سراب عجوزٍ تحمل مخلاة
على ظهرها
مصغيا
لصوت كروان يئن ...
خلف الضباب .
 
 
(2)
 
تسير العاصفة وراء نداء الأشجار
يسير المجذوب وراء قلبه
والنهر وراء امرأة
يعشقها صياد
وكحجر ملقى في بطن الوادي
يحط عليه الجراد
بمحض الصدفة
ساكنا ..
لا أسير ..
وراء حلم يجرني كالكفيف
إلى مقعد على البحر
أو يغوي حدائق الورد
بزيارة إلى روحي
يحفر بقلبي نفقا
تمر منه الأناشيد
إلى عزلة الريحان
يلقي بي كطفل
إلى أحضان نسوة
يبكين أمام المدافن
أتعلق بذيل إحداهن
وأهرول وراءها كقارب
تتقاذفه الأمواج
إلى شاطئ أمومة منسية
تخطفني بصفاء عينيها
بنكهة أشجار الليمون
برائحة جسدها المتوهج
كصيف يغمر لبلابة
على سور قلعة مهجورة
تعبر بي الوديان والمراعي
وتضعني على أول الجسر المؤدي
لأحضانها
ومن ورائه الوطن
وتهمس لي : أن اعبر
لكنني لا أقدر أن ..
 
أسير .
 
 
 
(3)
 
القطار
كل شيء يفر ..
كل شيء يموت ..
 
نداءات الباعة في العربة المجاورة
صرير العجلات
البيوت التي تسافر خلف الزجاج
وتختبئ في روحي
نباح جرو صغير على الجانب البعيد
كأنما يشاجر وطنا
أو ينعى وجوهنا الهاربة
النظرة الحانية
لفتاة جلست على مسافة بعيدة
في مقعد مواجه
وقلبها إلى جوار قلبي
المدن التي شيدتها في ملامحها
لتشبه ميرتا
ثم  قوضتها في دخان سيجارة
وكتاب عقيم يقرأ وجهي
الحشائش التي استطالت حول القضبان
زاحفة نحو سنواتي
والأجيال التي ترحل جيلا وراء جيل
على المقاعد ذاتها
في لعبة لتبادل المصائر
 
أنا واحد من هذه القوارب القديمة
الملقاة على الشط
بعد أن هجرها أصحابها
هكذا همست لي روحها
وهي ترتكز فوق ذراعيها
على النافذة
مغمضة العينين
بينما يفر الحنان الهارب من هدبيها
زاحفا نحوي
فتنشر على وجهي رائحة البحر
منطلقة كشراع مضيء
في ظلمة الموج
كصدفة ساربة إلى قلب القاع
لم أكن أرغب آنذاك في تذكر ميرتا
وددت لو لم أكن قد رأيتها
لو لم أحبها كل هذي المحبة
 
التقطت من النافذة مدينة
أسير فيها عاريا
أنا وامرأة سماوية
من وحي يدي .. خلقت مفاتنها
مارست معها الجنس والمحبة
تحت شجرة في السماء
وفي معبد فرعوني مدثر بالبخور
وصدى ترانيم بنكهة الأبد
قبلتها ولحست جيدها ككاهن
يؤسس ديانة سرية
شعور مبهم
لا تدري إن كان سارا أم مؤلما
أن تغمض عينيك في قطار
لا تعرف إلى أين يمضي
وامرأة تضيء في روحك
كمسبحة من زمرد
في ظلام غرفة
 
فيما تنهلُّ عليك ذكرياتك
كغنّام عجوز عائدا بقطيعه
من وراء الوادي
ملتحفا بسنواته التي تشبه العاصفة
والغبار الذي خلفته الأغنام
دون أن يتوقف عن مواله
كربابة مجروحة
ناسيا خلف الرمل
شاة وحيدة .. وشاردة
لا تدري من أي ذئب ..
تفر
وأي الفجاج تجأر بها
نار السهارى
وغربة الموال .
 
*****************
 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads