الرئيسية » » أصبحت مريضا بما يكفي | أشرف الجمال

أصبحت مريضا بما يكفي | أشرف الجمال

Written By هشام الصباحي on السبت، 9 أغسطس 2014 | أغسطس 09, 2014

أصبحت مريضا بما يكفي
 
......
 
نص أعمى لامرأة مبصرة
هذا ما أردت به أن أسمي قصيدة
فكرت ذات ليلة أن أكتبها إليكِ
بعد افتراقنا بعامين تقريبا
الليل كان أسود
والأمطار لم تكن بيضاء يوما
وحين هممت بإحضار ورقة وقلم
على وميض شمعة واهنة
كانت صورتك الساجية في الدُرْج
تنظر إلى عيني بمحبة وحنان
وربما بشفقة أيضا
وتهمس لي
لقد أصبحتَ مريضا  .. بما يكفي
لم أكتب هذا النص أبدا
لأنني بالفعل
كنت مريضا بما يكفي
 
..........
 
أجلسُ في المقهى بجسد أعزل
كمحارب قديم يخبئ أسرارا عسكرية
تحت بشرته الحنطية
وعينيه الهائمتين في خواء الجبهة
أتأمل أشلاء الجند
وهزيمة وطن كان يجمعنا
تاركا لروحي أن ترحل بعيدا
روحي التي كانت تشبه الهدهد
تمر بالحقول والمواني
تقف على أغصان يتيمة لأشجار منفية
تغيب أياما .. وأحيانا شهورا
وأنا في غيبتها أمارس حياتي
جسدا كفيفا
لا يصغي لصوت الدومينو
وقرقرة النراجيل
وثرثرة الأصحاب
عن الجنس والكتابة
عن الحب والسياسة
عن إلحادهم وتدينهم
ذلك لأني أصبحت مريضا ...
بما يكفي
 
.........
 
أفكر
أن أدخل المسجد
أقف أمام محرابه الغامض
الملتزم بالصمت منذ قرون طويلة
أناجي روحا مطلقة يمكنني
أن أسميها الله
الروح الأولى
السر الغائب وراء حضور جسدي
وراء التراب والماء
الوجود والموت
الجنس والمحبة ..
تائه وغريب في وطن
لا أتحدث لغة أهله
يتيم على مائدة
ليست من صناعة أمي
أنظر إليكِ من بعيد
وأرفض أن أبكي
لم أكن مؤمنا
لم أكن كافرا
لا معتقد لي يمكن أن أسميه
ربما لأنني
أصبحت مريضا ... بما يكفي
 
...........
 
 
 
أتمدد فوق فراشي
عاريا كما ولدتني أمي
أصغي للموسيقى الهادئة
وأمواج البحر المتدفقة من النافذة
تلك عادتي في النوم
يشترط أن تكون الموسيقى بلا كلمات
وادعة وهمجية
تفاجئني دائما بارتعاشتها
تنتشلني من رتابة الطين والتراب
لجسد يقضي كل ليلة حائرا
في انتظار أن تعود روحه
لتهبط كملاك أو شبح
وتسكن عريّه
جسدي الذي .. هو ابن الأرض
ابن الزمان والمكان
ابن الشوق الجريح
والحزن المؤمن بغربته
الشعر الأسود المنتشر على صدري
يؤكد لي أنني لا زلت حيا
ولا زالت شابا
لكن مليون سنة في خضم الموسيقى
تحيلني قِردا صغيرا
يتقافز في الغابة
من غصن لغصن
يمارس الجنس والمحبة
دون قيود أو ضوابط
يلهو منتشيا مع رفاقه
يصرخ عند الشعور بالخطر
كيف مضت كل هذه السنوات
كيف أصبحتُ في غفلة من الوقت
إنسانا كهذا
يكتب الشعر
يحب ويعشق
يكفر ويؤمن
يبكي فقد رفاقه الموتى
ينام عاريا وهو يصغي للهب المدفأة
وأنغام الموسيقى
أنا لم أؤمن بنظرية داروين يوما
لم أؤمن بتطور الكائنات
عبر سلسلة طويلة من الهزائم
وفقد الأحبة
لكن ذلك حدث بالفعل
ربما لأنني
كنت مريضا بما يكفي
 
.......
 
الرجال لا يكونون نساء أبدا
ولا يمكن لأحدهم أن يجروء
أن يعترف بأمنية كهذي
يخافون أحكام الميوعة والدياثة
لا أخفيكِ علما
تمنيت ذات يوم لو كنتُ امرأة
أشاركك الحضن عند الغياب
أضع يدي على كتفك
أمسك بيدك
ونحن نتجول في شوارع المدينة
تلضمنا الذكريات والمحبة
أتقاسم معك مقعدا في قطار
أتبادل معك ثوبا قد مس جسدك
أتحسس رائحته العطوف
وهي تزحف على ظهري
تتسلق عنقي بحزنها وحنانها
أمشط شعرك
وتمشطين شعري
رغبات شاذة ومضنية كتلك
اجتاحتني مرات عديدة
رغم فتوة الرجولة
ونظرات الإعجاب للنسوة العابرات
حين تلتقي أعيننا
لقد صرت ممزقا بيني وبينك
بين الواجب والممكن
العار .. والمقدس
العمى والبصيرة
ذلك لأنني
أصبحت مريضا .... بما يكفي .
 
 
*****************
 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads