الكرنفال
يُسامرُني النِّيلُ كُلَّ مساءْ .
| |
و نَخلاتُهُ الباسِقاتُ امتِدادُ الحَكايَا .
| |
فمِن عهدِ فِرعَونَ
| |
تُرهِفُ سَمعاً ،
| |
و ليست تبُوحُ بِسِرٍّ يُقالْ .
| |
و هذي المَراكبُ تُقبلُ ،
| |
تُدبرُ ،
| |
تُسكِرُ ،
| |
تُبحِرُ ،
| |
في لُجَّةٍ من بهاءْ .
| |
يُسامِرُها قَمَرٌ..
| |
مدَّ فِي الماءِ أَشرعةً مِن لُجَينْ .
| |
و ما زلتُ أَرقُبُ موعدَهُ بينَ عُشبٍ و ماءْ .
| |
و طاوِلَةٍ قد تسوخُ قوائِمُها فِي التُّرابِ ..
| |
لتشهَد أني مَدَدتُ إليهِ يدَ الوقتِ
| |
لم يأتِ ،
| |
لم يشهدِ الكرنَفَالْ .
| |
و جاءَ شتاءٌ ،
| |
و راحَ شتاءْ .
| |
أما زلتَ تنظُرُ يا نِيلُ مثليَ فِي أَعيُنِ القادِمِينَ ،
| |
و في أَعيُنِ الرَّاحِلِينْ ؟
| |
صبوراً رأيتُكَ رغمَ ازدحامِ المدينةِ،
| |
رغمَ الضَّجيجِ ، و رغمَ العناءْ .
| |
كلانا سيجلسُ مُنتظِراً
| |
رُبَّما ..... !!!
| |
رُبَّما !!!
| |
..
| |
..
| |
لستُ أَدرِي .
| |
و لستُ أُحِسُّ سوى قسوةِ الوقتِ يمضِي ثقيلاً
| |
ثقِيلا.
| |
كلانا سينظرُ فِي وجهِ صاحبِهِ كالمرايا..
| |
طوِيلاً ، طوِيلا.
| |
هلُمَّ إذن كي تُقاسمَني قهوةَ اللَّيلِ،
| |
أَغفُو على موجةٍ حانِيهْ .
| |
أَراكَ حزِيناً ،
| |
و حزنُكَ حزنِي ،
| |
و دمعُكَ يُشعِلُ أَتراحِيَ العاتِيهْ .
| |
لأَنِّي أَعِيشُ زمانَ البَلاهَةِ ،
| |
عصرَ التَّقزُّمِ و الإنكِسارْ.
| |
يُقتِّلنا صمتُنا كُلَّ يومٍ ،
| |
و حينَ تُراقُ دِماءُ المدينةِ ..
| |
نبكِي قلِيلا.
| |
و تُغتالُ أَحلامُنا كُلَّ يومٍ ..
| |
فنبكي قليلا.
| |
و مِن ثَّم ننسَى.
| |
كأنَّّا شرِبنا كُؤوسَ البلادةِ فِي مرقصِ اللَّيلِ ..
| |
حتَّى الصَّباحْ .
| |
فيا نِيلُ لا تسأَلَنْ عَن قُروحِيَ
| |
لا تنكأِ الجُرحَ ، دَعنِي أَعِشْ لحظةَ الإنتِظَارْ .
| |
و قُم واصِلِ السَّيرَ نحوَ الخُلودْ.
| |
تظلُّ كما أَنت نبعَ العطاءِ ، و نحنُ غُثاءْ .
| |
و ما زِلتَ تشهدُ ما يعترِينَا
| |
و تبكِي لأَجلِ المدِينةِ ..
| |
ُتهرِقُ ماءكَ فِي كُلِّ عِرقٍ،
| |
تُقبِّلُ أعيُنَنا كُلَّ يومٍ ،
| |
و تزرعُ فِينا بُذورَ الإِبَاءْ .
| |
و نحنُ غُثاءْ .
| |
تُصَرِّخُ فينا " ألا فانهَضُوا "
| |
و تشحذُ همَّةَ كُلِّ سقيمٍ ،
| |
و كُلِّ خَنوعٍ ..
| |
يُولوِلُ مِن حسرةٍ كالنِّساءْ.
| |
و نحنُ غُثاءْ .
| |
أيا أيها النِّيلُ واصِل مَسيرَكَ،
| |
دَعنِي هُنا.
| |
و لا تنسَ موعدَنا كُلَّ يومٍ
| |
تَعودُ إليَّ ، فتُلقِي السَّلام .
| |
تُسامِرُنِي ثُمَّ تمضِي
| |
فيرحلُ معْ شاطئيكَ الكلام .
| |
و أَبقى وحِيداً ..
| |
وحِيداً..
| |
وحِيدا
| |
أَغُوصُ ببحرٍ مِنَ الذِّكرياتْ.
| |
أنهار لا تعرف الخوف
| |
( 1 )
| |
للنَّوارِسِ أَجنِحةٌ مِن عقِيقٍ و ماءٍ
| |
و لي دهشةُ الأُقحوانِ
| |
لكَ المجدُ تسقِيهِ مَن شِئتَ
| |
في قُلَّةٍ من فَخارٍ و طِينٍ
| |
لَهُم أَعيُنٌ مِن زجاجٍ
| |
و أَقدامُ فِيلٍ تدوسُ على حُلمِ عُصفورةٍ
| |
فتُطِلُّ بعينِ الشُّموخِ عليهم ،
| |
و تضحكُ ،
| |
تُشبِعُهُم مِن أَوانٍ مِنَ النُّورِ
| |
يكسِرُها مَن يشاءُ
| |
و يشربُ مِن أَريِها مَن يشاءُ
| |
إِلى سِدرةِ المُنتهَى .
| |
فضَّةٌ تترقرقُ
| |
أم صوتُ عبدِ الحلِيمِ
| |
يُسافِرُ كالضَّوءِ في عتمةِِ الأَمكِنهْ .
| |
و الصَّبِيُّ
| |
يُراوِدُ قُبَّرةً حلَّقت في المَدى
| |
وَقَفَت فوقَ بسمَتِكَ المُزمِنَهْ .
| |
تنفُضُ الماءَ
| |
عن رِيشِها الـ .. بلَّلتْهُ أَفاوِيقُ وَجدِكَ
| |
حينَ أَتَت تشتكِي ظُلمَهُ ،
| |
بُرتُقالتُكَ انشَطَرت ،
| |
نصفُها القلبُ
| |
ماجَ بِهِ العِشقُ ، أَرَّقَهُ
| |
فارتمَى مثلَ عُصفُورةٍ
| |
في حنايا الخِضمِّ المُسافرِ ،
| |
و النِّصفُ
| |
ما قد تبقَّى مِن الليلةِ المُحزِنهْ .
| |
( 2 )
| |
حالماً كانَ يغفُو على شاطئِ النَّخلِ
| |
يغسِلُ أَحلامَهُ بالضِّياءِ
| |
يُسبِّحُ بِسمِ الذي منحَ الماءَ سَطوتَهُ
| |
و الضِّياءَ عُرُوبتَهُ
| |
و النَّخِيلَ رُجولتَهُ
| |
يا صديقيَ
| |
منذ عرفتَ حمِيمِيَّةَ العِشقِ :
| |
هَل كُنتَ تعلمُ أنَّ وراءَ البِحارِ سفائِنَ
| |
تحمِلُ صَوبكَ سِربَ " الأَوَاكسِ "
| |
و ساعةَ نحسِ
| |
و لحظةَ بُؤسِ ؟
| |
فنِمتَ ،
| |
تماديتَ فِي الحُلمِ
| |
هل كنتَ تعلمُ أنَّ الشَّياطِينَ جاءَت
| |
لكي تسكُنَ الرَّملَ
| |
و القيظَ
| |
ليسَ لأجلِكَ ،
| |
لكنْ لتلتهمَ الحوتْ .
| |
يا صديقيَ مُنذُ قديمِ الزَّمانِ
| |
سأكتبُ فِي دفترِي جملةً واحِدهْ:
| |
" لن تموتْ "
| |
( 3 )
| |
" مِيجَنَا "
| |
تتغلغلُ أغنِيةُ النَّهرِ في أُذُنِ الطِّينِ
| |
تُوقِظُ كُلَّ السلاطينِ
| |
من غَفوةِ النَّومِ
| |
تحتَ رمادِ المَتَاهَةِ
| |
و الصَّمتِ
| |
تقرعُ أَجراسَ مُدْنِ الغَوايةِ
| |
و الكبتِ
| |
تُرهِقُ سمْعَ وَزِيرِ الدفاعِ هُناكْ .
| |
طِفلةٌ كالحمامةِ تهدِلُ
| |
فوقَ الرُّبا
| |
" أَعطِنِي النَّايَ "
| |
كي أُسمِعَ الذِّئبَ أُغنِيَتِي
| |
( غرِّدِي يَا طُيورَ السَّلامِ أَنا طِفلةٌ ...... )
| |
علَّهُ ينتهِي
| |
مِن طُقوسِ العُواءْ .
| |
علَّهُ يتَوضَّأ بالنُّورِ
| |
ثُمَّ يُجفِّفُ ما عَلَقَت فِي مخالبِهِ
| |
مِن بقايا الدِّماءْ .
| |
( 4 )
| |
غائِرٌ أَنتَ مثل جراحيَ
| |
مُمتَشِقٌ سيفَ مائِكَ
| |
مُرتكبٌ مِن ضُروبِ الشَّجاعةِ
| |
ما ليسَ فِيّْ .
| |
بيدَ أنِّي أَراكَ حَزِيناً
| |
تُداري دُموعَكَ بينَ صُخورٍ
| |
و فَيّْ .
| |
إِي و ربِّكَ ،
| |
فَكُّ إِسارِكَ أَصعَبُ
| |
أَصعَبُ
| |
من ذا الزَّمانِ العصِيّْ .
| |
سوفَ يأتِيكَ ـ مِن بعدِنا ـ
| |
من يفُكُّ قيودَكَ
| |
تصهَلُ في الأَرضِ أَفراسُهُ
| |
فتهيمُ كما أَنتَ فِي لُجَّةٍ
| |
مِن عقيقٍ و ضَّْ
| |
ثُمَّ تُطوى السَّماءُ كطَيّْ ...
|