ظنَّ الظنونَ فباتَ غيرَ موسَّدِ
ظنَّ الظنونَ فباتَ غيرَ موسَّدِ | حَيْرَانَ يَكْلأُ مُسْتَنِيرَ الْفَرْقَدِ |
تُلْوِي بِهِ الذُّكُرَاتُ حَتَّى إِنَّهُ | لَيَظَلُّ مُلْقى ً بَيْنَ أَيْدِي الْعُوَّدِ |
طَوْراً يَهُمُّ بِأَن يَزِلَّ بِنَفْسِهِ | سَرَفاً، وتاراتٍ يَمِيلُ عَلَى الْيَدِ |
فكأنَّما افترستْ بطائرِ حلمهِ | مشمولة ٌ ، أوساغَ سمَّ الأسودِ |
قالوا غداً يومَ الرَّحيل ، ومن لهم | خوفَ التفرُقِ أن أعيشَ إلى غدِ ؟ |
هى مهجة ٌ ذهبَ الهوى بشغافِها | مَعْمُودَة ٌ، إِنْ لَمْ تَمُتْ فَكَأَنْ قَدِ |
يأَهلَ ذا البيتِ الرفيعِ منارهُ | أدعوكم يا قومُ دعوة َ مقصَد |
إِنِّي فَقَدْتُ الْيَوْمَ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ | عَقْلِي، فَرُدُّوهُ عَلَيَّ لأَهْتَدِي |
أو فاستقيدونى ببعضِ قيانكم | حَتَّى ترُدَّ إِليَّ نَفْسِي، أَوْ تَدِي |
بَلْ يا أَخَا السَّيْفِ الطَّوِيلِ نِجَادُهُ | إن أنتَ لم تحمِ النَّزيلَ فأغمدِ |
هَذِي لِحَاظُ الْغِيدِ بَيْنَ شِعَابِكُمْ | فَتَكَتْ بنَا خَلْساً بِغَيْرِ مُهَنَّدِ |
مِنْ كُلِّ نَاعِمَة ِ الصِّبَا بَدَوِيَّة ٍ | رَيَّا الشَّبابِ سَلِيمَة ِ الْمُتَجَرَّدِ |
هيفاءَ إن خطرَتْ سبَتْ ، وإذا رنَتْ | سَلَبَتْ فُؤَادَ الْعَابِدِ الْمُتَشَدِّدِ |
يخفضنَ من أبصارهنَّ تختُّلاً | لِلنَّفْسِ، فِعْلَ الْقَانتَاتِ الْعُبَّدِ |
فَإِذَا أَصَبْنَ أَخَا الشَّبَابِ سَلَبْنَهُ | ورمَينَ مهجتهُ بطرفٍ أصيدِ |
وإذا لمحنَ أَخا المشيبِ قلينَهُ | وسترنَ ضاحية ِ المحاسنِ باليدِ |
فَلَئِنْ غَدَوْتُ دَرِيئَة ً لعُيُونِهَا | فلقد أفلُّ زعارة َ المتمرد |
ولقدْ شهدتُ الحربَ فى إبَّانها | وَلَبِئْسَ رَاعِي الْحَيِّ إِنْ لَمْ أَشْهَدِ |
تتقصَّفُ المرَّانَ فى حجَراتها | ويعودُ فيها السيفُ مثلَ الأَدرَد |
عصَفت بها ريحُ الرَّدى ، فتدفَّقت | بِدَمِ الْفَوَارِسِ كَالأَتِيِّ الْمُزْبِدِ |
ما زِلْتُ أَطْعَنُ بَيْنَها حَتَّى انْثَنَتْ | عَنْ مِثْلِ حَاشِيَة ِ الرِّدَاءِ الْمُجْسَدِ |
ولقد هبطتُ الغيثَ يلمعُ نورهُ | فى كلِّ وضَّاحِ الأّسرَّة ِ أغيد |
تجرى بهِ الآرامُ بينَ مناهلٍ | طَابَتْ مَوَارِدُهَا، وَظِلٍّ أَبْرَدِ |
بمضمَّرٍ أرنٍ كأنَّ سراتهُ | بَعْدَ الْحَمِيمِ سَبِيكَة ٌ مِنْ عَسْجَدِ |
خَلصَتْ لَهُ الْيُمْنَى ، وَعَمَّ ثلاثَة ً | منهُ البياضُ إلى وظيفٍ أجردِ |
فكأنما انتزعَ الأصيلَ رداءهُ | سَلَباً، وَخَاضَ مِنَ الضُّحَى في مَوْرِدِ |
زَجِلٌ يُرَدِّدُ فِي اللَّهَاة ِ صَهِيلَهُ | رَفْعاً كَزَمْزَمَة ِ الْحَبِيِّ الْمُرْعِدِ |
متلفتاً عن جانبيهِ ، يهزهُ | مرحُ الصِّبا كالشاربِ المتغرِّدِ |
فإذا ثنيتَ لهُ العنانَ وجدتهُ | يَمْطُو كَسِيدِ الرَّدْهَة ِ الْمُتَوَرِّدِ |
وإذا أطعتَ لهُ العنانَ رأيتهُ | يَطْوِي الْمَهَامِهَ فَدْفَداً فِي فَدْفَدِ |
يكفيكَ منهُ إذا أحسَّ بنبأة ٍ | شدٌّ كمعمعة ِ الأَباءِ الموقدِ |
صلبُ السنابكِ لا يمرُ بجلمدٍ | فى الشَّدِّ إلاَّ رضَّ فيهِ بجلمدِ |
نِعْمَ الْعَتَادُ إِذَا الشِّفَاهُ تَقَلَّصَتْ | يومَ الكريهة ِ فى العجاجِ الأربدِ |
ولقدْ شربتُ الخمرَ بينَ غطارفٍ | شُمِّ الْمَعَاطِسِ كَالْغُصُونِ الْمُيَّدِ |
يَتَلاَعَبُونَ عَلَى الْكُئُوسِ إِذا جَرَتْ | لَعِباً يَرُوحُ الْجِدُّ فِيهِ وَيَغْتَدِي |
لاَ يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ ما أَمَرَ الْهَوَى | فكلامهُم كالروض مصقولٌ ندى |
من كلِّ وضَّاحِ الجبينِ كأنَّهُ | قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ لَيْلٍ أَسْوَدِ |
بَلْ رُبَّ غَانِيَة ٍ طَرَقْتُ خِبَاءَهَا | والنجمُ يطرفُ عن لواحظِ أرمدِ |
قَالَتْ وَقَدْ نَظَرَتْ إِلَيَّ: فَضَحْتَنِي | فَارْجِعْ لِشَأْنِكَ فَالرِّجالُ بِمَرْصَدِ |
فمسحتها حتَّى اطمأنَّ فؤادها | وَنَفَيْتُ رَوْعَتَهَا بِرَأْيٍ مُحْصَدِ |
وَخَرَجْتُ أَخْتَرِقُ الصُّفُوفَ مِنَ الْعِدَا | متلثِّماً والسيفُ يلمعُ فى يدى |
فَلَنِعْمَ ذَاكَ الْعَيْشُ لَوْ لَمْ يَنْقَضِ | وَلَنِعْمَ هَذَا الْعَيْشُ إِنْ لَمْ يَنْفَدِ |
يرجو الفتى فى الدهر طولَ حياتهِ | ونَعِيمِهِ، والْمَرْءُ غَيْرُ مُخَلَّدِ |