الرئيسية » » الإنسان ـ الأرض ، جنون الصُّولجان! | أنشودة الحياة | صبرى يوسف | كتاب الشعر | العدد الواحد والخمسون

الإنسان ـ الأرض ، جنون الصُّولجان! | أنشودة الحياة | صبرى يوسف | كتاب الشعر | العدد الواحد والخمسون

Written By غير معرف on الخميس، 13 يونيو 2013 | يونيو 13, 2013

أنشودة الحياة*
الجّزء الثَّالث
[نصّ مفتوح] 
الإنسان ـ الأرض ، جنون الصُّولجان!




.... .... .... .... ......
حزنٌ مكعَّبُ الأطْرَافِ 
يَشْطَحُ صَوْبَ خُصُوْبَةِ الروحِ
حُزْنٌ كَطَعْمِ التُّرياقِ 
أكْثَرَ مرارةً مِنَ الْعَلْقَمِ
عيونٌ تتورَّمُ بؤساً
     جحوظاً 
          غيظاً

الإنسانُ ومضةُ حزنٍ 
وخزةُ عارٍ في صنعِ المعارك

الأرضُ سهولٌ ممتدّة 
تستقبلُ أوجاعَ الضَّمير
تلملمُ شيخوخةَ هذا الزَّمان
صامدةٌ 
غير قلقة من جموحِ البشرِ 
     من غليانِ الكائنِ الحيِّ
     من جراحِ المحبّةِ
     من قدومِ الطُّوفانِ!

الإنسانُ مشروعٌ فاشلٌ 
     في محرابِ الحياةِ

تائهٌ خلفَ لذائذٍ من سراب
غير مبالٍ بأرخبيلِ المحبّة

جلَّ تفكيره متمحورٌ 
     حولَ غريزةِ الفناءِ
يرمي قنابلَهُ على شفاهِ الكونِ

نسى أنَّ رحلتَهُ في الحياةِ آنيّة
نسى أنَّ رحلةَ العمرِ 
     هي بناءُ جيلٍ مسالمٍ 
     مشبَّعٍ بالخيرِ والوفاءِ
الأرضُ عروسُ البحارِ
     عروسُ اللَّيلِ والنَّهارِ
الأرضُ مرصَّعةٌ برداءِ الرَّبيعِ 
     باخضرارِ الصَّباحِ
     بخصوبةِ السَّلامِ كلّ مساء

الإنسانُ كتلةٌ نافرةٌ 
     شرفةٌ مؤرّقة بالضَّجرِ
متعطِّشةٌ لرشرشةِ وجهِ الدُّنيا
     بالسَّوادِ

دموعي تلتقي معَ رذاذِ اللَّيلِ
حزني يضاهي تخومَ المراراتِ  
يقارعُ سماءَ الحلقِ
يصبُّ في تقعُّراتِ الحلمِ

حزني اخطبوطيُّ الانشطارِ
يحرقُ تفاصيلَ الذَّاكرة الموغلة 
     في شواطئِ الطُّفولةِ
يدمي شهقةَ البراءةِ 
     القابعة في المساءاتِ البعيدة  
لم أنهضْ من فراشي صباحَ العيدِ  
حزنٌ مخيفٌ كأنيابِ التَّماسيحِ
     يسمِّمُ شفافيةَ رؤاي!

الأرضُ تلملمُ جراحي 
تسقي غليلَ الشَّوقِ 
تهدِّئُ اصطراعَ القلبِ 
     من وجعِ الأيّامِ

وحدُهَا الأرضُ 
تداعبُ لُجّةَ الأحلامِ 
أنيسةُ الفؤادِ
تفرشُ بساطَ الأمانِ
     لأعشابِ الرُّوحِ

الإنسانُ كرتونٌ غير مقوَّى
يتنطَّحُ لمجابهةِ جبروتِ الطَّبـيعةِ
     لكسرِ أغصانِ الطُّفولةِ
يتهاوى فوقَ انجرافِ السُّيولِ 
مهرولاً نحو دكنةِ اللَّيلِ 

يتشرَّبُ بشراهةٍ جموحَ الجَّسدِ 
     نحوَ عوالمِ الفسادِ

الإنسانُ دهاليزٌ سوداء 
     مرتَّقةٌ بحبلِ الغرائزِ
     جنونٌ حتَّى النِّخاعِ

آهٍ .. صداعٌ متطاولُ الأوجاعِ
يلازمني في كلِّ حينٍ
    كأنّهُ محشوٌ بالأشواكِ  

وجعٌ عندَ الصَّباحِ 
     عندَ منتصفِ الظَّهيرةِ 
     قبلَ حلولِ الظَّلامِ 
     عندَ المساءِ 

وجعٌ 
     حتّى
          بزوغِ 
               الشَّفقِ

أينَ المفرّ 
     من مضاعفاتِ الصُّداعِ؟

الأرضُ تمتصُّ أوجاعَ البشرِ
تهدِّئُ بحنانٍ 
     أمواجَ البحارِ

تغازلُ نجومَ اللَّيلِ
تفتحُ صدرَها بكرمٍ 
     لكلِّ الكائناتِ

الأرضُ صديقةُ الورودِ
     صديقةُ الرِّيحِ واليمامِ
الأرضُ بستانُ محبّة 
حضنُكِ يا أرض 
     ولا كلَّ الأحضانِ!

الإنسانُ صديقُ الكائناتِ الشَّائكة 
ينحو منحى الافتراسِ 
بعيدٌ عَنْ أواصرِ المسرَّةِ
رحلةُ بكاءٍ موشومة على صدرِ اللَّيلِ
الأرضُ شهقةُ طفلٍ 
     مبلَّلٍ بالخيرِ 

مخاضُ أنثى حُبلى بماءِ الحياةِ
     بسمةُ وليدٍ 
          في صباحٍ باكرٍ

الإنسانُ .. 
     إلى أين؟!
آهٍ .. هجرَ إنسانيّتَهُ
هجرَ براءةَ الطُّفولةِ 
ماتَتْ توهُّجاتُ القلبِ
فرَّتِ الرُّوحُ 
     عابرةً دكنةَ اللَّيلِ 
متواريةً بينَ طيّاتِ الغيومِ
تعودُ هاطلةً 
     معَ  زخّاتِ المطرِ

الأرضُ مهدُ اللِّقاءاتِ
لقاءُ الأرضِ معَ شفافيّةِ الهواءِ
     معَ خيراتِ السَّماءِ
الأرضُ نعيمٌ مكتنـزٌ بالخصوبةِ
بستانٌ مطرَّزٌ بالذَّهبِ 
بحارٌ حُبْلى 
     بالمرجانِ واللُّؤلؤِ 

الأرضُ أمُّ المحبّة ..

الإنسانُ كائنٌ غير آمن
يترنَّحُ خبثاً 
تسطعُ من جنباتِه 
       معاهداتٌ فائرةٌ بالدمِ 

يكسرُ أجنحةَ الحمامِ
     أجنحةَ الطُّفولةِ 
     براعمَ الحياةِ

الإنسانُ أنانيّةٌ بغيضةٌ 
بحيرةُ المتاهاتِ
طاؤوسٌ أهوجٌ
جوعٌ يجنحُ نحوَ جوعِ الضِّباعِ

الأرضُ أمٌّ مباركةٌ 
اضمامةُ حبٍّ 
صامدةٌ في وجهِ الأعاصيرِ 
     في وجهِ شرورِ الإنسانِ 

سفينةٌ شامخةٌ 
تقودُكَ إلى برِّ الأمانِ
متسامحةٌ 
معبَّقةٌ بأعشابِ الحنينِ 
غزيرةُ العطاءِ
جليلةٌ 
ممهورةٌ بحبَّاتِ الحنطةِ  
فوقَ وجهِهَا 
تركنُ خصوبةُ الوجودِ

الإنسانُ طاقةٌ مهدورةٌ 
مُسخَّرةٌ لبناءِ هيكلِ الشَّيطانِ
طريقٌ مطلسمةٌ بشوكِ الصّبّارِ
وجعٌ يؤذي بهجةَ المحبّين 
ورمٌ ينمو ليلَ نهار

الأرضُ بحيرةٌ مكلَّلةٌ بالورودِ
مشبَّعةٌ بنكهةِ الأعشابِ النَّديّة
     برحيقِ البيلسانِ!

كوكبٌ منبعثٌ من وهجِ الآلهة
     مرتكزٌ على شهيقِ السَّماءِ
ينضحُ ببخورِ الوئامِ 

الإنسانُ بؤرةُ فسادٍ
ثورٌ فاسقٌ 
يُشْبِعُ بوهيميتَهُ الشَّرهةِ 
     تحتَ قميصِ اللَّيلِ
غير مبالٍ بنقاوةِ الصَّباحِ
     ولا بجنوحِ الأجيالِ

أجيالٌ في طريقهِم 
     إلى ظلالِ الشَّيطانِ
هل ثمَّة شيطانٌ 
     أكثرَ شرَّاً 
          مِنَ الإنسانِ؟!

الأرضُ قبلةُ المحبّين 
     في صباحِ العيدِ
هبةُ الآلهة لإنسانِ الخيرِ 
قناديلٌ مضيئةٌ بألقِ السَّماءِ 

واأسفاه! 
هجرَ الإنسانُ رضابَ الخيرِ
الأرضُ تحميهِ من لُجّةِ الحماقاتِ
     من هاوياتِ الانحدارِ
كيفَ تتحمَّلُ الأرضُ زيغَ الإنسانِ
     نحوَ جنونِ الصَّولجانِ؟
     
الإنسانُ شجرةٌ عاقرةٌ 
وجعٌ في سماءِ الرُّوحِ
مثلّثٌ سفيهُ الأضلاعِ 
تتشرشرُ من زواياهُ البلاداتِ

صراعٌ أبديٌّ ينتهي بالانهزامِ
هزائمٌ مضرّجةٌ بالعارِ
الإنسانُ رحلةُ بكاءٍ 
     على أكتافِ الجِّنِّ!
الأرضُ كهفٌ آمنٌ 
     لدبيبِ الأرضِ
خصوبةٌ وارفةٌ 
تنعشُ جذورَ النَّباتِ
تنعشُ قلوبَ الأحبّةِ 
     قلوبَ الأمَّهاتِ
تغدقُ خيراتَهَا 
     على بهائمِ الكونِ
على الأخيارِ 
     والأشرارِ

الأرضُ صديقةُ الهواءِ
صديقةُ اللَّيلِ
صديقةُ البحارِ
أمُّ المروجِ 
حلمٌ معرَّشٌ بالاخضرارِ!

أتوقُ إلى مياهِ نبعٍ صافٍ 
أستحمُّ فيهِ 
أطهِّرُ جسدي من غوغائيَّاتِ السِّنينِ
     من ضجرِ اللَّيالي
مَنْ يستطيعُ أَنْ يوقفَ 
     زحفَ العفوناتِ المنبثقةِ 
     من حوصلةِ هذا الزَّمان؟

مَنْ يستطيعُ أن ينقذَ باقاتِ الحنطةِ
المتنافرةِ من قبضةِ الإنسان؟ ..

قبضةٌ متراخيةٌ
مهزومةٌ من أشعَّةِ الخيرِ 
     من عدالةِ الشَّمسِ 
     من وجهِ الشَّفقِ!

نضجَتْ سهولُ القمحِ 
الممتدّة على مدى البصرِ 
تنتظرُ المناجلَ ..
يسربلُني الاندهاش 
هلْ ماتَ الحصّادونَ؟

لماذا فرَّتِ العصافيرُ بعيداً 
     عن أكوامِ الحنطةِ؟

معادلاتٌ خرقاء 
     غير قابلة للفهمِ 
تندلقُ من صدغِ الإنسانِ

حيرةٌ غريبةٌ تسربلُ أفكاري
تعبرُ أحلامي 
تبعثرُ خيوطَ فرحي
حيرةٌ تجتاحُني كعتمةِ البراري

ينتابُني عطشٌ أزلي إلى عالمِ السموِّ ..
عالمٌ يسمو فوقَ اعوجاجاتِ الإنسانِ

حياةٌ فاقعةٌ تجتاحُ الكونَ
غير جديرة بمغامرةِ العيشِ

الأرضُ أختُ النُّجومِ 
أختُ اللَّيلِ والنَّهارِ 
ابنةُ الشَّمسِ المدلَّلة
صديقةُ القمرِ 

الأرضُ عاشقةٌ فاضلةٌ لا تنامُ
تحرسُ الكائنات من غضبِ البحارِ
     من غليانِ الحيتانِ في قاعِ المحيطاتِ
تغمرنُي كآباتٌ 
     من لونِ الاصفرارِ
كآباتٌ هائجةٌ
     كمياهِ نهرِ دجلة 
          في أوجِ اهتياجِهِ 

حزنٌ في قلوبِ الأمَّهاتِ الثّكالى
يهيمنُ على أغصانِ اللَّيلِ
     على سفوحِ الجِّبالِ
     على أخاديدَ الجَّسدِ

حزنٌ من وجعِ الجِّراحِ
يزدادُ توغُّلاً في تجاعيدَ الحلمِ

الإنسانُ مبدعُ أبجدياتِ الأحزانِ
قائدُ بحيراتِ الألمِ
صانعُ فجائع موغلة في الشَّقاءِ
جرحٌ أعمق من جراحِ المجرّاتِ
يستوطنُ شهيقَ الرُّوحِ
الإنسانُ تاريخُ الغرائبِ
غامضٌ غموض العجائبِ 
رحلةٌ طائشةٌ في وادي الضّياعِ

تقرعُ جذوعُهُ بحماقةٍ 
     طُبُولَ الحروبِ
من أجلِ استمراريّةِ 
     جَشَعِ الصَّولجانِ

الأرضُ ضمَّتْ إلى أحضانِها 
     عظامَ القدِّيسين
     عظامَ النَّصّابين
     عظامَ الأنبياءِ
     عظامَ المؤمنين
     عظامَ أشرارِ العالم!

الأرضُ 
     مهدُ 
          البركاتِ 
مدرسةُ الخيرِ 
قداسةُ القداساتِ!
الإنسانُ بناءٌ مهشَّمٌ 
شعارٌ من رملٍ    
موشورٌ غير أليف
     معَ غضاريفَ الكونِ 

حضارةٌ متلألئةٌ بالتِّيهِ  
تتلاشى سريعاً 
     عبرَ موجاتِ جنونِ الصَّولجانِ

قحطٌ أخلاقيّ يمتصُ شهيقَ البشرِ 
يرميهم على قارعةِ الطُّرقاتِ
     على امتدادِ القارّاتِ

الأرضُ ينابيعُ فرحٍ في كلِّ آنٍ
أمطارُ الدُّنيا تهطلُ 
     على جباهِ الأرضِ
     على أكتافِ الأرضِ

تعانقُ المحيطاتُ خيراتِ الأرضِ 
     عناقاً سرمديّاً
تغسلُ جبهةَ الأرضِ بماءٍ مقدّسٍ 
الأرضُ والبحارُ 
     توأمان متعانقان
          على امتدادِ الحياةِ

الإنسانُ جموحٌ أهوجٌ
متعطِّشٌ لشقاءِ أخيهِ الإنسان

آهٍ .. 
وجعٌ ينتظرنُي كلَّ مساء

تَبَعْثَرَ حلمي بينَ ركامِ الآهاتِ ..
آهاتٌ مدغومةٌ بلهيبِ الآفاتِ!

أينَ المفرُّ من موبقاتِ الإنسانِ
     من شراراتِ جنونِ الصَّولجان؟

وجهٌ مدبَّقٌ بالهُراءِ 
مهترئُ الرُّؤيةِ 
هواياته مرتكزةٌ 
     على سيولٍ مجبولةٍ 
          بالترُّهاتِ!
تجري في شرايينِه عُصيّاتُ الملاريا
يصبُّ عُصيَّاته البغيضة 
     على أسوارِ البساتينِ
     على وهجِ النُّجومِ
     على بتلاتِ الزُّهورِ

وجهٌ مكسوٌ بالخطايا
تسطعُ من عينيهِ 
     كلّ أنواعِ الشُّرورِ
     كلّ أنواعِ الهمومِ
     كلّ أنواعِ الفسادِ
   
الإنسانُ سببُ كلّ البلايا
     مصدرُ كلّ الخطايا
لم يترُكْ رقعةً من جغرافيّةِ الكونِ 
     إلا دشَّنها بالشَّظايا

الأرضُ حُبلى بالبراءةِ
تنمو فوقَ تلالِها أغصانُ الزيتونِ
ترفرفُ فوقَ سهولِها الفسيحة 
     أسرابُ الحمائمِ
الأرضُ مكحَّلةٌ بالوئامِ
تستقبلُ دفءَ الشَّمسِ 
     كلَّ صباحٍ
وعندَ المساءِ تغطّي جسدَها 
     بلحافِ اللَّيلِ 
تناجي ابتساماتِ النُّجوم
تغازلُ ضياءَ القمرِ

الأرضُ عاشقةُ الحبِّ والوفاءِ
أختُ الغيومِ 
تقبِّلُ كلّ يومٍ قبّةَ السَّماءِ!

الإنسانُ بحرٌ مِنَ الهمومِ
حماقاتٌ هوجاءٌ تتوالدُ من فكّيهِ 
     ليلَ نهار 

لا يتَّعظُ من ملايينِ التَّجاربِ 
     من ملايينَ الحكماءِ
يسخِّرُ علومَ الحياةِ لجشاعتِهِ 
     لقهرِ ملايينِ البشرِ 

لا يتوانى ثانيةً واحدةً
     عن خلخلةِ نداءِ الطُّفولةِ
يقترفُ المعاصي بطريقةٍ بوهيميّة
يريدُ إعادةَ مجدَ الظُّلماتِ

تطوُّرٌ انزلاقيٌّ نحوَ حوضِ الخياناتِ
انحرافٌ لا يُصَدَّق نحوَ شرائعِ الغابِ
مَنْ يستطيعُ أَنْ يعيدَ توازنَ الرُّوحِ 
     في أصقاعِ المعمورةِ؟ 

الأرضُ بهجةُ الحياةِ 
فرحُ الفلاحِ وهو يملأُ سلالَهُ بالتِّينِ
شوقُ الأطفالِ إلى بساتينَ العنبِ 
عناقُ المحبّينَ في ليلةٍ مقمرة 

الأرضُ صديقةُ الزَّمانِ .. 
     مركزُ المكانِ 
مهجةُ الشَّمسِ في أعماقِ السَّماءِ
برارةُ القدِّيسينَ أثناءَ الصَّلاةِ
وهجُ الشُّعراءِ في حالاتِ التَّجلّي
الأرضُ قمَّةُ الاخلاصِ
الإنسانُ وكرُ الخياناتِ
بئرٌ عميقُ المكرِ 
تركنُ في قاعِهِ مهمازُ المراراتِ

آهٍ .. 
تيبَّسَتْ أغصانُ الرُّوحِ 

القلبُ يناجي زرقةَ السَّماءِ
  
هجرَ طيورُ السُّنونو 
     من غيرِ رجعةٍ 
وحطَّ البومُ 
     فوقَ أكوامِ الخرائبِ

انحدارٌ مخيفٌ 
     نحوَ دنيا الغرائزِ

عطشٌ لا يرتوي 
     تغلغلَ في مخيخِ الإنسانِ
جوعٌ غير قابل للإشباعِ
تأصَّلَ في أعصابِ النِّخاعِ
ماتَتْ قيمُ قرونٍ من الزًّمانِ
براكينٌ فائرةٌ  
تغلي في صدورِ البشرِ 

مَنْ يستَطيعُ أنْ ينقذَ الإنسانَ
     من ضجرِ الحصارِ؟
     من هولِ النِّهاياتِ؟
نهاياتٌ ملتهبةٌ بالشَّقاءِ

الأرضُ مسرحُ الإنسانِ 
ستارٌ 
يسترُ عوراتِ ملايينِ الطُّغاةِ
دواءٌ شافٍ لكلّ المنحرفين 
     عن دربِ الحياةِ  

الإنسانُ غيرُ قادرٍ على قيادةِ نفسِهِ 
كيفَ سيقودُ ملايينَ البشرِ؟

خياناتٌ على قدمٍ وساقٍ
ضجرٌ ينمو كلَّ يومٍ 
     في سماءِ الرُّوحِ 
بدايةُ ألفيتنا الثَّالثة 
     حُبلى بالفجائعِ
تجنحُ نحوَ بناءِ عصرٍ جديدٍ 
     تخيِّمُ عليهِ شفيرُ الكآباتِ!

آهٍ .. إلى متى سنكابدُ الكآباتِ؟

الأرضُ مهدُ البركاتِ
     مهدُ الخصوبةِ والحياةِ 
عطاءٌ خيِّرٌ من حجمِ البحارِ
كنوزُ الدُّنيا وُلِدَتْ 
     من رحمِ الأرضِ
من أصالةِ أجوافها الخيِّراتِ 

الإنسانُ رحلةٌ مُشَرْشَرَةٌ بالعذابِ
يغيظُهُ أَنْ ينبعثَ الفرحُ 
     في أركانِ الحياةِ

رؤى مجوَّفة بالقيرِ .. 
خارجة عن أبجدياتِ هذا الزمان
كأنَّها متأتِّية من عصورِ الحجرِ
رؤى بغيضة 
مهترئة 
     في غايةِ الخباثةِ  
تشرَّبَتْ 
     بنجاساتِ عهودِ الانحطاطِ

الأرضُ كتلةُ فرحٍ 
خطوةُ انبهارٍ 
     نحوَ صفاءِ السَّماءِ
كنوزٌ من ذهبٍ 
غافيةٌ في قاعِ البحارِ

الإنسانُ صفقةُ حزنٍ 
     في دنيا الشَّقاءِ

آهٍ .. قهرٌ مؤلمٌ ينبتُ يوميّاً
     في أركانِ المعمورةِ 
 يدوسُ فوقَ رقابِ 
     براعمِ هذا الكون 

أيُّ قهرٍ هذا الّذي أراهُ؟
مَنْ يستطيعُ أَنْ يكسرَ 
     كوعَ الصَّولجانِ؟

أن يخفِّفَ ولو قليلاً 
من لظى النِّيرانِ الزَّاحفةِ 
      حولَ غلاصمِ الرُّوحِ

أيُّها الشُّرفاء المبعثرون 
     في أنحاءِ العالمِ  
ها قد آنَ الأوان
أنْ تثوروا 
     ضدَّ جنونَ الصَّولجانِ

إلى متى ستقودُ مجموعةٌ من الحمقى 
          هذا الزَّمان؟ 
إلى متى ستسقي أجسادُ الأطفالِ
     عطشَ الصَّولجانِ؟

تبَّاً لكم يا أصحابَ الصَّولجان
كيفَ تداعبون أطفالَكم 
     بأياديكم الخشنة؟ 
أياديكم المعفَّرة بالويلاتِ
أياديكم المهووسة للدمّ 
طعنْتُم برماحِكُم المسمومة 
     أطفالَ الجِّوارِ ..

ترفعونَ شعارَ السَّلامِ
ومنكُمُ تنبعُ أبشعَ الموبقاتِ

كيفَ تنامونَ اللَّيلَ
وأيديكُمُ 
تسطعُ بدماءِ الأطفالِ؟

ماتَ السَّلامُ قبلَ الأوانِ
ما كنتُ أصدِّق أبداً 
أن ينبثقَ من رؤاكم سلامٌ

ما كنتُ أصدِّقُ أبداً 
أَنْ يسطعَ من قلوبِكُم سلامٌ
لكنّي كنتُ أواسي نفسي 
هامساً لروحي الحزينة 
ربَّما اهتدوا طريقَ السَّلامِ
سلامُكُم مقصوصُ الأجنحةِ  
جثّةٌ هامدةٌ 
سلامُكُم ميّتٌ 
وُلِدَ بطريقةٍ مفتعلة 
ولادةً قيصريّة 
تبعاتها 
     أكثرَ خساسةً من النِّفاقِ

سلامُكُم ينفثُ سمَّاً 
     على جباهِ الأطفالِ
أينَ عهودُكم 
     التي قطعتمونَها لأطفالِكُم؟
هل كنتم 
     توقِّعونَ مواثيقَكُم 
          وأنتم سُكارى؟

تطوُّر غريبٌ ومريبٌ 
آلافٌ اللِّقاءاتِ 
آلافُ المؤتمراتِ
آلافُ المواعيدِ 
دولٌ عظمى شهودُ عيانٍ ..
فجأةً تعودونَ 
     إلى شخصيَّتِكُم المجصَّصةِ بالاسفلتِ
تحرقونَ توجُّهاتِكُم 
غير مُبالين بالرُّعبِ المخيّمِ على أطفالِكُم 
     وعلى أطفالِ الجِّوارِ
غير مبالينَ بعالمِ البراءةِ
عفواً نسيتُ أنَّكم نسيتم انسانيَّتَكُم 
جلّ تفكيركم تقولبَ  
     في جنونِ الصَّولجانِ!

ورمٌ خبيثٌ تفشَّى في موشورِ رؤاكُم
سلامُكُم قنبلةٌ موقوتة 
تنفجرُ في أيِّ حين
سلامُكُم نكتةٌ سمجة 
على شاكلةِ الضّحكِ على الذُّقونِ!

سلامُكُم يشبهُ نفيرَ زئيرِكُم
     يشبهُ صهيلَ جنونِكُم
     يشبهُ سمومَكُم المتطايرة 
          من جوفِ طائراتِكُم
سلامُكُم يصبَّ في قاعِ الجَّحيمِ
أنا القائل: 
"السَّلامُ أعمق من البحارِ"

كنتُ أعلمُ أنْ سلاماً أجوفاً 
     كسلامِكُم لا يدومُ

"السلامُ ليسَ ميثاقاً على الورقِ
السلامُ ودادٌ متبادلٌ بينَ البشرِ"

هذا إذا كانَ في دمائِكُم 
    دماءُ البشرِ
إذا كانَتْ رؤاكم 
     تنحو منحى البشرِ!
  
لا يعطي سلاماً 
إلا مَنْ تشرَّبَ حيثياتِ السَّلامِ 
إلا مَنْ عشقَ الإنسان
     مَنْ عشقَ الطُّفولة

أمّا أنتم يا أيُّها المجانين ..
مجانينَ العالمِ أفضلَ منكم 
هل سمعتم في تاريخِكم 
     أحدَ مجانينَ العالم
     قتلَ أطفالاً بأسلحةٍ مميتةٍ؟

إنّهُ جنونُ الصَّولجان .. 
     جنونُ آخر زمان!

يا أطفالَ العالم 
لماذا لا تثوروا 
     بأجسادِكم الطَّريّة 
وتبقوا مثلَ السَّيفِ 
     في وجهِ الطُّغيان؟

يا أطفالَ العالم 
يا نورَ العالم 
انهضوا ببسالةِ الرِّيحِ 
     بجرأةِ البحارِ
لا تهابوا فراقيعَ الصَّولجان!

أنتم ملحُ الحياةِ 
نسغُ النَّسيمِ المعانقِ حُبيباتِ النَّدى
(ابتسامةُ الشَّمسِ لوجهِ الثَّرى)
     لوجهِ المطرِ 
          الهاطلِ من وهجِ الضّياءِ!

أنتم رحيقُ الحياةِ 
نشوةُ الرُّوحِ 
عندما تعانقُ زرقةَ السَّماءِ

تبَّاً لكم يا أصحابَ الصَّولجان!
فشلٌ مميتٌ 
يتفرَّعُ من زفيرِكُم المشؤوم

عنجهياتٌ حمقاء 
تفوحُ من جباهِكُم المتخشّبة
     المتصالبة معَ أحجارِ الصَّوان

جباهٌ معفَّرة بالقيرِ 
     بروثِ البقرِ 
نافرة كأنيابِ الحيتان!
ما هذهِ المعادلات الخرقاء 
أراها تزدادُ يوماً بعدَ يومٍ؟!
ثمَّةَ مجانينٌ لا يضاهيهم مجانين
يقودون الأطفالَ 
     براعمَ الرُّوحِ نحوَ الجَّحيمِ

ثمةَ اعوجاجٌ أخرقٌ 
واضحُ المعالمِ 
يهيمنُ على امتدادِ 
     حياةِ الصَّولجان

ايُّها المعوجُّون 
هل ثمَّةَ دمٌ بشريّ 
     يجري في عروقِكم
أم أنَّ دماءَكم 
استُحْلِبَتْ من أجسادِكم 
     وحُقِنْتُم بماءِ الشَّظايا 
بالدَّهاءِ 
     بكلّ أنواعِ الخطايا؟!

لا أذكرُ يوماً نمتُ نوماً هنيئاً 
يقتحمُ الألمُ بوّاباتِ روحي 
يفترشُ أنيابَه فوقَ جسدِ المساءِ
لا أنجو من حزنِ النّهارِ 
يلاحقني 
يمسكُ بتلابيبَ حلمي 
يعفِّرُهُ بالشَّوكِ
يقتلعُ أفراحي الصَّغيرة 
     النَّابتة في لُجَّةِ الحلمِ 
يرميها على جثثِ أطفالٍ 
     من لونِ الرَّبيعِ 
     من لونِ البراءةِ

عذابٌ ينمو في قبّةِ الرُّوحِ
فارشاً جناحيهِ على شساعةِ المدى 

الإنسانُ رحلةُ عبثٍ في محرابِ الحياة
رحلةُ شقاءٍ فوقَ أمواجِ البحارِ
 رحلةُ ضلالٍ مؤرّجحة 
     على كفِّ عفريت

الإنسانُ قامةٌ فولاذيّة شرهة
يتطايرُ منها شراراتُ قاذفات الهاونِ ..
قاذفاتٌ تنشطرُ إلى آلافِ الشَّظايا
تجرحُ وجهَ الطَّبيعةِ
تنغِّصُ هدوءَ اللَّيلِ
تدمي خدودَ الصَّباحِ
وجعٌ متجذِّرٌ 
     في أغصانِ النُّجومِ

آهٍ .. تتآكلُ يوميّاً خصوبةُ الحياةِ
     انحدارٌ نحوَ القاعِ

ما الفرقُ بينَ إنسانٍ 
     ووحشٍ مفترسٍ؟
الوحشُ مفترسٌ 
ربَّما مِنَ الجُّوعِ
ربَّما لأنّ تكوينه حيوانٌ مفترسٌ

الإنسانُ أكثرَ افتراساً مِنَ الوحوشِ
لحماقتِهِ
لجشاعتِهِ اللانهائيّة 
لموتِ أخلاقيّاته 
لتهدُّلِ رؤاه 
وتعفُّرُها باسفلتِ هذا الزَّمان 
الإنسانُ صرخةُ أذى 
     في بساتيِنَ المحبّة
تآمرٌ مخيفٌ 
     على بذورِ الحبِّ والياسمين

علاقاتٌ أكثرَ مرارةً مِنَ الحنظلِ 
تنمو في شهيقِ الإنسانِ
تجنحُ نحوَ دنيا الجُّنونِ
تفرشُ خيباتها 
     على جبينِ الطُّفولةِ
    
مجوَّفة بالتُّرّهاتِ 
تقدحُ بلاءً 
تحرقُ خيراتِ قرونٍ مِنَ الزَّمانِ

أبالسةُ العصرِ تآمروا 
     على عشّاقِ هذا العالم 
طعنوا شفاهَ الأحبَّة
     قبلَ الاحتضانِ 
     قبلَ ارتعاشِ القبلةِ 

علاقاتٌ مزنَّرة بأنيابِ الضِّباعِ
تبني أبراجَها 
     على أجنحةِ الطُّفولةِ
تذري رماداً في وجهِ اللَّيلِ
     من عظامِ البشرِ 

الإنسانُ مجبولٌ بالخطيئةِ 
     بالشَّراهةِ 
بأنانيّةٍ مفتوحةٍ على إمتدادِ النّهارِ

أنانيّةٌ محشوّةٌ بالقذارةِ
     متصالبةٌ معَ دربِ الدّناءةِ
     مع شياطينَ آخرِ اللَّيلِ

الإنسانُ معادلةٌ مجنونةٌ 
غير قابلة للحلِّ
يعبثُ دونَ وجلٍ 
     في أرواحِ الأطفالِ 
يطحنُ بتعطُّشٍ مجنونٍ 
     عظامَ الشُّبّانِ 
     في ساحاتِ الوغى
آهٍ .. علومُ آلافِ السِّنينِ 
تنحدرُ نحوَ أسفلِ السَّافلين
انزلاقٌ نحوَ جحورِ الظَّلامِ 
رؤى تدمي الجَّبين 
وباءٌ يستشري في أعماقِ الدَّمّ 
إنّه إحدى علامات جنونِ الصَّولجان

يا أوباشَ هذا الزَّمان 
إلى أينَ يجرجرُكم 
     لمعانُ الصَّولجان؟
آهٍ .. 
متى سينتهي عهدُ الصَّولجان؟

بشرٌ يأكلونُ بشراً 
انحدارٌ حتّى النِّخاع 
قحطٌ إنسانيّ يلازمُ أصحابَ القرارِ

دماءٌ سميكة تجري 
     في أزقَّةِ هذا الزَّمان
رؤى متورِّمة بغيضة 
تنتشرُ في لبِّ المخيخِ
تجنحُ نحوَ نقاوةِ الدَّمِّ 
تلوِّثه بجراثيمَ 
     غير قابلة للعلاجِ
وجعٌ ينمو في سماءِ الرُّوحِ

تفشّى جوعٌ كافرٌ  
وقفَ البغاءُ بمرارةٍ في نهايةِ الطَّابورِ

هربَتِ العصافيرُ بعيداً
     خوفاً من هراطقةِ هذا الزَّمان 
إلى أينَ ينتهي بكَ هذا يا زمان؟!
   
مَنْ يصدِّقُ أنَّنا عبرنا 
القرن الحادي والعشرين 
إنّه زمنُ الإنهزامِ ..

أطفالٌ في عمرِ الورودِ
يُقْتَلون تحتَ شعارِ السَّلامِ
سلامٌ مخضَّبٌ بالدَّمِّ 
     معفَّرٌ بالسُّمّ 
     من لونِ الاسفلتِ 
سلامُكُم يا أنتم مجرثمٌ بالملاريا 
مستنقعٌ بغيضٌ 
تعشِّشُ فيه كلّ أنواعِ البعوضِ
سلامُكُم يا أنتم حشراتٌ ضارّة 
تدبُّ على صدورِ الأطفالِ 
تمتصُّ أطرافهم الغضّة 

تَبَّاً لكم أيُّها الحمقى 
تفو على غوغائيّاتكم 
     وعلى رؤاكم السَّقيمة 
يا ملاعينَ هذا الزَّمان
أيُّ طيشٍ هذا الّذي أراه؟

اقشعرَّ جسدُ العالم 
عندما شاهدَ شظايا السَّلام 
     تخترقُ قلوبَ الأطفالِ 
يا مهابيلَ هذا الزَّمان 
كيف تتجرّؤونَ أن تطرحوا أنفسكم 
          قيادةَ أركانِ السَّلامِ 
وأنتم على ما أراهُ 
لا تستطيعون قيادةَ قطيعٍ مِنَ الغنمِ؟
بأيَّةِ شريعةٍ 
تسلِّطونَ عيونكم المحمرّة 
     على شهيقِ الأطفالِ؟
تخنقونَ الأطفالَ 
     من شدّةِ جحوظِ عيونِكُم 
تهطلُ عيونُكم شرراً 
     كطعمِ الحنظلِ 

أراهنكم يا هراطقةَ العصرِ 
أنَّ دماءَكم 
لا تختلفُ عن سمومِ الأفاعي
لا تختلفُ عن غدرِ الأبالسة 

مَنْ أنتم كي تطرحوا أنفسكم 
     دعاةَ سلامٍ 
وتاريخُكم كتلةٌ من الدِّماءِ 
كتلةٌ مِنَ الوباءِ
كتلةٌ مِنَ الخطايا 
بركانٌ مِنَ الشَّظايا 
خياناتٌ مِنْ حجمِ البحارِ؟

ها هو سلامُكم 
يسطعُ بالوخمِ
تفوحُ منه اعوجاجاتُ هذا العالم 

عندما كنتُ صغيراً 
تناهى إلى مسامعي مراراً
أنَّ الدُّنيا ستخربُ
     في بدايةِ الألفيّة الثَّالثة؟ 

قمَّطني قلقٌ وخوفٌ 
     من لونِ المساءِ
آنذاك راودتني تساؤلات غامضة
يا لتعاسةِ حظِّي 
لو خَرِبَتِ الدُّنيا 
     وأنا في عزِّ الشَّبابِ 
لماذا لا تخربُ الدُّنيا 
     إلا على دوري؟ 

متى سأكتبُ 
     قصائدى 
          الهائجة كبركان؟
هل فعلاً ستخربُ الدنيا 
     في بدايةِ الألفيّة الثّالثة؟ 

أتمنّى لو كانت هذهِ الأقاويل
     خرافات!

تساؤلاتٌ لا حصرَ لها
راودتني عندما كنتُ صغيراً 
يبدو أنَّ الخرافات 
تتحوّل 
عبرَ هذا الزَّمن الأجوف 
     إلى حقائق واضحة 
          وضوحَ الشَّظايا

الإنسانُ خرافةٌ 
حياتُهُ .. 
ممارساتُهُ
داسَتْ في جوفِ الخرافةِ ..
ربّما الإنسانُ ليسَ خرافةً 
لكنَّه في طريقِهِ إلى عالمِ التَّخريفِ ..
     تخريفٌ ما بعدَه تخريف!   
أَيعقلُ أن يقتلَ الإنسانُ 
     طفلاً في حضنِ أبيهِ 

أَليسَتْ هذه بدايات 
     ظهور التَّخريفِ
بل أنَّها هلوسات 
     ما بعدَ التَّخريفِ؟

مَنْ يستطيعُ 
أن يبلسمَ تقعُّرات القلبِ 
     من السُّمومِ العالقة 
          في قبّةِ الرُّوحِ؟

آهٍ .. إلى متى سيسيُر الإنسانُ في غيِّهِ 
     وأصحابُ الصَّولجاناتِ 
     لا يرمشُ لهم جفنٌ 
كأنَّهم كائنات محنَّطة؟!

حضارةُ الإنسان تجنحُ 
     رويداً .. رويداً 
          نحوَ الظلامِ
آهٍ .. ظلمةٌ ظالمة تغمرُ جبينَ الصَّباحِ
حروبٌ منشطرة من قبّةِ الأبراجِ  
تهرسُ أغصانَ الحياةِ 
     في مقتبلِ العمرِ 
     في ميعةِ الصبا 
     في ريعانِ الشَّبابِ 

حروبٌ على مشارفِ الكهولةِ 
     متاخمة للشيخوخةِ 
     لحافّاتِ القبورِ 

حروبٌ مدمِّرة لأبجدياتِ العمرِ
تنبتُ معَ الإنسانِ 
     وتمتدُّ حتّى ما بعدَ الموتِ 
تفرشُ شراراتَها المسمومة 
     فوقَ قبورِ الموتى 
تتسرّبُ إلى عظامِهم 
تفتِّتُ مفاصلهم 
تثيرُ الرُّعبَ في عتمةِ القبورِ 
تخيفُ دبيبَ اللَّيلِ الزَّاحفِ 
     على غيرِ هُدى
حروبٌ من لونِ المراراتِ 
مركِّزةٌ بوارجها المختلّة عقليّاً
     على عقلاءِ هذا العالم
هلْ انقرضَ الحكماءُ من هذا العالم؟

ايُّها العقلاء الحكماء
لماذا تختبئون في شقوقِ اللَّيلِ؟
اخرجوا من شقوقِكم 
ها قد آنَ الأوان!

نفوذٌ عقيمٌ يتفشَّى في وادي الغرائزِ
تاريخٌ كالحٌ بالدَّمِّ
خروجٌ تامّ عن شهقاتِ الخيرِ
     عن نسغِ الحياةِ

الإنسانُ تاريخٌ مؤكسدٌ بالاسفلتِ
تاريخٌ مبرقعٌ بدبقِ القيرِ 
تآمرٌ على جمالِ النَّباتِ 
     على روعةِ البحارِ 
     على هدوءِ اللَّيلِ 
     على شفافيّةِ الرُّوحِ
يحبو الإنسانُ على أمِّهِ الأرضِ
يقفُ وقدماهُ مثبّتتان على الأرضِ
تلاحمٌ فريد من نوعِهِ
عرشُ الإنسانِ متمركزٌ 
     على جفونِ الأرضِ
كينونةُ الإنسانِ 
مستقبلُ كلّ الكائنات
     بينَ أحضانِ الأرضِ

الأرضُ أمُّ الحياةِ 
     أمُّ الكائناتِ

تمتصُّ الأرضُ 
     فتنَ الإنسانِ 
تخبئها في أعماقِها
لا تفشي سرّاً 
أمينةٌ 
نقيّةٌ 
سخيّةٌ 
غارقةٌ في العطاءِ

جشعٌ أسودٌ يتقاطرُ 
     من خدودِ الإنسانِ
أنانيّةٌ مميتةٌ 
مبيّتةٌ في جذوعِ الإنسانِ
خياناتٌ من لونِ الجُّنونِ
     مفهرسةٌ في ضلوعِ الإنسانِ

شرورٌ مدمّرة تنمو يوميّاً 
     في شهيقِ الإنسانِ
ترياقٌ مسموم يتقاطرُ من زفيرِهِ

هل ندمَتِ الآلهة بتورُّطِ الأرضِ
     بقباحاتِ الإنسانِ؟

إنسانٌ من لحمٍ ودمٍ
تحوَّلَ إلى إسفلتٍ مكثَّفٍ بالغبارِ

حضاراتُ ملايينَ السِّنينِ
تنـزلقُ نحوَ القاعِ
تضمحلُّ أخلاقيّات الإنسان
     إلى أنْ تصلَ إلى نقطةِ الهذيانِ
لا يحافظُ على نوعِه      
تزدادُ عيناهُ غَضَباً 
يزرعُ شقاءً بوحشيّةٍ مجنونةٍ 

لا تكترثُ الأرضُ لقباحاتِ البشرِ
تهطلُ عليهم بذورَ المحبّة 
     بذورَ الخصوبةِ
     بذورَ الحياةِ
تمنحُ الأرضُ الأمان         

هَل ستتحمَّلُ الأرضُ الإنسانَ
     بعدَ ألفِ عام؟
أسئلةٌ معلَّقة في تضاعيفَ الذَّاكرةِ
تهطلُ عليّ كلَّ مساء
الأرضُ صابرةٌ صبرَ الأنبياءِ

مَنْ يدري 
ربَّما تفقدُ صبرَها 
ربَّما تلقِّنُه درساً 
     فيما تحملُهُ في جوفِها 
     من غيظٍ واهتياجٍ
ربَّما تثورُ وتفجِّرُ غيظَها 
     في وجهِ الإنسانِ
ربَّما تتركُ الإنسانَ يسيرُ في غيِّهِ
      إلى أنْ يكتشفَ 
     رحلةَ جنونِهِ على الأرضِ

الإنسانُ كائنٌ مجنونٌ
غير اجتماعي على الإطلاقِ
كائنٌ بوهيميٌّ
يخطِّطُ ببراعةٍ 
     لتفجيرِ فتيلِ الشَّرِّ 

أغلب رؤاهُ محصورة في أنانيّته
نسى أنَّ الآخرينَ بشر 
     من لحمٍ ودمٍ

نسى إنسانيّته 
تاهَ في سراديبَ الغرائزِ
شراهاتُه دمَّرَتْ شفافيَّةَ روحِهِ
غير قادرٍ على النُّهوضِ كإنسان
تأقلمَ في ممارسةِ بوهيميّته الغوغاغيّة
داسَ على شرائع مقدَّسة
كانَتْ منهجَ حياتِهِ 
منذُ أنْ تفتَّحَتْ عيناهُ على وجهِ الكونِ

ذابَتْ طقوسُهُ 
    أخلاقُهُ 
    شرائعُهُ المقدَّسة

جُلَّ تفكيره متمركز 
على مزيدٍ من الغنائمِ 
مزيدٍ من الشَّتائمِ
مزيدٍ من العبورِ في وادي الغرائزِ

يذهلني تحمُّل الأرضِ شرورَ البشرِ

الإنسانُ مبارزةٌ دنيئةٌ
صراعٌ أخرقٌ
متمركزٌ على جماجمِ الأطفالِ  
     على خلخلةِ عظامِ الشبّانِ
صراعٌ أهبل 
     من أجلِ ديمومةِ جنونِ الصَّولجان!
أيُّ عصرٍ هذا؟
تجذَّرَتْ أنيابُ الإنسانِ 
     في جحورِ الأفاعي
     في كهوفِ الوحوشِ
     في سمومِ هذا الزَّمان
غير آبهٍ بترتيلةِ الحبِّ 
     ولا بنشوةِ الخصوبةِ
ماتَ في قاموسِهِ هديلُ الحمائم!

عفَّر الإنسانُ أهزوجةَ الفرحِ
المدندنةِ على شفاهِ العشّاقِ

إسرافٌ أهوجٌ في عوالمِ 
     تيجانٍ مزنَّرةٍ بالدَّمِّ

صعودٌ عبرَ أمواجِ الشَّظايا
     عبر فتيلِ الدَّمارِ
زوبعةٌ مهتاجةٌ على وجهِ البحارِ

الإنسانُ أخطبوطٌ متخفّي الأطرافِ
ينفخُ أبواقَ الوغى
يمسحُ اخضرارَ المروجِ
     من أجلِ تاجٍ غارقٍ 
          في الحماقاتِ
من أجلِ صولجانٍ
     مكتنـزٍ بالشَّقاءِ

مشروخُ الرُّؤية
انحدارٌ 
     نحوَ 
          أخاديدَ 
               الوباءِ

الأرضُ أرجوحةُ فرحٍ 
     مكلَّلة بالقرنفلِ

الأرضُ شقيقةُ السَّماءِ
تمنحُ الكائناتِ أنشودةَ الحياةِ
تغدقُ عليها الهواءَ العليلَ

الإنسانُ حالةُ انزلاقٍ
     في كهوفٍ مجوَّفةٍ بالضَّلالِ
نتوءٌ غيرَ مرغوبٍ فيهِ 
     في دنيا الحمائمِ

صحراءٌ شاحبةٌ
     مليئةٌ بالثَّعابينِ

شراهةٌ مميتةٌ
تمتصُّ طلاً مقطَّراً من الأفيونِ

الأرضُ تحضنُ مولوداً في صباحٍ باكرٍ
     على انبعاثِ أريجِ الزُّهورِ
تفرشُ الأرضُ صدرهَا 
     بأزهارِ البابونجِ والنِّعناعِ
تكحِّلُ وجهَ الحبيبة برحيقِ المروجِ
     بماءِ التُّـفَّاحِ
  
الإنسانُ بلوةُ البلاءِ لكلِّ الكائناتِ
جفاءٌ مستطيرٌ 
ارتطامٌ دائمٌ في أمواجِ الصَّباحِ
بعيدٌ عن بهجةِ اللَّيلِ  
     عن مرامي الحياةِ
تائهٌ في دهاليزَ هذا الزَّمان
غير مبالٍ بتهريشِ وجهِ الضُّحى
     ولا بتعكيرِ الماءِ الزُّلالِ

بعيدٌ عن لُجّةِ الخيرِ 
     عن خصوبةِ الوجودِ
     عن اخضرارِ الطُّفولةِ
     عن وفاءِ النِّساءِ
     عن نخوةِ الرُّجولةِ

يكسرُ خاصراتِ الجِّبالِ
يدمي سفوحَ الكون
يخلخلُ موازينَ اللَّيلِ والنَّهارِ
يحرقُ خدودَ الشَّمسِ
يدوسُ بوحشيَّةٍ بربريّة
     على أزهارِ اللُّوتس
ويرميها على اِمتدادِ المدى
     في أعماقِ البحارِ

الإنسانُ قنبلةٌ دائمةُ الانفجارِ 
     في صدرِ الكونِ 
بركانٌ من الشَّراراتِ
     تهطلُ فوقَ جبينِ المساءِ
بحارٌ من لونِ الدِّماءِ
     تُغْرِقُ شهيقَ الحياةِ

الإنسانُ شجرةٌ عاقرةٌ 
ينجبُ أنياباً 
أكثرَ افتراساً من الذِّئابِ
لا يهمُّهُ براءةَ الطُّفولةِ
     حزنُ الأمَّهاتِ 
ولا تراخي أمواج النَّهارِ 

وجعٌ ينمو في سماءِ الرُّوحِ
     من لونِ الشَّفقِ
     من لونِ المسافاتِ 
     من 
          لونِ 
               موشورِ 
                  الحزنِ 
     من لونِ البكاءِ!

بلاءٌ ممتدٌّ من أخمصِ القدمينِ      
     حتّى فروةِ الرأسِ

ضجيجٌ من لونِ الضَّجرِ 
     عبر محطَّاتِ العمرِ

سَفرٌ من لونِ البكاءِ 
     من لونِ الرَّمادِ

رحيلٌ في دنيا العذابِ      
     في أعماقِ السَّرابِ
 وجعٌ يطفو فوقَ سماءِ الرُّوحِ كلَّ صباحٍ
يزهقُ أحلامَ المساءِ قبلَ ميلادِ الفجرِ

مَنْ هرَّش صدرَ الجِّبالِ ..
ومَنْ خلخلَ أجنحةَ الأشجارِ؟!
مَنْ لوَّثَ وجهَ النَّسيمِ ..
ومَنْ جرحَ جبينَ الصَّحارى؟!
مَنْ كسرَ أعناقَ النَّخيلِ 
ومَنْ شتَّتَ على وجهِ الدُّنيا 
     ملايينَ البشر؟!

حزنٌ مكوَّرٌ في أعماقِ الفيافي
حزنٌ من لونِ العصافيرِ 
     من لونِ الدُّموعِ 
      من لونِ الرَّحيلِ

آهٍ .. تقعَّرَ جبينُ الرُّوحِ
فولدَتْ الأرضُ سنابلاً 
     منحنيةَ الرِّقابِ

الأرضُ شامخةٌ في وجهِ الأعاصيرِ 
براكينٌ متأجِّجةٌ ليلَ نهار
     تحضنُها الأرضُ

الأرضُ رحيمةٌ
تنبعُ من رحمِها
     خصوبةُ المروجِ

وفاءٌ دافئٌ دفءَ الأمومةِ
ينمو كلَّ صباحٍ 
فوقَ خدودِ الأرضِ
حضنُكِ يا أرضُ 
     ولا كلَّ الأحضانِ

يشتاقُ الإنسانُ 
     إلى حضنِ أمِّهِ الأرضِ
يتمتَّعُ بينَ أحضانِ أمِّه الأرضِ
يعبرُ أعماقَ الفضاءِ
يقطعُ آلافَ الأميالِ
يعودُ بشوقٍ عميقٍ
     يقبِّلُ ثغرَ الأرضِ 

انشطرَ الإنسانُ من وَهَجِ الأرضِ 
     من تلألؤاتِ النُّجومِ
     من رحمِ البحارِ
     من وجنةِ القمرِ

يولدُ الإنسانُ صارخاً 
مبلِّلاً وجهَ الأرضِ بكاءً

يترعرعُ الإنسانُ عبرَ معادلةٍ 
     مُسيلةٍ للدموعِ
الإنسانُ مجبولٌ من الطِّينِ
     من الأرضِ
لا يتوازنُ معَ ذاتِهِ 
ولا معَ أمِّهِ الأرضِ

تائهٌ في تقعُّراتِ السِّنينِ
 بعيدٌ عن ينبوعِ الحياةِ

ضبابٌ كثيفٌ 
     يغلِّفُ غشاوةَ العينِ
العينٌ ترى مسافةً ما
قاصرةٌ ..
غيرُ قادرةٍ 
     على عبورِ المسافاتِ القصيّةِ
لا ترى الكنوزَ المتلألئةَ 
     في أعماقِ الحياةِ!

يعيشُ الإنسانُ 
     على زبدِ الحياةِ
لا يتلمّسُ رحيقَ الوجودِ

أينما يحلُّ 
أينما يصعدُ 
نهاياتُهُ أحضانُ الأرضِ
لا يشبعُ من كنوزِ الدُّنيا  
لا تملأُ عينيه 
سوى كمشةُ ترابٍ

آهاتٌ متأرْجحةٌ                                                               في أعماقِ الرُّوحِ
رحيلٌ في عتمِ اللَّيلِ
أوجاعٌ متناثرة 
     من خاصراتِ الغيومِ 
شظايا من كلِّ الجِّهاتِ

تناقصَ رحيقُ الزُّهورِ
تآكَلَتْ جُذوعُ الأشجارِ
غضبٌ يتطايرُ من جبينِ الشَّفقِ
     من جوفِ المدائنِ
تعاظمَ اندلاقُ الحنانِ 
     من خدودِ السَّماءِ
رؤى بوهيميّة 
يبتكرُها الإنسانُ 
تمطرُ فوقَ جبينِ المساءِ
تدمي قلوبَ الأشجارِ
تجرحُ صمتَ الجِّبالِ
تلطِّخُ حبقَ الرَّبيعِ
تعكِّرُ الماءَ الزُّلالِ

عيونٌ مغبَّشةٌ بالضَّبابِ
شموخٌ على أنقاضِ (الكراتينِ)
رؤى مشنفرة بالسُّمومِ

الأرضُ أكثرُ بركةً مِنَ الإنسانِ
أكثرَ عطاءً
أكثرَ خيراً

استقبلَتْ الأرضُ الإنسانَ 
     منذُ فجرِ التَّكوينِ

حضاراتُ الإنسانِ بُنْيَتْ 
     على وجهِ الأرضِ
أليسَتْ ناطحاتُ السُّحابِ 
مرتكزةٌ على صدرِ الأرضِ؟

تخبِّئُ الأرضُ بينَ أحضانِهَا 
كلَّ ملذَّاتِ الحياةِ
تغدقُ خيراتِها على الكائناتِ
     كلَّ الكائناتِ

لا تميِّزُ كائناً على آخر 
هي أمُّ الكائناتِ
     نهايةُ الكائناتِ

يولدُ الإنسانُ فتستقبلُهُ الأرضُ
بنسيمٍ عليلٍ 
     بأكاليلَ الورودِ
تهبُهُ عطاءاتٍ من لونِ السَّماءِ
كَرَمُ الأرضِ يضاهي 
     كَرَمُ الإنسانِ بآلافِ المرّاتِ

يتمتَّعُ الإنسانُ بجاذبيّةِ الأرضِ 
     بكنوزِ الأرضِ
خيراتُ الأرضِ لا تُحصى
جبالٌ مكتنـزةٌ بالوفاءِ

الأرضُ هي روحي الّتي أتنفَّسُ بها 
هي أمِّي 
هي أبي 
هي أخي 
هي أختي البكرُ

الإنسانُ ضئيلٌ جدّاً 
     أمامَ جبروتِ الأرضِ
     أمامَ عبقريّةِ الأرضِ

يحتاجُ الإنسانُ ملايينَ السِّنينِ الضَّوئيّة
كي يفهمَ جزءاً بسيطاً 
     من أسرارِ الأرضِ

لا تعطي الأرضُ 
 أسرارَها الحميمةِ للإنسانِ 
الإنسانُ غيرُ وفيٍّ
غيرُ جديرٍ بمعرفةِ خبايا الأرضِ
الإنسانُ يجنحُ نحوَ الجَّشعِ
تتمحورُ في لبِّ الإنسانِ
     أنانيّةٌ 
     لا تليقُ بكرمِ الأرضِ

يولدُ الإنسانُ في صباحٍ باكرٍ 
     عالقاً بينَ جناحيهِ 
          ندى الحياةِ

ينمو
وتنمو معه بذورُ الفسادِ 
يلتقطُ من قاعِ الأرضِ 
     ترَّهاتِ الحياةِ
تاركاً كَرَمَ الأرضِ 
     خيراتِ الأرضِ
     كنوزَ الأرضِ 
متشبِّثاً بقشورِ الأرضِ 
     المغلَّفةِ بالغبارِ
متشبِّثاً بإيديولوجياتٍ 
     معفَّرةٍ بالدَّمِّ

بعيدٌ بُعْدَ الأرضِ عنِ السَّماءِ
     عن جوهرِ الأرضِ
     عن مغزى الحياةِ
     عن شهقةِ الصَّباحِ

يموتُ الإنسانُ 
فتحتضنُهُ الأرضُ
     اِحتضاناً سرمديّاً

تستوعبُ الأرضُ قباحاتِ الإنسانِ
لا تميّزُ الأرضُ الأشرارَ عَنِ الأخيارِ
تحتضِنُهُم جميعاً عبرَ رحيلِهم الأبديِّ

الأرضُ تحملُ بينَ أحضانِهَا 
     أريجَ القداسةِ
ترشرشُ بركاتَها عبرَ زخَّاتِ المطرِ
     عبرَ أمواجِ البحارِ

شتَّانَ ما بينَ الأرضِ والإنسانِ
بحارٌ من الفسادِ تترعرعُ
     بينَ أجنحةِ الإنسانِ
بحارٌ مِنَ الخيراتِ 
تولدُ يوميّاً من أحشاءِ الأرضِ
يغمسُ الإنسانُ لقمَتَهُ 
     في دنيا الرَّذائل

لا يتركُ رقعةً من وهادِ الكونِ
إلا مرشرشاً فوقَهَا 
     كلّ أنواعِ الوباءِ 
ناسياً حدائقَ المحبّةِ
ناسياً هديلَ الحمائمِ
غائصاً في دنيا من رمادٍ

الأرضُ بركةُ البركاتِ
     أنثى خصبة لا تشيخُ    
تحمي الإنسانَ 
     من أمواجِ البحارِ
تواريهِ 
تغطِّيه من مغبَّةِ الأعاصيرِ
كنوزُ الحياةِ في بطونِ الأرضِ
شرورُ الدُّنيا مستفحلة 
     في رؤى الإنسانِ
غربةٌ مريرةٌ 
تجتاحُ جسدَ الأرضِ

تصالَحْ أيُّها الإنسان 
     معَ أُمِّكَ الأرضِ

آهٍ .. لَمْ يتحوَّل الإنسانُ
     عبرَ ملايينَ السِّنينِ
          إلى إنسانٍ أليفٍ!

ظلَّ مرتشفاً ضحالاتِ الحياةِ
رامياً بذورَ المحبّة 
     في وادي الجَّحيمِ

تلوَّنَ عبرَ العصورِ 
     بكلِّ ألوانِ الجَّفاءِ
تجاوزَ بألوانهِ مُكراً 
     ألوانَ الحرباءِ
إرتدى ثوبَ الثَّعالبِ
نبتَتْ بين فكِّيهِ أنيابُ الذِّئابِ

الإنسانُ ـ الأرضُ 
قطبان مبتليان أيُّما ابتلاءٍ
ابتُلْيَتِ الأرضُ بالإنسانِ
وابتُليَ الإنسانُ بالإنسانِ!

يحملُ الإنسانُ رؤى سقيمة
يزرعُ في جبهةِ الصَّباحِ
     أوجاعاً لا تُطاقُ

يحرقُ دون َ وجلٍ شهقاتِ النُّجومِ
          عندما تداعبُ القمرَ
عيونٌ تلهجُ خلفَ السَّرابِ
تمطرُ ناراً حارقة
لا ترتوي من لذائذِ الحياةِ
عيونٌ جائعة 
تائهة خلفَ الهشيمِ
لا تعرفُ جني الاخضرارِ
     ولا عطاءَ الحياةِ
عطشٌ يكتنفُ أجنحةَ الإنسانِ
رغمَ بحارٍ شاسعةٍ 
     من الماءِ الزُّلالِ!
يموتُ الإنسانُ 
تاركاً خلفَهُ 
     تاريخاً من لونِ الرَّمادِ

يرحلُ في عتمِ اللَّيلِ
     عابراً تجاويفَ الظَّلامِ

الأرضُ ترحَمُهُ 
تغطِّيهِ 
تحمي عظامَهُ 
     من تعفُّناتِ 
          هذا الزَّمان

زمنٌ مكفهرٌّ
     حاملاً شعارَ الظَّلامِ

آهٍ .. يا ظلام
مَنْ داسَ 
     على هذهِ الشُّموعِ 
ومَنْ كسرَ 
     جذعَ الشَّمعدانِ؟!
تحملُ الأرضُ فوقَ كتفيها 
     ينابيعَ الفرحِ
ينمو فوقَ وجهِهَا 
     رحيقَ الوجودِ

الأرضُ
تحملُ فوقَ سفوحِهَا 
     أكوامَ الحنطةِ  
أكوامَ الخيرِ والعطاءِ
ترفرفُ فوقها كلَّ الكائناتِ
ترتشفُ منها نسغَ الحياةِ

الإنسانُ أسمى المخلوقاتِ 
آهٍ .. يعبرُ وهادَ الأرضِ 
مُرَشْرِشاً كلّ أنواعِ السُّمومِ
     على وجهِ أخيهِ الإنسان

أيُّ إنسانٍ هذا 
لا يفكِّرُ بما هو آتٍ
يفكِّرُ بأنانيَّتهِ 
بشراهتِهِ الوقحة
يخطِّطُ لذرِّيتِهِ بجشاعةٍ مُقيتةٍ
يلازِمُ الجَّشعُ أجيالاً لا تحصى
إنَّهُ زمنُ القحطِ 

قحطٌ إنسانيٌّ 
يغلِّفُ صدرَ الكونِ 

مَنْ يستطيعُ أنْ يستأصِلَ 
كلّ هذا الجَّشعِ المستفحلِ 
     في عظامِ الإنسانِ؟!

عظامٌ 
     مكسوَّة 
          بأشواكٍ 
               زرقاءَ

الأرضُ رحيمةٌ للغايةِ
تتحمَّلُ فظاظاتِ الإنسانِ
حنونةٌ 
تغطِّيهِ 
     من مغبَّاتِ الأعاصيرِ
لا تكترثُ الأرضُ 
بالشَّراراتِ المتطايرةِ
     من عيونِ الإنسانِ
بالدَّهاءِ المستوطنِ 
     في عقولِ البشرِ
بالفسادِ المستشري 
     في أعماقِ الصُّدورِ

الأرضُ هبةٌ مِنَ الآلهةِ
ملاذٌ فسيحٌ لكلِّ البشرِ

تكتنـزُ في بواطنِهَا 
     بحارٌ مِنَ الذَّهبِ 
ترتدي قميصاً مطرَّزاً 
     بأثيرِ الحياةِ
تهطلُ خيراً 
          حبَّاً
               رحمةً
تهبُ الحياةَ ثماراً بلا حدود!
                    *****
             ستوكهولم: خريف 2000
الإنسانُ كتلةٌ مخثّرةٌ بالشَّراهةِ
يرشرشُ وباءَهُ  برعونةٍ طائشةِ
     فوقَ جبينِ الأرضِ 

تائهٌ في أخاديدَ الإنشطارِ
لا يعي أنَّ مساحاتِ العمرِ 
     مؤقّتةٌ 

آهٍ ..  إنجرارٌ نحوَ الهاوية؟!
طيشٌ على إمتدادِ الصَّحارى 
     على مساحاتِ الإشتعالِ
إشتعالُ أغصانِ الحنينِ
ضجرٌ منبعثٌ من تورّماتِ 
     كوعٍ الصَّولجانِ

تراخَتْ خيوطُ الرَّبيعِ 
     ينابيعُ اللَّيلِ
     زقزقاتُ العصافيرِ 
تاهَتِ الفراشاتُ
عابرةً 
     سديمَ البحارِ!
كَمْ مِنَ الدُّموعِ 
     حتّى إغرورقَتْ وجنةُ القمرِ
كَمْ مِنَ الأحزانِ تنامَتْ
    فوقَ أعناقِ الطُّفولةِ
أينَ توارَتْ دهشاتُ الطُّفولةِ
     رحابُ الطُّفولةِ؟

مَن يستطيعُ أنْ يعيدَ للبلابلِ 
     عذوبةَ إنشادِ التَّغاريدِ؟

الأرضُ شهقةُ عطاءٍ
     منبعثةٌ من وهجِ الآلهة
متعانقةٌ مع ألقِ اللَّيلِ!

كَمْ مِنَ الأبرارِ
كَمْ مِنَ الأشرارِ
كَمْ مِنَ اللُّصوصِ
كَمْ مِنَ الآهاتِ 
     حتّى زمجرَتِ البراكينُ
كَمْ مِنَ الشُّموخِ 
     حتى أينعَتِ السَّينابلُ
كَمْ مِنَ الفنونِ حتّى تلألأتْ 
     ناطحاتُ السُّحابِ

الإنسانُ جمرةٌ مسمومةٌ
     غارقةٌ في بطونِ الوسائدِ

مغبونٌ أنتَ يا حلمي 
ومتألّمةٌ أنتِ يا شهقةَ روحي

تنمو أحزاني 
كلّما يهبطُ اللَّيلُ
كلّما تنامُ نوارسُ البحرِ
كلّما أغنِّي أغنيةَ رحيلٍ ..
     في سراديبَ 
لا تخطرُ على بالٍ

متى يا قلبي ستغفو
     بينَ بيادرِ الرُّوحِ
حيثُ تلاوينَ المحبّةِ 
تهطلُ 
     شلالاتِ عشقِ الحياةِ
الأرضُ صديقةُ البحرِ
ينمو في أحشائِها أبهى النَّفائسِ
تلملمُ في أعماقِها 
     حبقَ البيلسانِ
     نداوةَ الصَّباحِ

تداعبُ ترتيلةَ الأزلِ
تغنّي للجبالِ 
     بهجةَ الأحلامِ

تنمو في هضابِهَا 
     خصوبةُ الرُّوحِ

وجهُكِ يا أرضُ مغطّى 
     بإندلاعاتِ شهقةِ الشَّمسِ 

الإنسانُ كابوسٌ سقيمٌ
يدلقُ غباراً فوقَ قطراتِ النَّدى
يعفّرُ وجنةَ البحرِ 
     بأزيزِ الحربِ
     بأنيابِ الذِّئابِ
عجباً أرى
أنيابُ البشرِ أكثرَ تعطُّشاً للدمِ
     من أنيابِ النُّمورِ

هل لمعشرِ البشرِ صلاتُ قربى
     مع عوالمِ الإفتراسِ
أم أنّ الإنسانَ شلالُ دمٍ 
     فوقَ أبراجِ المدائن؟!

الأرضُ بحيراتُ وفاءٍ 
     متعانقةٌ
           معَ إبتساماتِ النَّيازكِ!

الأرضُ مساحاتُ حبٍّ
     على اِمتدادِ اللَّيلِ والنَّهارِ

تنمو فوقَ روحِها أعبقَ الأزاهيرِ
تمنحُ فضاءاتِ الشُّعراءِ 
     عشقاً موشّحاً 
          برعشةِ النَّسيمِ

الإنسانُ تلالُ حزنٍ 
     جاثمةٌ فوقَ أجنحةِ الهداهدِ
تاريخٌ كالحٌ من لونِ الغبارِ
عفّرَ الرُّوحَ من تلظّي
     شلالاتِ القنابلِ

لماذا تنحو أيّها الإنسان منحىً 
يصبُّ في قاعِ المهازلِ؟

يعبرُ الإنسانُ وهادَ الحياةِ
متخيّلاً أنّهُ سيملكُ شموخَ الجِّبالِ
     وخاصراتِ المدائنِ!

نسى أنَّ رحلةَ جنونِ الصَّولجانِ
أقصرَ من خصوبةِ الينابيعِ
أقصرَ من تغاريدَ البلابلِ
أقصرَ من همهماتِ السَّواقي

أيّها الإنسان
تُدمي ذاتَكَ 
تُدمي أخيكَ الإنسان! .. 
كيفَ فاتَكَ أنَّ مساحةً
لا تربو عن مترينِ تنتظرُكَ
تعبرُ من خلالِهَا ظلمةً حارقةً
حيثُ نسائمُ العشقِ 
وموجاتُ البحارِ تشمخُ
     على جبهةِ  الزَّمنِ

ترخي أطرافَكَ 
لدبيبِ الأرضِ 
كي تنخرَ خشونةَ المفاصلِ
أين المفرّ من دكنةِ دهاليزَ الرَّحيلِ؟

الأرضُ شامخةٌ منذُ أبدِ الدُّهورِ 
صديقةُ البساتينِ 
أمُّ سلالاتِ الكائناتِ!

الأرضُ برجُ المحبّةِ
مزنّرةٌ خاصرتها ببخورٍ معطّرةٍ
     بأريجِ الزُّهورِ
تحملُ بينَ جوانِحِها
     عجينُ الخلاصِ
تنامُ بينَ أحضانِ السَّماءِ
     ملتحفةً بوهجِ الشَّمسِ
     بشهقاتِ النُّجومِ وخدودِ القمرِ!

الإنسانُ مسحةُ حزنٍ نافرٍ 
يتدلّى فوقَ أرخبيبلاتِ رعشةِ البحرِ
خبيرٌ في تفاصيلَ الجَّفاءِ
يعتلي صهوةَ الكونِ
بعينينِ جاحظتَينِ
مليئتَينِ بأشواكٍ مريرةٍ
     إلى حدِّ الإنفلاقِ

الإنسانُ حفنةُ ترابٍ متجذّرٍ بالآثامِ
لماذا لا تخفِّفُ 
من مضاعفاتِ سماكةِ الآثامِ؟
ثمّةَ غباءٌ سحيقُ الأغوارِ
يعشِّشُ في الخشخشاتِ المعتمةِ
     من تخومِ دهاليزَ الإنسانِ

الأرضُ منارةُ حرفٍ 
تسطعُ فوقَ خمائلِ الحنانِ!
تهطلُ بذورَ الوداعةِ
     زخّاتٍ
     فوقَ غلاصمِ البحارِ

يزمجرُ الإنسانُ
منافساً أنيابَ الحيتانِ
غائصاً في إسودادِ الرُّؤى
غير مبالٍ في أبجدياتِ الدَّمِّ
حتّى إذا قادتْهُ شهوةُ الرُّعونةِ
     إلى تقعّراتِ 
          كهوفِ الشَّيطانِ!

آهٍ وألفُ آه ..
ما هذا العبورُ الأهوجُ
     في تلافيفَ مغائرِ الصَّولجان؟

متى سيدركُ الإنسانُ
أنّ الحياةَ 
رحلةُ عشقٍ 
     فوق أزاهيرَ نيسان!

كم من السِّنين ولّتْ 
ولم تتوقّفْ هَديرُ الحروبِ 
ولا انشراخاتِ الوغى 
     في أتونِ الطُّغيانِ!

تنمو براعمُ الرَّبيعِ 
حالما تهطلُ خصوبةُ السَّماءِ
مخفِّفةً من وقائعِ الإنشطارِ! 

لماذا لا يتعلّمُ الإنسانُ 
بهجةَ التَّجلّي
     من إنبعاثِ خمرةِ العشقِ 
          من قيعانِ الجِّرارِ؟

نأتي إلى الحياةِ 
     في ليلةٍ معشوشبةٍ بالنَّداواتِ
فجأةً يتوارى وهجُ الإخضرارِ؟!

غصّتانِ تجتاحُ شواطئَ الرُّوحِ
تستكينُ فوقَ تعاريجَ العمرِ 
 فوقَ هفهفاتِ البحارِ!
الأرضُ نبيذٌ معتّقٌ
مصفّى من رحيقِ الضّياءِ
صديقةُ الشِّعرِ
صديقةٌ من لونِ البهاءِ

الإنسانُ براكينٌ هائجةٌ
      مخضّبةٌ بأردانِ الشَّقاءِ!
سيوفٌ قابعةٌ 
     فوقَ جسدِ العمرِ
     فوقَ شهيقِ اللَّيلِ
     فوقَ ترانيمَ الوفاءِ!

أين تاهَتْ ليالي المحبّة
لِمَ لا نزرعُ أجنحةَ العشقِ
     فوقَ زنابقِ الرُّوحِ
          في ليلةٍ قمراءَ؟

أيّها الإنسان!
كفاكَ طيشاً  
     في عبورِ كهوفِ الوباءِ!

كفاكَ رعونةً في وهادِ العمرِ
كأنّكَ منبعثٌ من مغائرِ الجنِّ
     من مخابئِ الثَّعابينِ!

مسافاتٌ .. 
تبلعُني المسافاتُ!

آهٍ يا قلبي الموجوع
على امتدادِ بحيراتِ غربتي
تلملمْتُ فوقَ شهقتي
حاملاً فوقَ روحي 
     وميضَ الإنكسارِ
متأمِّلاً دكنةَ اللَّيلِ

دمعةُ عشقٍ تناهَتْ
     فوقَ أنقاضِ الدِّيارِ

بسمةُ وقارٍ 
إرتسمَتْ
     فوقَ شهقاتِ الحنينِ
     فوقَ أوجاعِ الدِّيارِ !
مسترخياً فوقَ خيوطِ الصَّباحِ
     عابراً أعماقَ المدارِ

تنمو تلاوينُ أوجاعَ السِّنينِ
تشمخُ فوقَ ليلِهِ الطَّويلِ 
     شهقةُ أسىً 
انزلاقٌ نحوَ شفيرِ الهلاكِ!
     
 تغفو الأحلامُ
     فوقَ جسدِهِ الطَّريّ  
مسافاتُ الأنينِ لا تنتهي
تمتدُّ من جبينِ الأرضِ
     حتّى أقاصي السَّماءِ!

آهٍ .. 
مَن يستطيعُ 
أنْ يبدِّدَ ضجرَ الأيّامِ؟
مَنْ يستطيعُ
أنْ يزرعَ في دكنةِ اللَّيلِ 
آمالاً من وميضِ الضّياءِ؟!

يتنهَّدُ بعمقٍ 
باحثاً عن يراعِ القصيدةِ 
يمتشقُ حروفَهُ المعشوشبة
     بندى الخصوبةِ
راغباً أن يخفِّفَ أنينَ السِّنينِ
     بإندلاعِ وهجِ الكلماتِ

آهٍ يا غربةَ الرُّوحِ!
تخثّرَ الحزنُ فوقَ خدودِ الأرضِ
     من تفاقماتِ ضبابِ الحروبِ ..

حروبٌ في بداياتِ القرنِ
     في منتصفِ القرنِ 
     عندَ منحدراتِ القرنِ
     في نهاياتِ القرنِ

حروبٌ 
     على اِمتدادِ 
          زرقةِ الأحلامِ 
آهٍ .. تخشّبتْ طراوةُ الرُّوحِ! 

السَّاعة تدورُ وتدورُ 
وحزني أيضاً يدورُ 
     حولَ أزيزِ الأنينِ!

تعبرُ أحزاني وهجَ النَّهارِ
تنقشُ على حمرةِ الشَّفقِ 
     لهيبَ الغاباتِ

أينَ ستركنُ غصّاتي 
     .. آهاتي؟!
مَنْ يستطيعُ أنْ يمسحَ 
     عن جبهةِ الصَّباحِ 
          كآباتِ الطُّيورِ 
          قتامةَ الزُّهورِ؟

شهقتانِ مكثّفتانِ بالدُّموعِ
شهقةُ الوداعِ الأخيرة
وشهقةُ غربة الإنسانِ 
المبرعمة
     في بوحِ الرُّوحِ!

تنمو أحزاني من تراكماتِ الأوجاعِ 
     فوقَ رحابِ الحلمِ!

أينَ سأخبِّئُ ذاكرتي الطَّافحةِ 
     بآهاتٍ لا تخطرُ على بال؟!

بدَّدَتْ أنثى من نكهةِ النّعناعِ
شطراً عميقاً 
     من بيادرِ الإشتعالِ

تهتُ عابراً أعماقِ البراري
أبحثُ عن وميضِ الرُّوحِ
     عن موجاتٍ هائجة تراخَتْ 
     فوقَ مصاطبِ الإرتحالِ!

رؤى غارقة في حنايا الآهاتِ ..
     في وهادِ الأنينِ 
كيفَ سأبدِّدُ 
     كلّ تلكَ الأورامِ المترشرشةِ 
          في ربوعِ القاعِ؟! 

تعالي يا أنثاي وأمسحي عن جبهتي
     ما تبقّى من شظايا الإندلاعِ!

كَمْ من الإشتعالِ حتّى أشرقَتِ الشَّمسُ
          في قبّةِ السَّماءِ!
إلى متى ستُلوَّثُ نقاوةُ الخمرِ
     في أعماقِ الدِّنانِ؟! 

كَمْ مِنَ المرّاتِ 
     ترجْرَجَتِ الأرضُ من تحتِنَا
     كلّما فاحَتْ علينا سمومُ الصَّولجانِ؟!

الأرضُ شجرةٌ حُبلى بماءِ الحياةِ
عروسُ طيّبةٌ لكلِّ الكائناتِ
قطراتُ ندى متهاطلة 
     فوقَ اخضرارِ الدَّالياتِ
تحصدُ مواسمَ حبٍّ 
     قبلَ انفراجِ بسمةِ الباسماتِ
ترتدي وشاحَ اللَّيلِ
ثم تنثرُ محبّةً مفتوحةً 
     فوقَ جبينِ العاشقاتِ
الأرضُ أنثى منبعثة من وهجِ الأعالي
     من أعبقِ أعماقِ الخيالِ! 

يا صديقةَ عشقي
ما هذا الشَّوقُ المسربلُ
     بنكهةِ ارتعاشاتِ الجَّمالِ؟
يا خمرةَ ليلي
هَلْ نمْتِ يوماً بين شُجيراتِ الحنينِ
     بينَ نسائمِ الظِّلالِ؟ 

الأرضُ رذاذاتُ مطرِ هاطلٍ
     فوقَ خاصراتِ التِّلالِ
متى سنرتقي عشقاً نحو بهاءِ الهلالِ؟ 

الإنسانُ أنينُ بئرٍ عميقُ الدَّهاءِ
لا يرتوي من رعونةِ الطَّيشِ
     من رشِّ مفرقعاتِ الشُّرورِ
ولا من إمتطاءِ الشَّقاءِ
عقمٌ متناثرٌ فوقَ غلاصمِ العمرِ 
ينحرُ الإنسانُ أخيهِ الإنسانَ
كأنّهُ من نصلِ الخناجرِ 
منبعثٌ من أحشاءِ الجَّمرِ
شرورٌ من لونِ سمومِ الأفاعي

ملايينُ السِّنينِ والدِّماءُ تزدادُ إندلاقاً
     فوقَ بتلاتِ الأقاحي

حروبٌ تنمو في وهجِ الحياةِ
     في خلاخيلَ اللَّيلِ
قحطٌ مستشرٍ 
     فوقَ شهقةِ القلبِ

تغلغلَ اليباسُ 
     فوقَ ضفافِ الرُّوحِ

فرّتِ البلابلُ بعيداً 
     عن مخالبِ القرودِ
بشرٌ أدهى من ثعالبِ الوديانِ 
     أغبى من أغبى القرودِ
ماتَتْ أغصانُ الأماني
قبلَ أن تحلَّ على رحابِ الطُّفولةِ
     بسمةَ العيدِ! 
حلمٌ مستقطرٌ 
     من إندلاقاتِ بقايا الحنظلِ
شظايا مبرقعة بالغبارِ
تتهاطلُ فوقَ نداوةِ القرنفلِ

الأرضُ تاجُ المحبّةِ
شهقةُ عاشقةٍ مسترخيةٍ
     بين أحضانِ السَّنابلِ 
وداعةُ الحمائمِ في ليالي العيدِ
إخضرارُ المروجِ تبرعمَ     
     من شهقةِ أرضٍ 
          مكتنزةٍ بماءِ الحياةِ
شهقةُ الإنسانِ مشنفرةٌ بالنَّارِ 
إندلقَتِ الدِّماءُ في أعماقِ الأزقَّةِ
تخثّرَ الحزنُ في مآقي الأطفالِ
ضبابٌ كثيفُ الرُّعونةِ 
مسربلٌ بكآبةٍ هائجةٍ فوقَ برزخِ الرُّوحِ!

تلالٌ من الآهاتِ ترامَتْ
     فوقَ أوجاعِ الحنينِ
     فوقَ رِحَابِ السِّنينِ
فرّتِ الفراشاتُ بعيداً 
     عن رحيقِ الغُصَيْنِ
مَنْ لوّثَ وجهَ الضُّحى
     بتخشُّباتِ  الحوارِ السَّقيمِ ؟

تعفّرَ وجهُ اللَّيلِ من زئيرِ الطَّائراتِ
     من إندلاعِ شظايا القنابلِ

وقفَ الموتُ فوقَ ضياءِ الصَّباحِ
تخلخَتْ عناقيدُ القلبِ
     فوقَ حدائقِ بابل

خفِتَتْ تلألؤاتُ النُّجومِ
هاجَتْ براكينُ الحروبِ
تنفثُ سموماً 
أكثرَ من زعافِ الكوبرا
حربٌ على مساحاتِ خرائطِ الرُّوحِ
جحيمٌ على وقائعِ اللَّيلِ الطَّويلِ
دمعةٌ منسابةٌ فوقَ خدودِ الطُّفولةِ 
     فوقَ أغصانِ الدَّوالي
جثثٌ مرميّةٌ في أعماقِ البراري
لا يرتوي الإنسانُ من إندلاقاتِ الدِّماءِ
     من شراراتِ الشَّظايا
ينهضُ مرشرشاً براكينَ الموتِ
     فوقَ وجنةِ اللَّيلِ

نامَتِ المدينةُ على هديرِ الصَّولجانِ
     على أزيزِ النِّيرانِ 

شبحٌ من هشاشةِ الموتِ 
يلازمُ مفازاتِ غربتي
يصنعونَ شبحَ الموتِ 
كي يزرعوا بذورَ الموتِ 
     فوقَ أغصانِ الطُّفولة
     فوقَ صدورِ الشَّبابِ
     فوقَ هضابِ الكهولةِ
     فوقَ تموُّجاتِ العمرِ

مَنْ يستطيعُ أن ينقذَ شهيقَ الأطفالِ 
     من بارودِ المدافعِ
     من نيرانِ الوغى المتهاطلة 
          فوقَ خواصرِ البحارِ؟
يزرعُ الإنسانُ دونَ وجلٍ 
باروداً مميتاً فوقَ سفوحِ الجِّبالِ
     فوقَ رمالِ الصَّحارى

تاهَ النَّسيمُ 
بعيداً 
     عن حريقِ المدائنِ
بعيداً عن جنونِ الْمُداهِمِ
كم من الأجيالِ 
كم من الحضاراتِ 
كم من الآهاتِ 
كم من المهاراتِ 
     من العمرانِ 
     من ناطحاتِ السُّحابِ 
كم من الحكمةِ
آهٍ .. بعدَ كلّ هذا النِّضالِ المريرِ
لا أرى سوى براكينَ الدَّمِّ 
تزدادُ هطولاً فوقَ جماجمِ العصرِ 

تَبَّاً لكَ أيّها الضَّالّ 
     في أرخبيلاتِ الوغى
حروبٌ قابعةٌ 
     فوقَ غُصينِ الرُّوحِ 
     فوقَ ينابيعَ القلبِ 

حروبٌ في منتهى الشَّناعةِ
تشرخُ جبينَ الصَّباحِ

كلّما أنظرُ إلى وميضِ القمرِ 
     إلى تلألؤاتِ النُّجومِ
أزدادُ إندهاشاً 
كيفَ لا يبني الإنسانُ 
     معالمَ النُّورِ لبني البشرِ
كيفَ لا يفرشُ وهجَ الإخضرارِ
     فوقَ أغصانِ الأشجارِ؟

تساؤلاتٌ تدمي سماءَ الحلقِ  
لم أرَ ولم أسمعْ في حياتي
ذئباً إفترسَ ذئباً 
ولا نمراً إفترسَ نمراً 
في كلِّ يومٍ أرى إنساناً 
     ينهشُ قلوبَ البراءةِ
وحشيّةُ الإنسانِ تجاوزَتْ حدَّ الإزدراءِ 
صعودٌ مخيفٌ في رحابِ الإنحطاطِ 
إنحدارٌ نحوَ القاعِ
وقاحةٌ مدبَّقةٌ بالغدرِ  
مدنيّةٌ متهدِّلةٌ
كأنَّها منبعثةٌ من عصورِ الحجرِ

متى سيفهمُ أصحابَ الصَّولجانِ 
أنَّ رحلةَ العمرِ المضمّخة بالمحبّةِ
     أبهى من ترّهاتِ الصَّولجانِ
لماذا لا يتعلَّمُ الإنسانُ أنشودةَ الحياةِ
من خيوطِ الشَّمسِ وتغريدِ البلابلِ؟

سيأتي زمنٌ ليسَ بعيداً 
يضحكُ على جنونِ هذا الزَّمان
     على تقعُّراتِ سياساتٍ قابعةٍ 
          في قعرِ الحضارةِ

أوجاعٌ متفشّيةٌ 
     على مساحاتِ 
          وميضِ الرُّوحِ

فشلَتْ أبواقُ الحروبِ
     طائراتُ الشَّبحِ
     مدافعُ الهاونِ
     رشاشاتُ ديكتاتورييّ هذا العالم

فشلَ كلّ المتعطّشينَ إلى الدِّماءِ
توارَتْ أخلاقياتُ قرونٍ من الزَّمانِ
مَن يستطيعُ أنْ يزرعَ أغصانَ المحبّةِ
     فوقَ جفونِ اللَّيلِ 
أنْ يفرشَ وروداً فوقَ أراجيحَ الطُّفولة؟

وحدُها المحبّة ستهزمُ فظاظاتِ الصولجانِ
وحدُها المحبّة 
ستبني عشّاً هنيئاً لشهقةِ الطُّفولةِ
     لرحابِ العمرِ 
     
لا يصمدُ الصَّولجانُ 
في وجهِ خصوبةِ الرُّوحِ 
      نداوةِ البحرِ 
      عذوبةِ اللَّيلِ 
سماءُ المحبّةِ جامحةٌ
ممتدّةٌ من خيوطِ الشَّفقِ 
     حتَّى أقاصي زرقةِ السَّماءِ

وحدُها المحبّةُ شامخةٌ
قادرةٌ أن تهزمَ هديرَ الحروبِ
تزرعُ بسمةً يانعةً على وجنةِ الحياةِ
     على خدودِ الطُّفولةِ
     على أغصانِ القلبِ 
     على أجنحةِ اليمامِ
على شفاهِ الأرضِ أمُّ الأمَّهاتِ!
...... ... ... يُتْبَعْ الجّزء الرَّابع!

ستوكهولم: خريف 2000،  صيف 2004

*أنشودة الحياة ـ الجُّزء الثَّالث، نصّ مفتوح: قصيدة شعريّة ذات نفَس ملحمي طويل، تتألّف من عدّة أجزاء، كلّ جزء (مائة صفحة) بمثابة ديوان مستقل ومرتبط مع الأجزء اللَّاحقة، أنجزتُ المجلّد الأوَّل، (عشرة أجزاء)، يتناول هذا الجُّزء الَّذي بين أيدينا محوريَن أساسيَّين، هما الإنسان والأرض، لبناء هذا النَّص ـ الأنشودة المرفرفة فوق وجنةِ الحياة. وكم بدا لي الإنسان ضئيلاً أمام أمِّه الأرض، وقد أطلقتُ على الدِّيوان عنواناً فرعيَّاً: 

الإنسان ـ الأرض ، جنون الصَّولجان
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads