الرئيسية » » في هجاء جاليليو | رامي عبود

في هجاء جاليليو | رامي عبود

Written By غير معرف on الأحد، 19 مايو 2013 | مايو 19, 2013


في هجاء جاليليو
رامي عبود


جاليليو ..
أيها الفلكي المهرطق، الحكيم، الأحمق ، العالِم، المشعوذ، العلماني، الزنديق، الفيلسوف، الـمُحدِث، المبدع، المجدِّف، المبجَّل،
المتمرِّد على نظريات الأولين،
المتعدِّي على حديقة الإنسان الأفقية،
سجَّان البشرية بين قضبان الأرض المستديرة،
بغير نقطة انتهاء ولا اهتداء ولا مهرب،
كمثلِ ذُبَابِ التجارب :
يتكاثر اعتباطيا في بلّورة زجاجية ..
انتظارا للحظة حاسمة ..
حيث تُسكب على أجنحته الـمُتَراصَّة فوق بعضها البعض ..
تركيبةٌ جديدةٌ لمبيدٍ حشريٍ أنيق ..
يضمن مزيداً من لذِّة الارتواءِ ..
لمن يحلِبون الأرض.
*
جاليليو ..
أيها الفلكي المتغطرس.
ألا تُخبر أن الأرض لم تكن أبدا كروية ..؟!
ألا أراق الجلادون خطيئتك العلمية على صفحة العدم ..؟!
*
جاليليو ..
دعكَ من جنونك السماوي،
تخلَّ عن ذاك السخف العلمي،
تحلَّ ببعض الشجاعة،
وأعِدْ حساباتك الفلكية أو الفيزيائية أو الرياضية أو الخرافية ..!
اركع للأساقفةِ أو الكَرَادِلةِ أو الباباواتِ أو البطاركةِ أو القساوسةِ أو المشايخِ أو الحاخاماتِ أو الأحبارِ ..
أو الحمار.
قلّ لهم إنها زلة عقل،
أو زلة لسان،
بل قلّ لهم إنها زلة الزلات.
قلّ لهم إن الأرض ممتدة كساحات المعارك.
قلّ لهم إن الله أوجدها سطحيَّةً .. أقصد مُسَّطحةً منذ فجر الخليقة،
لها في كل طرفٍ هاوية،
نلقى عندها أوهامنا وأحلامنا وأمانينا ومشاعرنا وأفكارنا وثوابتنا ومبادئنا وقلوبنا ونظرياتنا،
بل وأجسادنا إذا اقتضت الضرورة،
كمن يُنحِّى قطعه الخاسرةِ عن مربعات الشطرنج،
أو يحني انتصابها المزعوم.
قلّ لهم إن الأرض ثابتةٌ لا تدور،
قلّ لهم أن قد أنهكتنا أبدية الدُوار .. أقصد أبدية الدوران في مدارات مُفرغة،
بلا هوية ولا وجهة،
حيث يكرر التاريخ أدواره الدرامية المملّة على شاشة الحياة الضيقة.
قلّ لهم إن خطوط الطول والعرض مغزولة من الأسلاك الشائكة.
قلّ لهم إن الأرض مُثلَّثة أو مستطيلة أو مربعة أو مُدقِعة،
زواياها حادة،
وخطوطها مَـحنِيَّة .. أقصد خطوطها مُنحَنِيَة.
*
جاليليو ..
أعِد تسمية نظريتك البوهيمية هذه،
ربما يجدر بك أن تُطلق عليها "نظرية الهاوية"،
ألا يبدو هذا الاسم أكثرَ مَكراً وخِداعاً لرجال الكنيسة ..؟!
أليست الهاوية ثغرة الفِكَاك ..؟!
بل هي مدىً آخر مخضَّبٌ بروح المغامرة،
وموقعٌ أرضيٌ مثاليٌ لانتحار الأحلام عند سَفحِ الفضاء المثير،
علَّها تفيق لحظة الصعود .. أقصد لحظة السقوط،
على دوي السكون الآسر يحِفُّ بأطراف ثيابها المتهتكة،
وتدرك أنها غير مرحبٍّ بها على الأرض،
تماما كما بذور الحياة الهالكة تهوي في أجساد العاهرات.
ولكن  ..
كيف الفِكاك ونحن محاصرون بهذا الكم الهائل من مَسَابِير الفضاء ..؟!
تَرقب ُكل همسةٍ أو لمسةٍ أو نظرةٍ أو حركةٍ أو فكرةٍ أو كلمةٍ أو فكاهةٍ أو إيماءةٍ أو صفعةٍ أو حذلقةٍ أو فذلكةٍ،
بل ربما تسبر أغوار لقاءاتنا الحمِيمِيَّةِ بين الحين والآخر،
وتعُدُّ علينا أنفاسنا :
فهذه خمسمائة وأربعة وثلاثون نَفَساً أخرى أعرناها إياه اليوم،
إذاً يبقى له في ذمتنا مِثلها ليوم آخر ..
وحَشرَجَتان لو أحسن التصرف ..!
*
جاليليو ..
دعك من "كوبرنيكوس" .. هذا الذي أفسد عليك عقلك.
كِل له السِباب العلني على مشهد من نبلاء العصر وكَرَادِلة القصر،
قلّ مثلا : "كوبرنيك يا وِش النملة .. من قالك تِعمل دِي العَملة".
ثم قلّ لنا إن الأرض هي مركز الكون،
وابنة الإله المدللة.
إن الشمس جاريتها وحائكتها الصباحية وجليستها المفضلة.
إن القمر عبدها الأبيض ومُهرجها في المساء.
إن النجوم فتيات تَتهزهز في حَرَمْلِك فَلَكِها الزيزفوني.
إن منتهاها المنحدِر ..
هو صخرة الخلاص،
وملاذ العاشق ..
حين يملُّ العيش بين قضبانها اللانهائية الالتفاف.
*
جاليليو ..
أي شيطان أحمق تَلَبَّسك ..؟!
أعلن توبتك على الملأ،
أو انتظر لأربعة قرون أخرى  ..
كي تبدي الكنيسة اعتذارها عن جرمٍ اقترفْتَهُ "أنت" في حقها ..!

المجد لمحاكم التفتيش.

26 فبراير 2013
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads