هكذا
تمر ذاكرتى على الأشياء
مهداة
"
إلى القوميين العرب "
مع خالص
العزاء
لا أنتِ من شجر ِالبلادِ ،
ولا أنا مُتواطئٌ
خمسون ألف حديقةٍ
وينامُ قلبٌ فى العراءْ
أنا أشبِهُ التاريخَ حينَ
تمرُّ ذاكرتى على شجرٍ
عجوزٍِ
مثلما أتذكَّرُ الآن
النشيدَ وثورتى والأنبياء
تمرُّ ذاكرتى على الأشياءِ
أفتتِحُ النشيدَ ولا أغنِّى
!
أنْحَنِى للأنبياءِ ولا
أصلّى !
وحدَها الثوراتُ ؛
تصحبُنى إلى حاناتِها
لنصيرَ عُشاقاً
أنا ورفاقىَ الأحرارُ
أعرفُ حانةً أخرى
هنالك عند أطرافِ المدينةِ
لا تليقُ سِوى بحزنكِ
واحتفالِكِ
فاذهبى خلفَ الجموعِ ،
وراقصى مَنْ شئتِ
ثَّمةَ ثورةٌ كُبرى بلا
" جنرالَ "
يُلْقِى كُلَّ أعدائى -
الذين كرهتُهم - فى البحرِ
أنتِ مَدِينةٌ لى بانفجارى
كنتُ أبدو مثل درويشٍ
تبدَّدَ وعيُه
فى حلْقةِ الذِّكرِ
الأخيرةِ
قبل أن يمضى به المتصوفونَ
إلى الحقيقةِ
أيُّنا سيكرِّرُ المأساةَ :
أنتِ
أمْ القصيدةُ ؟!
لم
أكُنْ من قبلُ ثورياً
ولكنِّى
هتفتُ لعسكرىٍّ واحدٍ !
وتميمةُ
الشعراءِ تنزفُ من يدى
وعلى
جبينى غُصنُ زيتونٍ وماء .
مثل
تاريخ البطولاتِ القديمةِ ،
واحتفالاتِ
القبائلِ
كانَ
يمكنُ أنْ أغنِّى ،
أنْ
أسوقَ الشمس ناحيةَ الخرائبِ
أنْ
أقدِّمَ وردةً لمقاتلينَ
وأنتِ
واقفةٌ على رمل الفجيعةِ
ترقُبينَ
ملامحى
وطقوسَ
حفلى !
وحدَهُ
كان
المُغنِّى فى بلادى قادراً
أنْ
يُمسِكَ الثوراتِ فى موَّالِهِ
ويعيدَ
مرَّاتٍ نداء الصبرِ :
(
يا لَيْلِى )
ويا
وطنى
أنا
هذا الفدائىُّ الشهيدُ
خرجتُ
من رحِمِ الأناةِ مُضرَّجاً
وبكيتُ
أرضى ، واشتهيتُ منازلى
فمتى
أعودُ مُفَخَّخاً
أشتمُّ
رائحةَ احتراقى ؟
خلفىَ
الحجرُ المراوغُ ،
طفلةٌ
تبكى ، وأشجارٌ تموتُ
موزَّعٌ
جسدى
ومورِقَةٌ
دِمائى
لم
أعدْ أنا ذلكَ الدرويشَ ..
كيف
أدسُّ بين قصائدى خمسين سنبلةً وصيفْ !
والناسُ
جوعى والبلادُ ..
وفى
يدِ الثوارِ قُنبلةٌ وسيف !
منذ
خمسين انفجاراً
مرَّ
ثوريون قُدَّامَ المحطةِ
(
كلُّ ثورىٍّ سيذكرُ
مرةً
أو مرتينِ على الأقلِّ جراحَنا )
بَيْنَا
هنالكَ
كنتُ
أنتظرُ القصيدةَ
مُثقلاً
بالوقتِ
والتفكيرِ
فى تلكَ الخطيئةِ
(
كيف تُنتَظرُ القصائدُ هكذا ؟!)
وأنا
مَدِينٌ للبلادِ بشهوةٍ ؟
هل
صوَّبوا هُم نحوَ عينىَّ البنادقَ ؟
أم
رفعتُ يدىَّ من تلقاءِ نفسى ؟
أعلنَ
الثوَّارُ أنى شاعرٌ
غادرتُ
قافيتى ببيروتَ القديمةِ
وانضممتُ
إلى مِلِشْياتِ التمرُّدِ
(
مَرَّ من قبلى دمشقيونَ وانتحروا على الأبوابِ )
قالوا
:
-
مَنْ وراءَكَ ؟
-
قلتُ حرفى
-
والرفاقُ ؟
-
موزَّعونَ على امتدادِ الجرحِ
من بغدادَ حتى مغربَ المجدِ المُطرَّزِ
مِنْ رَمادِ الأغنياتِ ،
ومن جنونى
سوف
تكتشفين ذاكرتى
وتقتربين
من منفىً بعيدٍ
كان
شيَّدَهُ الطُّغاةُ
على
حدودِ الروحِ
لا
قلبى ولا أعضائىَ احترقوا
(
هى الذِّكرَى )
تحلِّقُ
وحدَها فوقَ البلادِ اليعرُبيةِ
قبل
أن ألقى على بغدادَ عاصفتى ورَمْلى
كنتُ
مُتَّكِئاً على التاريخِ
أنظرُ
للعراقىِّ المحاربِ واقفاً خلفَ التلالِ
يطوِّحُ
الثوراتِ
واحدةً
فأخرى ..!
سبَّ
من قبلُ الزعيمَ وصبَّ لعنتَهُ على القومىِّ
هاجرَ
وابْتنَى عُشَّاً
وأوغلَ
فى البهاءِ
وفى
الخديعةِ
مَرَّ
خمسونَ انفجاراً
والتى
هى ثورةٌ تمتدُّ
مثل
خُرافةٍ
صُنَّاعُها
متورِّطونَ
وعاشقوها
أبرياءُ
مَنِ
الذى بَدَأَ النشيدَ العبقرىَّ
العسكريون
الطُّغاةُ ؟
أم
المُغنِّى ؟
