الرئيسية » , » نص رسالة الشاعر بشير عاني عن زوجته أمل التى دفنها العام الماضي

نص رسالة الشاعر بشير عاني عن زوجته أمل التى دفنها العام الماضي

Written By هشام الصباحي on الخميس، 10 مارس 2016 | مارس 10, 2016

نصر آخر للشعر وهزيمة أخرى لداعش .

محمد سليمان زادة

إعدام الشاعر بشير عاني وولده بتهمة الردة . بشير العاني الذي ماتت زوجته أمل قبل عام وأستطاع أن يدفنها في دير الزور … هذا نص رسالته عن أمل .
وهذه هزيمتي الأخرى
حاولت، وخلال عام بالتمام والكمال، أن أشتري لها حياة.. أن أطيل عمرها ولو لسنوات قليلة.. أن أؤجل موتها..
حاولت وحاول معي فريق كبير من الأطباء والفنيين ومن الأهل والأصدقاء ..
حاولت وحاولت هي معي، فأعطت نفسها بصبر وشجاعة لكل أصناف العلاج.. وما “أقساه”..
كان أملها بالشفاء لا يوصف، ومنه كنت أستمد يقيني أننا سنهزم مرضها.. هذا الخبيث.. وكنا نردد هذا معاً: أجل سنهزمه..
حاولت رغم إن الأطباء أخبروني إن وضعها صعب للغاية وحالتها “متقدمة”.. إلا أنني لم أفقد الأمل بمعجزة يصنعها جسدها القوي وإرادتها التي اختبرت طوال عشرين عاما مدى صلابتها وإصرارها.. بعد أربعة أشهر نصحني الأطباء بترك “دمشق” والذهاب بها إلى أهلها في “دير الزور” لزجها في وسط اجتماعي أوسع خشية أن تستدرجها الكآبة، ومنذ ذلك الحين صار لزاماً علينا أن نسافر كل ثلاثة أسابيع إلى دمشق لتلقي “الجرعة” الكيماوية ومتابعة العلاج والفحوصات الأخرى..
في الطريق إلى دمشق، وخلال هذه الأشهر، تقطّعت بنا الدروب مراراً.. ومُنعنا من السفر مراراً، وتهنا في البراري، وقضينا الساعات الطويلة على الحواجز .. لكن لم يثننا كل هذا عن السفر أو ابتكار طرق جديدة له..
قطعنا الفرات بالسفن البدائية إلى الضفة الأخرى، حيث “الدولة الأخرى”.. ومنها إلى “الرقة” وأحياناً إلى “الحسكة” ومن ثم ” القامشلي” لنستقل الطيارة حين لا يكون البرُّ متوفراً..
في الطريق إلى دمشق، وحين يداهمنا الليل، كان دائماَ ثمة أصدقاء عرب وأكراد لنبيت ليلتنا عندهم.. أما الأقسى فهو تضاعف المسافة بين دمشق ودير الزور(465 كم)، إذ بات علينا أن نمرّ بمعظم سوريا لنصل دمشق.. واستحملنا ذلك لعل وعسى..
لم تكلَّ هذه “الناقة” الفراتية.. ربما تألمت.. بل تألمت وتألمت.. لكنها بقيت تشنكي بكبرياء.. وتعض على روحها بصبر نبيل، مصرة على مواعيد جرعاتها..
قبيل شهر من رحيلها أمسكت يدي وهمست: “يبدو أنها النهاية”.. كنا قادمين تواً من الشام وكان الأمل بالشفاء يتراجع وجسدها ينهار بسرعة.. فـ(الخبيث) صار في عظامها..
منذ تلك الكلمات شعرت بأنها قد دخلت في “المحظور”.. وأننا هُزمنا..
بلى يا “أماني” هزمنا.. وهزمنا..
لم نستطع با صديقتي أن نثبّت الحياة في عينبك.. وأن نطوح الموتَ بالضربة القاضية..
ولم تستطع كلماتي أن توقظ الدفء في أصابعك النحيلة التعبة..
ولم أستطع سوى النحيب..
على قبرك سأكتب: “هنا ترقد امرأة شجاعة في زمن جبان..”
وأمامه سأقف كثيراً، لا لأعتذر عن هزيمتي، بل لأصرخ: أيتها الأنثى.. أنا ممتلئ بكِ.. ممتلئ بكِ.. وهذه هزيمتي الأخرى.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads