الرئيسية » , , , , , , , , » روي بيتر كلارك: اصنع نمطا ثم قم بانعطافة مفاجئة ترجمة: علي سيف الرواحي

روي بيتر كلارك: اصنع نمطا ثم قم بانعطافة مفاجئة ترجمة: علي سيف الرواحي

Written By تروس on الخميس، 10 مارس 2016 | مارس 10, 2016

روي بيتر كلارك: اصنع نمطا ثم قم بانعطافة مفاجئة
ترجمة: علي سيف الرواحي
 


أنشئ هيكلين متوازيين لكن مد جسرًا بينهما

 

يشكل معظم الكتاب كتاباتهم النثرية عن طريق بناء هياكل متوازية في كلماتهم وجملهم. في هذا الإطار تقول الكاتبة (دينا هاكر) في كتابها دليل الكاتب “عندما تتوازى فكرتان أو أكثر، فإنه من الأسهل استيعابهما حينما يعبر عنهما في نمط نحَوي متواز. النص يجب أن يكون متوازنًا بجميع كلماته المفردة والتعابير والجمل”.

 يمكن رؤية تأثير هذا الأسلوب بكل وضوح في خطابات المتحدثين العظام من أمثال (مارتن لوثر كينج) الذي يقول:

 ” دع الحرية تجوب أرجاء الوطن بدءًا من تلال “نيوهامشير” الاستثنائية. دع الحرية تحلق منطلقة من قمم جبال نيويورك العظيمة. دع صيت الحرية ورنينها يجوب سلسلة جبال بنسلفانيا الشاهقة. وأطلق العنان لتلك الحرية لكي تخترق القمم الثلجية لجبال الروكي في كولورادو.”

 لاحظ كيف قام (كينج) ببناء نمطٍ تصاعدي من خلال تكرار بعض الكلمات وهيكلها النحوي، حيث قام بتكرار معنى الجبال الشواهق وقممها بكلمات مختلفة واستخدم صفات مختلفة للتعبير عن عظمة تلك الجبال.

 “استخدم أنماطا متقابلة متى ما استطعت ذلك” ينصح الكاتب (شيردان بيكر) في كتابه “الأسلوبي العملي”، حيث يقول أيضا “الأفكار المتساوية تتطلب نظاما بنائيا متوازيا”. بعدما انتهيت من قراءة كتاب (بيكر) عثرت على مقالة من تأليف أحد كتابي المفضلين (جي كي شيسترتن) الذي قام بتأليف قصص بوليسية، وكتب دينية، والعديد من المقالات الأدبية في بداية القرن العشرين. ويظهر أسلوبه الرصين في استخدامه البناء المتوازي من خلال الجملة التالية:

 “حاملا عصاي وسكيني، وطباشيري وأوراقي البنية، تابعت مسيري إلى عظمة المجهول”.

 الجملة السابقة تمضي بخطى واثقة وهي تستند على محورين رئيسين في البناء المتوازي: أولهما استخدامه المتكرر لـ “ياء” الملكية في أربعة مواضع متوازية، ثم ربط تلك المواضع بحرف الواو.

 يعتقد (نيل بوستمان) بأن مشاكل المجتمع لا يمكن حلها بالمعرفة وحدها. وقد صاغ اعتقاده ذاك بمجموعة من الأقتراحات المتوازية:

 “إن كان يوجد أناس يعانون من الجوع، وطبعا يوجد، فليس ذلك بسبب قلة المعرفة. وإذا كانت الجريمة تعيث فسادا في الشوارع، فإن قلة المعرفة ليست السبب وراء ذلك. وإذا أسيء إلى النساء والأطفال، فشح المعلومات ليس له دخل في ذلك. وإن كانت مدارسنا لا تعمل كما يجب ومبادؤنا الديمقراطية تفقد قوتها، فليس وراء ذلك قلة المعرفة. وإذا كانت تلك المشاكل تنخر عميقا في مجتمعاتنا فإنه بسبب وجود شيء آخر ينقصنا.”

 من خلال تكراره للجمل الشرطية وإنهاءه تلك الجمل بتعبير “قلة المعرفة أو المعلومات”، فإن (بوستمان) يحاكي دقات طبلٍ لغوية بصورة مقنعة.

هكذا وبصورة مفاجئة بدأت في رؤية تلك الأنماط المتوازية في كل مكان. وفيما يلي مقطع من رواية “المخطط المضاد لأمريكا” للروائي (فيليب روث)، فيه إحدى جمل (روث) الطويلة التي يشتهر بها يصف فيها حياة الطبقة اليهودية العاملة  في الأربعينيات من القرن العشرين:

 “يعمل الرجال خمسين وستين وحتى أكثر من سبعين ساعة في الأسبوع. بينما تعمل النساء طوال الوقت وبمساندة محدودة من آلات العمل، يقمن بغسل الملابس وكيها، يرقعن الجوارب، ويصلحن الياقات ويخطن الأزرار في مكانها، وينقين الصوف من حشرات العث، ويلمعن الأثاث، ويمسحن ويغسلن الأرضيات، وينظفن زجاج النوافذ، ويعدن ترتيب المطابخ، وينظفن السجاد بالمكانس الكهربائية، ويقمن بعناية المرضى، ويتسوقن ويطبخن الأكل، ويطعمن اقربائهن، ويرتبن الخزائن والأدراج، ويشرفن على دهان المنازل وإصلاح البيوت، وينظمن الطقوس الدينية، يدفعن الفواتير ويحافظن على كتب العائلة في الوقت نفسه الذي يقمن برعاية أطفالهن وشراء الملابس لهم ومتابعة دراستهم وإطعامهم والسهر على راحتهم وتعليمهم فضائل الأخلاق”.

في النص الإبداعي السابق المدوخ للعقل أحصيت تسعة عشر تعبيرا متوازيا، جميعها بنيت على التعبير الأول “يقمن بغسل الملابس”. وهنا يكمن سر (روث) في تحويله للنص العادي إلى مقطوعة موسيقية عن طريق تفكيك الفعل الواحد إلى تفاصيله ومشتقاته الجزئية. وقام (روث) بحركة أخرى حيث كسر النمط في الجملة الأخيرة عندما تحدث عما يقوم به هؤلاء البسطاء لعوائلهم وهو مواز لما يقومون به للعوائل التي يعملون لديها.

 والبناء المتوازي النقي يشبه في وقعه الانفجارات المتتابعة. لكن البناء المتوازي الذي يحمل انعطافة مفاجئة يكون كالانفجارات الصغيرة التي تنتهي بانفجار كبير. وهذه الأنماط الحاملة للمتغيرات الذاتية هي المكون الأساسي لبعض التعبيرات المتداولة كالأمثولات الشعبية والحكم الشعرية.

 كلنا يعرف شعار (سوبرمان) الذي يقول: “الحقيقة والعدالة والعيش على الطريقة الأمريكية” وهو يحمل انعطافة لطيفة في جزئه الأخير؛ حيث تم التلاعب في معناه الذي يشير بكل بساطة إلى الوطنية أو حب الوطن. وهذا الكسر للنمط كثيرا أضاف قوة في المعنى في نهاية خطاب (مارتن لوثر كنج) الآنف الذكر.

 عندما وجه (كينج) بوصلة الحرية ناحية الجنوب الأمريكي المعروف بالتمييز العنصري آنذاك، أحدث تغييرًا كبيرًا في النمط. فقد قام باستبدال الوصف الجغرافي العام للأراضي الأمريكية بتحديد مناطق بعينها مرتبطة بالعدالة الاجتماعية: جبال صخرية وأخرى ذات إطلالة جميلة. وهذا التغيير الأخير لم يصف بسخاء الجبال الشاهقة في ميسيسيبي فحسب بل أيضا كل زاوية وركن وحفرة من ذلك المكان.

 معظم الكتاب لا يحسنون استغلال تقنية البناء المتوازي (أو المتناظر). وقد ينتج عن ذلك عدم انسيابة في النص والمعنى. ونرى تأثير أسلوب الكتابة هذا جليا في كتابات تاريخية عظيمة للقديس (بول) والرئيس الأمريكي محرر العبيد (ابراهام لينكون) الذين كتبا نصوصا غاية في الفصاحة وذات معنى نافذ عابر للزمن.

تمرينات عملية

 ١. قم بمعاينة آخر كتاباتك واضعا أسلوب المتقابلات في الحسبان. ثم استخرج أمثلة على استخدامك للبناء الموازي. وانظر هل هنالك فراغات  قد تشعر القارئ بعدم ترابط الجمل.

 ٢. عندما تقرأ الروايات والكتابات الإبداعية في الصحافة، قم بالإشارة إلى الأنماط المتوازية وحاول استنباط تأثيرها المحتمل على القارئ.

 ٣. تلاعب، على سبيل الدعابة، بتلك التعابير المتوازية بتغيير عنصرها الملتوي.

 ٤. سيساعدك تمييز الأنماط المتوازية على اكتشاف الانعطافات فيها وكسر النمط في عنصرها الأخير. ركز في الجانب الغرائبي منها.

المصدر: تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads