الرئيسية » » عن القدود الحلبيَّة | عاطف عبد العزيز

عن القدود الحلبيَّة | عاطف عبد العزيز

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 8 أكتوبر 2014 | أكتوبر 08, 2014

عن القدود الحلبيَّة

أرتعبُ من التَّبسيطِ المُخلِّ إذا قالَ رجلٌ لامرأةٍ: «أحبُّكِ»، لذا عشتُ عمري محرومًا من التَّفاصيلِ التي حظَيَ بها أقراني أصحابُ الأعصابِ المتينة. وأرتعبُ، إذا قلتُ إن الشَّرقَ كلَّه حالةٌ مستعصيةٌ، مع أنه على الأقلِّ حالةٌ مستعصية، جرثومةٌ تأخذُ قيلولتَها في شرايينِنا –نحن الرِّجالَ- بالنَّهارِ، ثم لا تلبثُ أن تصحوَ حين نأوي إلى النَّوم.
نظرةٌ واحدةٌ إلى الشِّيوعيينَ القُدامي الذين عادوا من سجونِ الشَّامِ، واندملتْ جراحُهم؛ سوف تضعُ النِّقاطَ على الحروفِ، نعم .. نظرةٌ إلى أولئك الذين تمازجتْ دماؤهم تحتَ أحذيةِ الأمنِ الثَّقيلةِ في شتاءِ حَلَب، الذي هو شتاءُ حَلَب؛ قد تُبينُ عن الشَّوطِ الذي قطعتْهُ الإهانةُ في مرابعِ العشيرةِ، حينما انقلبَ بنا النَّاموسُ، وصارَ من العاديِّ، أن يشهدَ الواحدُ في ديرتِهِ سِرْبَ نحلٍ يحطُّ على الرَّوَثِ في رائعةِ النَّهار، وحصانًا .. ينطُّ على حصان.
«اذهبي وحدَكِ إذن إلى الشِّعر!»، 
على هذا المنوالِ، قضيْنا الليلَ نهمسُ في أُذْنِ الحلبيَّةِ الحزينة، من أجلِ أن تُحرِّرَ نفسَها من ظِلِّ العائلةِ الذي لا يُحتمَل، فيما راقَ لها، أن تتأمَّلَ أباها الفاتنَ وهو ينتبهُ -في الوقتِ الضَّائعِ- لنصيبِه المنسيِّ من كعكةِ التَّخلُّفِ، لا لشيءٍ إلا لأن قدَّها استقامَ فجأةً في الطَّريق، وترجرجَ لها نهدانِ. بوسعِ صاحبتي الآنَ مراقبةُ الطَّليعيِّ القديمِ وهو يسعى في الأسواقِ بشالٍ نظيفٍ، وسروالٍ واسعٍ، وحافظةِ نقودٍ من جلدِ الغزال، بعدما اطمأنَّ إلى أن الطَّبقةَ العاملةَ غفتْ في فِراشِها قريرةَ البال، وقرأَ الفاتحةَ على روحِ ماركس، ليُصبحَ خالصًا لنضالِه الحزبيِّ الجديد، حيثُ تُبذَلُ الحياةُ هناك رخيصةً، لأجلِ صيانةِ العِرْقِ الكرديِّ من إغارةِ العُربان.
أرتعبُ أيضًا من التَّبسيطِ المُخلِّ إذا قالتِ امرأةٌ على سَفَرٍ: «أحبُّك»!، فهل هذا ما جعلني أناشدُ فتاتي رفعَ قلبِها من الخِدمةِ ولو لبعضِ الوقت، والكفَّ عنِ التورُّطِ مع البيوتِ العابرةِ، والأثاثِ العابرِ، والبشرِ العابرين؟! نعم .. ناشدتُها رفعَهُ عاليًا، مادامَ آخرَ ما تبقَّى من أشيائها في مدينةٍ مغناجةٍ كتلك، اعتادتْ أن تُطلَّ على المضيقِ غيرَ آبهةٍ بأحوالِ المهاجراتِ العاشقات، وربما، كان آخرَ ما يدلُّ على أن غُصينَ البانِ لم يزلْ كاليُسْرِ.
«اذهبي وحدَكِ»، لم تكن تعني في الحقيقةِ سوى أن تذهبَ البنتُ وحدَها إلى الإلهِ الذي لا يستقبلُ زبائنَهُ إلا فُرادى، حيثُ لا شهود هنالكَ على فضائحِنا التي تنمو على مهلٍ، خلفَ سِتارةِ الكلام.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads