ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ
ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ | وكأنها لبستْ قميص زبرجدِ |
والشمسُ عاصبةُ الجبينِ مريضةٌ | تصفرُ في منديلها المتورَّدِ |
حسدتْ نظيرتها فأسقمها الأسى | إن السقامَ علامةٌ في الحسَّدِ |
ورأت غبارَ الليلِ ينفضِ فوقها | في الأفقِ فانطبقتْ كعينِ الأرمدِ |
ومضى النهارُ يشقُّ في أثوابهِ | حزناً وأقبلَ في رداءٍ أسودِ |
فتهللتْ غررُ النجومِ كأنما | كانت لضاحيةِ السماءِ بمرصدِ |
وكأنها عقدٌ تناثرَ درُّهُ | من جيدِ غانيةٍ ولم تتعمدِ |
أو حلي رباتِ الدلالِ أذلنهُ | شتَّى يروحُ على النهودِ ويغتدي |
والأفق بينَ مفضضٍ ومذهبٍ | كالجيدِ بينَ معطَّلٍ ومقلَّدِ |
وكأن صفحةَ بدرهِ إذ أشرفتْ | مصقولةَ الخدينِ صفحةَ أمردِ |
وكأنَّ ضوءَ الفجرِ رونقُ صارمٍ | نضيتْ صفيحتهُ ولما تغمدِ |
والأرضُ في حللِ كُستْ أطرافها | إلا معاصمَ نهرها المتجردِ |
حفتْ جوانبهُ الرياضُ كأنها | وشيُ الفرندِ على غرارِ مهندِ |
وكأنهُ صدرُ المليحةِ عارياً | ما بينَ لبتها وبينَ المعقدِ |
وكأنَّ أثواب الرياض من الصبا | عبقتْ بأنفاس الحسانِ الخُرَّدِ |
يمشي النسيمُ خلالها مترنحاً | بينَ الغديرِ وبينَ ظلٍّ أبردِ |
والطيرُ مائلةٌ على أوكارها | منها مغردةٌ وغيرُ مغرِّدِ |
باتتْ تناغي لا تحاذرُ فاجعاً | مما نكابدُ في الزمانِ الأنكدِ |
يا طيرُ ما في العيشِ إلا حسرةً | إن خلتها نقصتْ قليلاً تزددِ |
لم يمنعِ القصرُ المشيدُ ملوكهُ | منها فكيفَ وفاكها الغصنُ الندي |
تأبى على الأحرارِ إلا ذلَّةً | ولو أنهم صعدوا ومدارَ الفرقَدِ |
فانعم بوكركَ إنه لكَ جنةٌ | كالخلدِ لولا أنت غيرُ مخلدِ |
كم واجدٍ منها تقاذفَ قلبهُ | ذاتُ الدلالِ فإن دنا هو تبعدِ |
فتاكةُ الألحاظِ أنى يممتْ | سمعتَ زفيرَ متيَّمٍ متنهدِ |
كالبدرِ لولا أنها أنسيةٌ | والشمسِ لولا أنها لم تعبدِ |
قالتْ عشقتَ وما قضيتَ كمن قضوا | هذا الطريقُ إلى الردى فتزودِ |
دعْ عنكَ أمرَ غدٍ إذا ما خفتهُ | يوماً لعلكَ لا تعيش إلى غدِ |
فلقد أراك اليومَ من أثرِ الهوى | كالشمسِ إن لم تحتجبْ فكأنّ قدِ |