أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
أَخرجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ | هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيضكَ هَاتِ |
زَهَرَاتُ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً | وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَرات |
صَيَّرتْ صفْحَة َ الرِّياضِ سماءً | وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّرات |
لم تُفارِقُ كِمَامَها وشذاها | يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهات |
تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخذَّ لَهَاخَ | دًّا فَتَجْرِي في خَشْيَة ٍ وأناة ِ |
مُصْغِياتٌ إذا الْحَمائمُ رَنَّتْ | بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَات |
ضاحِكاتٌ إذا بَكَى عابس الْغَيْ | ثِ وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَات |
وإذا ماجَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ | لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلات |
إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً | فَوْقَ حُسْنِ الَمَلامِحِ الفاتِنَات |
كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ | ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَات |
فانظُر الرَّوضَ لا تَرَى غَيْرَ تِبْرٍ | من تُرَابٍ ودُرة ٍ مِن حَصَاة ِ |
حَبَّة ٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً | ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ |
ونَواة ٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَخْلٍ | وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَات |
يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشيداً | مَوْصِليَّ الأَدَاءِ والنَّبَرات |
يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه | فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَات |
كم تهادَى مع النَّسِيم اخْتِيالاً | كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَات |
تَتَناءَى به الظِّلاَلُ لِجَمْعٍ | ثم تَدْنُو مُدِلَّة ً لِشَتَات |
مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ | بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاة |
أو كوَجْهِ الحَسناءِ يَبْدُو ويَخفَى | بين مَيْل الْهَوَى وخوْفِ الوُشَاة ِ |
كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاة ٍ | سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاة |
وإذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ | حَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَات |
وحَبَاها خِصْباً إذا مَسَّ صَخْراً | تَرك الصخرَ جَنَّة َ الجَنَّات |
رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ | وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ |
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ | تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّة ُ الكَائِنات |
لَكَ كَفّان تلك تُعْطى وهَذِي | تَتَلقّى مَثُوبة َ الْحَسنَات |
تَرْتَجِي الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْ | سِ لك اللّه يا أَخا التُّرَّهَات |
ضِلَّة تَطُلبُ الزُّلالَ من النّا | رِ وتَبْغِي غَضارة ً من فَلاَة |
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأَحْ ع لاَمِ فانهَضْ وُقِيتَ شرَّ السُّباتِ
| |
قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى | حُسْنهُ بالْحَدائقِ الباسِقات |
وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً | وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَات |
وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ | هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَات |
وَغَذَوْنَاهُ طَيِّباً بجُهودٍ | ضاعَفَتْ مِن ثِمَارهِ الطَّيَّبَات |
وَحَميْناهُ أن تَعيثَ به الأَيْ | دِي وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الْجُنَاة |
وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا | لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِنَات |
وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ | وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَرات |
إِيهِ يا رَوْضَة َ المَعارِف لازِلْ | تِ مَثَابَ الْخَيْراتِ والْبَرَكَاتِ |
أنت أنَبتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً | نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعات |
أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّة ً وذَكاءً | وكذا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزات |
خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِساحٌ | لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُوات |
سَلكَتْ أوْسطَ الطَّرِيقِ وجَازَتْ | كُلَّ مافي الطَّرِيقِ من عَقَبَات |
وجُهُودٌ تمضي وتَأتِي جُهُودٌ | مُحْكَماتٌ مَوصُولة ُ الْحَلَقَات |
نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْ | رَ دُرُوعاً حَصِينة ً سابِغَات |
إِنَّما مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْ | رَ دَبِيبُ الْحَياة ِ بين الرُّفَات |
جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي | فالقِ الْحَبّ باعِثِ الأَمْوات |
أَرْسَل اللّه للكِنَانة ِ نَدْباً | هِبْرِزيَّ الأعْراقِ والعَزَماتِ |
فأَتَاها محمَّدٌ جدُّ إِسْما | عِيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَيَاة |
هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ العَيْ | نَ وَيمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلُماتِ |
هلْ رأيتَ الغَدِيرَ يَنْسَابُ في القَفْ | رِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَات |
هل رأيتَ الْحًياة تَسْرِي إلى الجِسْ | مِ فتُحْيِي عِظاَمَه النَّخِرَات |
هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفارٍ | واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ |
لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي | غَرَضٌ جَاء فِي اتّجاهِ الرُّمَاة |
جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ | مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاة ِ |
نكَئوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا | قَطَرَاتٍ تجْرِي إِلى قَطَرَات |
لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ | مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِسات |
يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ منَ الضَّوْ | ءِ ولو كانَ في ابِتسامِ الفَتَاة |
لمَ يَكُنِ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ | هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَات |
كَذُبَالِ المِشْكاة ِ قَدْ جَفّ إِلاّ | أَثَراً من بُلاَلة ِ المِشْكَاة |
فَأتَى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا | ها بِرَأْيٍ وَعَزْمة ٍ وَثَبَات |
لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ | مُهْطِعاتٍ لأمْرِه صاغِرَاتِ |
شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا | نّا مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَات |
وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ | عَلَويِّ فكانَ خَيْرَ البُناة |
نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ | تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إلى نَهَضَات |
أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْ | بُ يقُودُ المُنَى إلى الغَايَات |
ورَأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً | دانياتٍ قُطُوفُها زاهِيَات |
كلَّ يومٍ عند الصّباحِ تَرَى جَيْش | اً مِنَ النَّشءِ صَادِقَ الوَثَبَات |
جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي | ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاة |
طَلَعوا أَوَّل الغَداة ِ فَزَانُوا | بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاة ِ |
مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً | ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلات |
نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم | أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرات |
ورأيتُ الفِلْذَاتِ تَمْشي على الأرْ | ض فَخَلُّوا الطَّرِيقَ للفِلْذَات |
هُمْ أَمانِيُّ مِصْرَ هم مُرْتَجاها | هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخَافِقَات |
مائَة ٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ | زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاَت |
بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً | فوقَ شَأْوِ الكَواكِب السّابِحات |
وغدَا مَجْدُها الْحدِيثُ وقد شا | عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاة |
أصبحتْ كَعْبَة ً يَحُجّ إِليها الشَّرْ | قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْنات |
تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى | بين ماضٍ زاهِي الْجَبينِ وآتِي |
كلُّ تاريخها كتابٌ من المَجْ | دِ كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَات |
بَعَثتْ دارِسَ الفُنونِ وأحْيَتْ | بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغَات |
وأعادَتْ إلَى العُلوم مَنَاراً | كان صُبْحِ الدُّجَى وهَدْي السُّرَاة |
أَنجَبتْ للْبِلاد أبطالَ عَزْمٍ | هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ |
دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا | خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاة |
أَنْجبَتْ كلُّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ | نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ |
أَنْجَبَتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍّ | صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَات |
تَتَمنَّى الأزْهارُ لوكنَّ يَوماً | في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَات |
أنْجبَتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّم | عَ بآثارِ فَنِّهِ الْخَالِداتِ |
أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ | سَاحِرِ القَوْلِ صادِقِ الحَمَلات |
وحَمَتْ شِرْعَة الخَلائق أنْ يَغْ | بَرَّ صَافِي نَميرِها بقَذَاة |
قد وَلَجْنا الْحَياة َ من كلِّ بابٍ | فَرَأَيْنا الأَخْلاقَ بابَ النَّجَاة |
أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّ | رْقِ يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَات |
عَقَدَتْ بَيْننا الَّليالي صِلاَتٍ | مُحْكَمَاتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَت |
إِنْ عِيدَ المَعارِفِ اليَوم عِيدٌ | للنُّهَي والْجُهُودِ والذِّكْرَيَات |
عِيدَ يُمْنٍ لِمصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ | خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتى |
بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ | بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكاَة |
وأطاَحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ | وامّحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ |
واسْتَعزّتْ بِطلْعة ِ المَلِكِ الفَا | رُوقِ زَيْنِ الحِمَى وفَخْرِ الحُمَاة |
يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى | بمَجَالي آلائِه المُشْرِقَات |
تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتَفْ | ِديهِ عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقَات |
عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ | كجمَالِ الرَّبِيِع في الأَوْقَات |
بَهَر الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنى ً | مِن مَعانِي صِفَاتِه الباهِرات |
عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً | مِن مَعانِي صِفَاتِه الباهِرات |