الرئيسية » » أسافر بلا حقيبة | صلاح فائق

أسافر بلا حقيبة | صلاح فائق

Written By غير معرف on الأربعاء، 10 أبريل 2013 | أبريل 10, 2013




أسافر بلا حقيبة


في إحدى مناماتي
أتبع ظلا بين أمواج
أظنه لأمّي ،
ثم أراني واقفاً في مبنى للمهاجرين 
أقضم أظافري غاضباً أو منزعجاً
من شابة صينية تمسد نسراً , تكلمه بالصينية
النسر لا يفهم , ويتطلَّع حائراً إلي
***
ليس صوتك مسموعاً حتى في بيتك
تنشد قصائدك تحت أضواء بلد بعيد
وقد اكتفى وجهك بابتسامة 
لأنَّ الموت الواقف في حديقتك
لا يعني إلا القليل
رأيت كل شيء , سمعت ارتطام النجوم
وفهمت الكثير .
الموت الذي يمسح زجاج نوافذك
كي يخدعك، لا يعني إلا القليل : 
نجوت باكراً من نوايا العائلة،
الوطن،
والأصدقاء .
***
نهاراً أنا رجل أنيق
أمشي مسافات طويلة
بلا سبب،
لا أشرب إلا الماء،
وأنسى أن أتدثر في اللَّيل .
لا أنام إلا بعد كاسين من نبيذ جيد
أو تهاجمني كوابيس
وأراني محاطا باسلاك شائكة .
لا أؤمن بأي دين أو إله، لا أحتاجهما
(أغسل ملابسي بيدي، بعد عطل ماكينتي
الصينية، لا أستطيع شراء جديدة أو تصليح
هذه , فأنا فقير )، أشتري معلَّبات لكلبي
وأدفع فواتيري بنفسي في المصارف .
لماذا أحتاجهما إذن ؟
إنَّني بلا ذنوب وأخطائي قليلة 
لست إلا رجلاً يحلم :
أيّ قطار يمكنه أن يتكلّم معي
إذا أراد .
أعيش منذ مئات السِّنين ,
هكذا أشعر .
جميلة كانت حياتي، مازالت .
مصادفاتها كثيرة 
أغني لأشجار وأنهار
وتومىء لي جبال ووديان .
- لماذا ؟ يسألني أحدهم .
- لأنِّي شاعر .
***
أردنا بروقاً لتضاء الكلمات
في النهار أو في المساء، لا فرق .
تعبنا من التَّأمل تحت غيوم
وفي باحات سجون .
نريد مشاهد من كوكب جديد
سنطرق باب شاعر، من خطواته
تتدفَّق ينابيع . وحده الذي
يرى الغسق عمالا صامتين
مثلما هم وقت الفجر .
وحده الذي ينادي جسده الضائع
ولا يرد عليه أحد .
***
لا تقترض، نصحني أبي
امش بلا أحذية، إذا تطلَّب ذلك .
هكذا رآني كثيرون حافياً، هنا وفي أماكن أخرى :
إحدى عاداتي الطَّيبة
أتقاسمها مع أصدقاء .
أخرى , أقيم مأدبة لخدم ولبوَّابين
مرَّة في كل عام .
ثالثة، أسافر بلا حقيبة وبلا كتب
حين أصل إلى أي مكان جديد
أغير اسمي , أتفادى زوجات آخرين
لأنهن سبب آلام ظهري
أظنهن أيضا سبب وقوف بلابل مريضة
أو منهكة، فوق سيارات قديمة وهي تتلفت .
***
مراهقاً بدأت كتابة الشعر
لم يكن ذلك سهلاً مع معلمين أغبياء
وأب متعصِّب - كان علي أن اندسَّ
في مقاطعات صمتي،
اسمع صرير مفتاح دون أن يكون هناك
أي باب .
تواعدت مع قصائد لي أمام سجن،
وفي ظل شجرة زيتون
رأيت امراة تخلع ملابسها .
مضى زمن طويل على هذه وذاك .
لذا أموري الآن ليست شاقّة كما كانت :
أعتلي هامتي بين زرافات
وأثرثر مع غابة .
***
لي مراسيمي في الصباح :
أتناول قهوتي بينما تغني لي، لي وحدي،
فيروز .
من قطار سريع أرى منازل صغيرة
وأثني عليها 
لا أحترم وطني ولا أحترم المنفى .
معجباً بغابة تفترب في المساء     تقصد تقترب
من قوارب ساحل،
كتبت كثيراً .
كركوك، مدينتي، بلا غابة أو ساحل
رأيتهما هناك والقوارب في الهواء .
العيش في المدينة عادة سيئة .
أعرفها تليق برهبان
وعسكريين فاشلين .
لي رغبة هائلة، وقت الظهيرة، للانتقام من سريري .
***
البحر يبدو اليوم حائراً
بسبب سعته ؟ لونه ؟
حيواناته الكبيرة ؟
لا تنتهي مشاهد قراصنة في ذاكرته
يحترقون في سفن
أو يحرقون سفن آخرين .
أتعاطف معه، فهو مثلي، بلا أمل
أشرب من نبيذي، أنحني عليه
أقبله .
أمزق أوراقا تحتشد بأرواح من دخان
ما يجدي تذكّر هذا أو تلك ؟
ليس لك إلا كلب وأوراق
أحيانا تتذكَّر أمك ولا تعرف أين دفنوها
أو وطناً لم يبق منه غير اسمه القديم .

صلاح فائق
شاعر عراقي مقيم في الفلبين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads