الرئيسية » » سُوناتا الصّلصال | مفيدة صالحي

سُوناتا الصّلصال | مفيدة صالحي

Written By هشام الصباحي on السبت، 8 أبريل 2017 | أبريل 08, 2017





سُوناتا الصّلصال

وأنا طفلة كنت أقول إنّني الله
وكنت أصنع من الصّلصال أشجارا و شمسا و نجوما و حيوانات
و أنهارا زرقاء و رؤوسا  بشريّة بلا عدد ،
ثم أصنعُ  أفكارا كثيرة  .
أعجنُ فكرة الحبّ في شكل قلب أحمر
و فكرة السّفر في شكل قطار و الموسيقى في شكل ناي .
الموتُ ثعبان و المطرُ غيمة ،
بينما الحزن أشكّله عينا بها حبّة دمع .
أمّا فكرة اللّيل فقد كانت تروق لي في شكل بيت ،
وكنت أحرص جدّا على توسيع نافذة في الجدار الرّابع ،
فهي الوحيدة التّي ستقول الحقيقة عمّا لا يحدث بالدّاخل .
بعد ذلك أظلّ أتسلّى بتوزيع الأفكار على الرّؤوس
منتبهة ألاّ تتطابق الأفكار في كلّ العقول ،
إلاّ في فكرة  الحرب  ، كنت أصرّ على صنع نفس الصّاروخين لكلّ رأسين
لاقتناعي أنّه في  مسألة الحرب بالذّات تتشابه الأفكار ،
كما أنّه  كان سهلا  عليّ حين أتعب أن أرمي بقيّة الرّؤوس جثثا على أرض الميدان
و أذهب للنّوم .
الآن أعجز  أمام هذه الصّغيرة القابعة قدّامي .
كيف ستفهم  أنّ  عيب الطّين هو الطّاعة ؟
كيف ستدرك أنّ لا معنى لقطار يأخذ مجراه ولا يترنّح  مع أنّ سائقه سكران ؟
كيف سأشرح لها أنّه بإمكاننا أن نرى كثيرا و النّوافذ مغلقة على ظلمتنا ،
و أنّ النّاي بلا موسيقى مجرّد خشبة لم تبلغ السنّ القانونيّة للعزف ؟
كيف افسّر لها أنّ الحبّ هو أنّ يلُفّ عاشق وريده شالا حول رقبة  قلبي حين يصقع ؟
و هذا ما لا يقدرعليه الطّين .
وأنّ الحبّ أن يكون العاشق  فوق خطاي  دون أن يمشي حذوي
و هذا طبعا ما يعجز عنه الصّلصال .
كيف أفسر لها أن الحرب أكلت  كلّ مدّخرات الموت من ورق التّوت
وأنّ عوراتنا هي القلب الأسود للعالم ؟
كيف أشرح لها أنّي لم أعد أرى الألوان بريئة  ،
لأن الرؤوس صارت ترتكب أفكارا أثقل من الصلصال ؟

كيف أشرح لها أنّي  صرت أخاف الصّلصال ؟
                  
                       مفيدة صالحي
    
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads