سُوناتا الصّلصال
وأنا طفلة كنت أقول إنّني الله
وكنت أصنع من الصّلصال أشجارا و شمسا و
نجوما و حيوانات
و أنهارا زرقاء و رؤوسا بشريّة بلا عدد ،
ثم أصنعُ أفكارا كثيرة
.
أعجنُ فكرة الحبّ في شكل قلب أحمر
و فكرة السّفر في شكل قطار و الموسيقى
في شكل ناي .
الموتُ ثعبان و المطرُ غيمة ،
بينما الحزن أشكّله عينا بها حبّة دمع .
أمّا فكرة اللّيل فقد كانت تروق لي في
شكل بيت ،
وكنت أحرص جدّا على توسيع نافذة في
الجدار الرّابع ،
فهي الوحيدة التّي ستقول الحقيقة عمّا
لا يحدث بالدّاخل .
بعد ذلك أظلّ أتسلّى بتوزيع الأفكار
على الرّؤوس
منتبهة ألاّ تتطابق الأفكار في كلّ
العقول ،
إلاّ في فكرة الحرب
، كنت أصرّ على صنع نفس الصّاروخين لكلّ رأسين
لاقتناعي أنّه في مسألة الحرب بالذّات تتشابه الأفكار ،
كما أنّه كان سهلا
عليّ حين أتعب أن أرمي بقيّة الرّؤوس جثثا على أرض الميدان
و أذهب للنّوم .
الآن أعجز أمام هذه الصّغيرة القابعة قدّامي .
كيف ستفهم أنّ
عيب الطّين هو الطّاعة ؟
كيف ستدرك أنّ لا معنى لقطار يأخذ
مجراه ولا يترنّح مع أنّ سائقه سكران ؟
كيف سأشرح لها أنّه بإمكاننا أن نرى
كثيرا و النّوافذ مغلقة على ظلمتنا ،
و أنّ النّاي بلا موسيقى مجرّد خشبة لم
تبلغ السنّ القانونيّة للعزف ؟
كيف افسّر لها أنّ الحبّ هو أنّ يلُفّ
عاشق وريده شالا حول رقبة قلبي حين يصقع ؟
و هذا ما لا يقدرعليه الطّين .
وأنّ الحبّ أن يكون العاشق فوق خطاي
دون أن يمشي حذوي
و هذا طبعا ما يعجز عنه الصّلصال .
كيف أفسر لها أن الحرب أكلت كلّ مدّخرات الموت من ورق التّوت
وأنّ عوراتنا هي القلب الأسود للعالم ؟
كيف أشرح لها أنّي لم أعد أرى الألوان
بريئة ،
لأن الرؤوس صارت ترتكب أفكارا أثقل من
الصلصال ؟
كيف أشرح لها أنّي صرت أخاف الصّلصال ؟
مفيدة صالحي