الرئيسية » » رواية سرير الرمان (18) | أسامة حبشي

رواية سرير الرمان (18) | أسامة حبشي

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 27 يناير 2016 | يناير 27, 2016

(18)


دخلت المعهد العالى للسينما فى المحاولة الرابعة، والغريب أننى لم أحب الدراسة فيه وتركته بعد عامين، هل تركته عندما شعرت فقط بانتصارى عليهم عندما قبلت به متحدياً كل الأعراف التى تفترض أن من يدخل هذا المعهد لابد أن يكون من عائلة فنية؟ هل لمجرد خوفى من ذاتى؟ هل بسبب العقم فى طريقة الدراسة؟ هل بسبب معرفتى للصديق العجوز القادم من إيطاليا والذى علمنى"السيناريو"كما درسه هناك؟ هل بسبب حديثه عن ضرورة سفرى لأوربا؟
المهم أنه بصدفة بحتة عبر اشتراكى فى ورشة خاصة بالفيلم فى مركز"بروهلفيسيا"السويسرى، ذهبت لسويسرا، وأحد مدرسى الورشة  أعطانى مفتاح شقتة ببرن،لأأستطيع ان أصف مدى فرحتى لجعل حلمى يتخذ خطوة خارج مصر هاهى مفاتيحى تزداد مفتاحاً آخر فى أغنى بلاد العالم، تعلمت من سويسرا الكثير، وبسببها فقدت الكثير، فقد بعت منزل والدتى وقاسمت أبى رغبته القديمة فى بيع  ارث أمى الوحيد فى الدنيا، بالطبع لوكانت والدتى على قيد الحياة لما كان هذا البيع.  تعرفت  فى سويسرا إلى مارلين، كانت تصغرنى بسبع سنوات، وكانت طالبة، ومعها عرفت طعماً آخر للفتيات، ومعها عرفت "برن" شِبراً شِبراً على الأقدام والدراجة، ورجعت لمصر وبيننا رغبة فى اللقاء مرة أخرى، فى عودتى بمصر أيضا تعرفت على منال المصدومة من تركها لحبيبها ، خاصة بعدما أفقدها عذريتها، تقابلنا كثيراً وصارت بيننا علاقة واحترام لماضيها ، عشت فى بيتها ستة أشهر وبعدها تزوجنا واتفقنا على الطلاق مسبقاً. هناك قاعدة فى الحياة تقول إننا ندخل الحياة من باب ونخرج من آخر، لذا كل من قابلتهم فى حياتى كانوا يغوصون فىّ وأغوص فيهم وهم على علم أننى شبح سيختفى فى أية لحظة، كنت أستفيد بشكل أنانى من لحظاتى ومتعى فى الحياة ،وأنام وأنا أعى أننى قد أموت ليلا، لذا لم أكره أحداً ولم أندم على علاقة انتهت بل على العكس علاقاتى السابقة المنتهية مازالت تمتلك المرونة التى تكفل لى الاتصال بمن تركتنى أو بمن تركتها ، وكنَّ معى فى منتهى التسامح واللطف بل ويفرضن وجودى على أزواجهن الجدد.
       سنة مرت على زواجى فى مصر، والحقيقة أن هذه السنة كانت مليئة بالأحداث، لم يعد يشدنى العمل فى الصحافة ،قرأت  فيها كثيراً جداً، وبدأت علاقتى تتشكل جيدا مع ناشر مستقل ، كان بالنسبة لى مثلاً أعلى فى تلك الفترة، كان شاعراً فى السابق وقد قرر هجر الشعر وأصدر مجلة مستقلة ثقافية و كانت المجلة ناجحة جداً، تعرفت على هشام منذ ثلاثة أعوام مضت بوسط البلد وعبر هشام تعرفت على رموز الثقافة بمصر،سواء كانوا مهمشين أو رسميين، وسكنت معه ومعنا كثير من الشباب المثقف، كنت أنا المقرب بالنسبة له وكان الآخرون يأتون للمبيت على فترات متفرقة ، هشام شخص مغرٍ أن تتابعه ، باختصار عنده القدرة على إقناعك بما يفعل حتى وإن كان بداخله لايؤمن بما يفعل، وكان باباً لى  لدخول ورؤية عالم الكتابة، وكانت مكتبته كبيرة جداً لذا قرأت عنده مالم يكن من الممكن أن أجده ، هشام كان مثل صديق مدينة القاهرة الذى يبيع والده الثلج، مع هشام عملت كمتابع لنشر المجلة وكنت أحياناً أحصل نقود، أن تصاحب هشام فأنت محظوظ ، وأن تصادقه فأنت ستعلم كل صغيرة وكبيرة عن الوسط الثقافى بمصر، لكننى كعادتى أهجر الجميع ، قررت الحصول على حريتى منه ومن زوجتى، لذا طلقت زوجتى و حصلت على تصريح بالسفر مرة أخرى لسويسرا، وأخذت وعداً بلقاء مارلين بالبار فى ساعة محددة، وخرجت من المطار على البار مباشرة ولم أكن أحمل حقيبة، لأننى فى المرة الاولى تركت حقيبتى  فى زيوريخ، راهنت على أننى سأجدها مرة أخرى وبالفعل وجدتها، هذه المرة تعرفت إلى شاب فلسطينى لاجىء وزادت مفاتيحى مفتاحاً آخر، ومارلين أعطتتنى مفتاحاً، هاهى السلسلة تزداد وها أنا لاأملك بيتاً فى العالم برغم نومى فى مئات البيوت بمصر وسويسرا، أيضاً العلاقات النسائية لم تتوقف كالنهر، تكرر السفر لسويسرا أربع مرات فى المرات الثلاث الأولى كنت ملتزما بالفيزا وموعد انتهائها، وفى المرة الرابعة قررت التسلل لإيطاليا ، ساعدنى الشاب الفلسطينى كثيراً، دخلت إيطاليا، وبدأت رحلة أوربا تتسع ووصلت فلسفتى فى المفاتيح والنساء تصل لدرجة التشبع.

        فى إيطاليا كنت محظوظاً بالفعل، تعرفت إلى جار زوجتى السابقة، وكان مهاجراً منذ زمن، ساعدنى فى البداية،  وكنت أساعده فى العمل من خلال مراقبتى للعمال معه  فقد كان كهربائيا ويحتاج للعمال من أجل  التكسير والتجهيز لمجرى الأسلاك ، ثم تعرفت إلى شاب ، وكان يعمل مع سيدة تمتلك شركة للنظافة ، عرفنى إليها ونتيجة أنها كانت تحبه ،لم نعمل كالآخرين ، وإنما كنا الشابين المدللين فى هذه الشركة ،ومع الشاب صارت لنا جولات نسائية متعددة ، وتركت سكن الشاب ،وسكنت مع صديقتى "آريان" وكانت تدرس المسرح، وتقيم مع ثلاث فتيات أخريات، صرن الأربعة نسائى، وكانت هى المرة الأولى فى الممارسة الجماعية ،أعتقد أن المخدرات وسحر التجربة الجديدة هما ماجعلهن يفعلن ذلك معى ، فكن نحن الخمسة عرايا كحفلة للهيبز وسط الغابات .
ساعدتنا – أنا والشاب - صاحبة الشركة فى عمل الأوراق الخاصة بالإقامة ، بعد الحصول على الإقامة قررت  التغيير، تركت "آريان والفتيات " وذهبت إلى "باريس" ،الحقيقة أن "باريس" هى بالنسبة لى مثل المعهد العالى للسينما، لابد من دخولها وتحدى السفارة الفرنسية بالقاهرة،حيث أن هشام كان قد حاول مساعدتى  فى السفر إلى فرنسا وحصل على خطاب من المركز الثقافى الفرنسى يقول أننى كاتب ومترجم وبحاجة للسفر إلى فرنسا، كان ذلك قبل سفرى لسويسرا بعام ، ولكن لصغر سنى ،لم يقتنع القنصل بالخطاب ،بل على العكس، حرمنى من السفر لفرنسا عندما وضع ختم الرفض بجواز سفرى، وفى تلك اللحظة قلت لنفسى سأسافر يوما ما لفرنسا وساتصل من باريس بالسفارة الفرنسية وسأقول لهم أنى فى بلدهم ، وبالفعل اتصلت بالسفارة الفرنسية بالقاهرة ولكن القنصل تبدل، فقولت لنرى ما ستقدمه لى باريس، الحقيقة أن باريس مدينة لم أحبها كثيراً برغم أنها منذ اليوم الأول أهدتنى" خديجة"وهى فتاة جزائرية، تدرس فى السوربون، مع خديجة عرفت المطاعم الفرنسية وعرفت أصدقاءها، لكنها لم تتقبل فلسفتى فى الحياة، لذا عندما دخلت علىّ واليزابيث صاحبتها عارية فى حضنى، طردتنى وطردتها. قررت الرجوع لإيطاليا لتجديد الإقامة، وصممت أن أذهب لمدينة إيطالية لم أرها من قبل، فذهبت إلى "تورينو" بالشمال والقريبة من فرنسا، أحببت هذه المدينة ،  الشوارع بتورينو محددة وعمودية تتقاطع مثل رقعة الشطرنج، بها تعرفت إلى حياة أخرى ، وبها لأول مرة عملت عملاً يدوياً محدداً، كنت قد تعلمت صنع البيتزا فى وقت فراغى أثناء عملى بشركة النظافة ،ولكن لم  فى أفكر العمل بها سواء فى "بولونيا" أو روما أو فرنسا صرت ماهراً فى  عمل البيتزا بتورينو، ودرست السينما  أيضاً، وصارت "جوليا" و"أدريانا" و"ليزا" نسائى الجديدات فى "تورينو"، قررت زيارة مصر، ووجدت طليقتى تتزوج من صديق لى كان من  "شلة أصدقاء جامعة عين شمس . مكثت فى مصر خمسة أشهر ثم رجعت لتورينو، وعاشرت الجالية المصرية وكانت أصعب أيام حياتى حقاً، فقد كانوا مجرد أفراد قرويين يسافرون من أجل المال فقط، ولم يندمجوا هناك بل على العكس يعيشون وكأنهم بمصر فى قراهم، هل تصدق أنهم لايعرفون على سبيل المثال أين "روكسى"بمدينة القاهرة ، وكنت مضطراً للسكن معهم ، لأننى لا أريد أن تطردنى إحدى نسائى كما فعلت "خديجة "بفرنسا، كنت أخفى تذكرة السينما قبل دخولى السكن، أخفى الكتب، حقا كانت أياماً بائسة داخل جدران مسكنهم وأياماً ممتعة فى منازل نسائى الإيطاليات، لكننى كعادتى كرهت تورينو وايطاليا، فذهبت للمطار وقلت البلد الذى ستقع عينى عليه صدفة سأذهب له، ووقعت عينى على "كوبنهاجن" فذهبت، وكنت محظوظاً فقد وجدت عملاً فى ثانى يوم لى هناك، ووجدت سكناً مع أحد عمال المطعم وكان من دولة "بيرو" ، كوبنهاجن مدينة لا تنام فى الصيف، أخذتنى نساؤها لدول لم أعرفها من قبل مثل"البانيا" "مولدافيا" "النرويج" فقد كن فتيات يعملن ويدرسن هناك، ومن بلد  إلى بلد تنقلت ، لذا عشت بكل أوربا فيما عدا إنجلترا، وبكل بلد صنعت حياة جديدة، تزوجت مرات عديدة أغربها زواجى لمدة يومين من فتاة مغربية قابلتها بمدينة إيطالية، كانت تود الممارسة لكنها أصرت على ورقة رسمية، كانت فتاة محافظة،  توجهت بها للكنيسة القريبة منا ورفض القس عمل ورقة بسبب أننا مسلمان، أوقفت شابين عربيين وأحضرت ورقة ،الورقة تحدد رغبتى وطلبى الزواج من "فاطيما" ووقعَّا الشابان كشاهدين ،وفى اليوم الثالث مزقنا الورقة وانفصلنا عقب طلقات ثلاث أصرت الفتاة سماعها من فمى، كنا فى  مؤتمر لمدة أسبوع فقط بتلك المدينة ،وعاد كل منا لمدينته . كانت هى من "جنوة"وكنت فى ذلك الوقت أقيم ب"فلورنسا"، لم أعرف مطلقاً سبب حظى  فى أوربا !!هل الأمر بالنسبة  لى الانبهار بحياتهم ؟ أم هو قدر الإندماج الكامل فيهم؟ أم أننى فى مارثون تعميق فلسفتى فى صنع اللحظة وملء خزائنى،  الغريب أنه لم يخطر ببالى رغم امتلاكى لنقود كثيرة، أن أفكر فى شراء منزل لمصر، كنت خلال زياراتى بمصر أستأجر شققاً ،وكنت أستغل هذه النقود فى التجول عبر العالم ،فزرت بلاداً فى أفريقيا وآسيا، أعوام تمضى فى رحلة طالت كتبت خلالها العديد من السيناريوهات، ولم تكن كتابة الرواية فى الحسبان.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads