الرئيسية » , » قصائد من بورتوريكو - للشاعرة خوليا دي بورغوس - ترجمة نزار سرطاوي

قصائد من بورتوريكو - للشاعرة خوليا دي بورغوس - ترجمة نزار سرطاوي

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 10 يونيو 2015 | يونيو 10, 2015



 مقدمة


تحتل الشاعرة خوليا دي بورغوس مكانة أديبة بارزة في بورتوريكو، فهي الأعظم شهرةً بين شاعرات بلادها، كما تعتبر من أهم شاعرات أمريكا اللاتينية. وعلاوة على شهرتها عرفت بنشاطها النضالي في مجال الحقوق المدنية وحقوق المرأة.

ولدت بورغوس في 17 شباط / فبراير 1914 في مدينة كارولينا في بورتوريكو. أنهت دراستها الابتدائية في مدرسة منيوز ريفيرا عام 1928، ثم ارتحلت عائلتها إلى مدينة ريو بييدراس، حيث أنهت دراستها الثانوية. وفي عام 1931 التحقت بجامعة بورتوريكو، وتخرجت عام 1933 لتعمل معلّمة في إحدى المدارس الابتدائية وهي في سن التاسعة عشرة. وفي نفس الوقت عملت كاتبةَ في برنامج إذاعي للأطفال. لكنها ما لبثت أن فُصلت من عملها بسبب أرائها السياسية. كذلك فقد توفقت عن التدريس عام 1934 بسب الزواج. إلا أن زواجها لم يمنعها من العمل السياسي والنضال من أجل استقلال بورتوريكو عن الولايات المتحدة. فقد انضمت عام  1936 إلى منظمة بنات الحرية، حيث تم انتخابها أمينة عامة للمنظمة التي كانت تابعة للحزب الوطني.

في عام 1937 انفصلت عن زوجها بالطلاق. وبعد ذلك بفترة وجيزة وقعت في حب طبيب من الدومينيكان. وكان لتلك العلاقة أثر كبير في شعرها، إذ استلهمت العديد من قصائدها من مشاعر الحب التي تُكنّها له. وقد سافرت معه إلى العاصمة الكوبية هافانا في عام 1939. وهناك درست لبعض الوقت في جامعة هافانا. بعد ذلك سافرت معه إلى مدينة نيويورك وعملت صحفية لدى صحفية تقدمية تصدر بالإسبانية. ثم عاد العشيقان إلى كوبا، إلا أن العلاقة بينهما بدأت تتوتر. حاولت بورغوس أن تنقذ العلاقة لكنها لم تلبث أن تركته وعادت إلى نيويورك. وهناك اضطرت إلى قبول أعمال وضيعة لتأمين لقمة العيش.

قي عام 1943 تزوجت موسيقاراً يدعى أرماندو مارين. لكن علاقتهما لم تدم طويلاً، وانتهى رباطهما إلى الطلاق في عام 1947. وقد افضى ذلك بها إلى مزيد من الاكتئاب وإدمان الكحول.

صدرت للشاعرة ثلاث مجموعات شعرية. الأولى عام 1938، والثانية بعدها بفترة وجيزة. وقد جابت بورغوس جزيرة بورتوريكو لتسويق هاتين المجموعتين. أما المجموعة الثالثة فقد صدرت عام 1954، بعد وفاتها بعام واحد.  

في 28 حزيران / يونيو عام 1953 غادرت بورغوس منزل أحد أقاربها في حي بروكلين في نيويورك، واختفت. وتبيّن فيما بعد أنها انهارت على رصيفٍ في المنطقة الإسبانية القريبة من حي منهاتن في 6 تموز / يوليو 1953، ونقلت إلى المستشفى، ثم فارقت الحياة لاحقاً لإصابتها بالالتهاب الرئوي. ونظراً لأن هويتها كانت مجهولة فقد دفنت في مقبرة خاصة بمجهولي الهوية.  إلا أن بعض أصدقائها وأقاربها تمكنوا من العثور على قبرها وتم ترتيب نقل جثمانها إلى ديارها في بورتوريكو، حيث دُفنت في احتفال رسمي في مسقط رأسها كارولينا. وفيما بعد أقيم لها نصب تذكاري في المدينة تخليداً لذكراها.  

عبرت بورغوس في قصائدها عن مشاعرها الذاتية وعن النضال الاجتماعي الذي يخوضه الفقراء والمحرومون الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد، كما عبرت عن طموحها في استقلال بلدها عن الولايات المتحدة. تأثر بها العديد من شاعرات وشعراء أميركا اللاتينية الذين يكتبون بالإسبانية. وكان بابلو نيرودا من أشد المعجبين بشعرها، كما رأى العديد من النقاد أن شعرها مهد الطريق أمام كاتبات وشاعرات الحركة النسوية.  



– ريو غراندي دي لويزا * 


ريو غراندي دي لويزا!... مُدّ نفسك في روحي
ودَعْ روحي تفقد نفسها في أنهارك الصغيرة،
لتعثر على الينبوع الذي سرقك في طفولتك
وباندفاع مجنون أعادك إلى الدرب.  

لفّ نفسك على شفتيّ ودعني أشربك،
كي أحس للحظةٍ خاطفة أنك لي،
لأخبئك عن الدنيا وإخبئك في نفسك،
لأسمع أصوات الدهشة في فم الرياح.
 ترجّلْ للحظةٍ عن خاصرة الأرض،
وابحث عن السر الحميم في رغباتي؛
دع نفسك تمتزج في رحلة خيالي الطائر،
واترك وردةً من الماء في أحلامي.

ريو غراندي دي لويزا...! يا ينبوعي، يا نهري
منذ رفعتني البتلة الأم إلى الدنيا؛
رغباتي الشاحبة هبطت فيك من التلال الصخرية
لتعثر على أخاديد جديدة؛
وكانت طفولتي بأجمعها قصيدةً في النهر،
ونهراً في قصيدة أحلامي الأولى.
جاءت المراهقة. فاجأتني الحياة
وأنا معلقة بالجزء الأعظم اتسّاعاً في رحلتك الأبدية؛
وكنت ملك يديك ألف مرة، وفي قصة حب رومانسية جميلة
أيقظتَ روحي وقبّلتَ جسدي.

 إلى أين ذهبتَ بالمياه التي غسلتْ
جسدي في برعم شمسيٍّ كان قد تفتّح منذ عهد غير بعيد؟
 من يدري على أي شاطئ من شواطئ البحر المتوسط النائية
سيمتلكني أحد الفونات! **

 من يدري في أي هطول مطري على أية أرض نائية
سأنسكب لأفتح أخاديد جديدة؛
أو لعلي، حين أتعب من نهش القلوب
سوف أتجمد في رقاقات الثلج!

ريو غراندي دي لويزا...! أزرق. بني. أحمر.
مرآة زرقاء، قطعة سقطت من السماء الزرقاء؛
لحمٌ أبيضُ عارٍ يتحول إلى السواد
كلما دخل الليلُ إلى فراشك؛
شريطٌ أحمر من الدم، حين يسقط المطر
في السيول والتلال وتتقيء التلال طينها.
رجلٌ نهر، لكنك رجل له نقاء النهر،
لأنك تمنح روحكَ الزرقاء حين تمنح  قُبلتك الزرقاء.
يا نهري الأعظم سلطاناً. رجلٌ نهر. الرجل الوحيد
الذي قَبّل روحي بعد أن قَبّل جسدي.

ريو غراندي دي لويزا...! أيها النهر العظيم. يا طوفان الدموع
يا أغزر الدموع في جزيرتنا
أنقذ تلك الدموع الأعظم غزارةً التي تأتي
من عيون روحي من أجل ابناء شعبي المستعبَدين. 

 -------------------------------


– إلى خوليا دي بورغوس


ها هم الناس يتهامسون أنني خصمكِ
لأنني في الشعر كما يقولون أقدّم للدنيا ذاتي التابعة لكِ.

يكذبون، خوليا دي بورغوس. يكذبون، خوليا دي بورغوس.
فالذي يعلو في أشعاري ليس صوتك بل صوتي
لأنكِ أنتِ الثوب بينما الجوهر هو أنا؛ وما بين  
الاثنيْن تمتد الهاوية الأعظم عمقاً.

أنتِ الدمية الباردة من الأكاذيب الاجتماعية،
وأنا ومض الحقيقة الإنسانية النابض بالفحولة.

أنتِ، عسلُ نفاقِ مَحظيّة؛ ولستُ كذلك؛
في جميع قصائدي أخلع الملابس عن قلبي.

انتِ مثل عالمكِ، أنانية؛ ولستُ كذلك
أنا التي أقامر بكل شيء رهاناً على ما أنا عليه.

أنتِ لستِ سوى  سيدةٍ ثقيلة؛
ولستُ كذلك؛ أنا حياةٌ، قوّة، امرأة.

أنتِ تنتمين إلى زوجكِ، سيدكِ؛ ولستُ كذلك؛
أنا لا أنتمي إلى أحد، بل إلى الجميع، لأنني للجميع
أمنح نفسي بمشاعري وأفكاري النقية.

أنتِ تُجعّدين شعركِ وتتبرّجين؛ ولستُ كذلك؛
الرياح تُجعّد شعري، الشمس تُبرّجني.

أنتِ ربةُ منزل، مذعِنةٌ، منقادة،
مرتبطة بأهواء الرجال؛ ولستُ كذلك؛
أنا جامحة، أنا روسينانتي هاربٌ **
يطلق شخيراً في آفاق العدل الإهي.

أنت في ذاتكِ لا رأي لك، الجميع يحكمونك،
زوجُك، والداك، عائلتُك، الكاهنُ، الخيّاطةُ، المسرحُ، قاعةُ الرقص،
السيارةُ، المفروشاتُ الفاخرة، الاحتفال، الشمبانيا،
الجنةُ والجحيمُ، والجانب الاجتماعي – ما سيقوله الناس  

ليس ذلك حالي، قلبي وحده يحكمني،
أفكاري وحدها؛ من يحكمني هو أنا.

أنتِ، زهرة الأرستقراطية؛ وأنا، زهرة الشعب.
لديك في ذاتك كل شيء وأنت مدينةٌ به للجميع،
أما أنا، فلا شيء لديّ أدين به لأحد.
أنت مُقيّدة بالمقسوم الساكن الموروث،
وأنا رقمٌ واحد من القاسم الاجتماعي،
نحن المبارزة حتى الموت الذي يقترب ولا مفرّ منه.

عندما تنطلق الجموع الهائجة
تاركةً وراءَها رماد المظالم المحترقة 
وبِشعلةِ الفضائل السبع
تهرع الجموع وراء الكبائر السبع
ضدَّكِ وضدَّ كلِّ ما هو ظالم ولاإنساني،
سوف أكون في وسطها أحمل الشعلةَ في يدي.

 -------------------------------

– أغنية مُرّة

لا شيء يزعج كياني، لكنني حزينة.
شيء بطيء ومعتم يضربني.
مع انني من خلف هذا العذاب،
أمسكت بالنجوم في يدي.

لعله عناقُ ما لا طائل راءه،
الحزن الذي لا ينتهي لكوني شاعرة،
أغني وأغني دون أن أكسر
مأساة الوجود الكبرى.

أن تكون ولا تريد أن تكون... هذا هو الشعار،
المعركة التي تستهلك كل الآمال،
أن تكتشف، حين توشك الروح على الموت،
أن الجسد البائس ما يزال قوياً.

غفرانّك أيها الحب إن لم أنادِكَ باسمك!
بدون أغنيتك ما أنا إلا جناحٌ جاف.
أنا والموت ننام معاً...
حين أغنّي لك، فقط حينذاك أصحو.

-------------------------------

– هوامش: 


* ريو غراندي دي لويزا هو نهر يقع في شمال بورتوريكو ويصب في المحيط الأطلسي.

** الفونات في الأساطير الرومانية هي آلهة تقيم في الغابات، منها ما هو ذكر ومنها ما هو انثى. النصف العلوي من جسد الفون كالبشر، أما النصف السفلي تحت الخاصرة فهو كالماعز، وله فوق رأسه قرنا ماعز.    

*** روسينانتي هو حصان دون كيشوت بطل قصة "دون كيشوت" للكاتب الإسباني سير فانتيس (1547 – 1616). 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads