الرئيسية » , » قصيدة: (فعلُ يكونُ) للشاعر الفرنسيّ: أندريه بروتون ترجمة: محمد عيد إبراهيم

قصيدة: (فعلُ يكونُ) للشاعر الفرنسيّ: أندريه بروتون ترجمة: محمد عيد إبراهيم

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 5 مايو 2015 | مايو 05, 2015

قصيدة: (فعلُ يكونُ)


للشاعر الفرنسيّ: أندريه بروتون
ترجمة: محمد عيد إبراهيم

أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. ليسَ لليأسِ أجنحةٌ، وهو لا يجلسُ بالضرورةِ إلى طاولةٍ نظيفةٍ في المَساءِ عندَ شُرفةٍ تُطلّ على البحرِ. هو اليأسُ لا رِدّةَ قسطٍ من الحقائقِ الثانويةِ كالبذورِ التي تُخلِّفُ أُخدوداً إلى آخرَ والليلُ يَسجو. ليسَ الطُّحلُبَ النامي على صخرةٍ أو الرغوةَ التي تتَهَزهَزُ في كأسٍ. هو مركَبٌ يُغَشِّيه الجليدُ، بتَعبيرٍ أدقّ، كالطيرِ وهو يخِرُّ بينما دمهُ لا يَحملُ أدنَى كثافةٍ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. شَبحٌ دقيقٌ للغاية، تُحدِّدهُ جواهرُ مَشغولةٌ بالشَّعر. هو اليأسُ. قِلادةُ لؤلؤٍ من دونِ مِشبَكٍ قد تجدهُ وليسَ له أن يُدَلَّى بخَيطٍ. يأسٌ هو يأسكَ. لا تدَعنا إلى الراحةِ. فما إن نبدأ اليأسَ لا يتوقّفُ. أنا بنفسي أيأسُ من خيالِ النورِ قُربَ الساعةِ الرابعةِ، أيأسُ من المِروَحةِ إزاءَ منتَصفِ الليلِ، أيأسُ من السّيجارةِ التي يُدخّنُها الناسُ وهم في طابورِ الموتِ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. ليسَ لليأسِ قلبٌ، وتمَسُّ يدي دائماً يأساً منقَطِعَ الأنفاسِ، اليأسَ الذي لا تحكي لنا مراياهُ أنه ميتٌ. وقد أعيشُ على ذلكَ اليأسِ الذي يفتِنُني. أُحبُّ تلكَ الذبابةَ الزرقاءَ التي تُحوِّمُ في السماءِ حينَ تُهَمهِمُ النجومُ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ بمفاجآتهِ المُرهَفةِ الطويلةِ، يأسِ الخُيلاءِ، يأسِ الغضبِ. وها إني أنهضُ يومياً كالآخرينَ فأمدُّ ذراعَيّ إلى ورقِ الحائطِ الزَّهريّ. لا أتذكّرُ شيئاً كما يحدثُ في اليأسِ فأكتَشِفُ شَجرَ الليلِ المقتلَعَ البديعَ. وبديعٌ هواءُ الغرفةِ كمَضاربِ الطّبلِ. يا لهُ من جَوٍّ عاصفٍ. أعرفُ الترسيمَ العامّ لليأسِ. لكأنهُ ريحُ الستارةِ في طيّاتهِ يدُ العونِ. وهل لكَ أن تتَصوّرَ هذا اليأسَ؟ النارُ! إنهم في الطريقِ إليكَ... فالنجدةَ! ها إنهم يتساقَطونَ من النجومِ... والإعلاناتُ في الجرائدِ، والشاراتُ المضيئةُ على طولِ القناةِ. كثيبُ رملٍ، اركُله، فأنتَ كثيبُ رملٍ ملوَّثٍ! ليسَ للترسيمِ العامّ لليأسِ أدنَى أهميةٍ. فهو زُمرةُ أشجارٍ قد تؤلّفُ في النهايةِ غابةً، زمرةُ نجومٍ قد تؤلّفُ في النهايةِ أصغرَ من يومٍ، زمرةُ أيامٍ أصغرُ من يومٍ قد تؤلّفُ في النهايةِ حياتي.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads