ضوءٌ تكـسَّـر في عيونِ الشمسِ
أم هيَ دمعةٌ...
سقطتْ من الغيبِ القصيِّ على يديكْ؟
أبكيْ عليكَ إذا رأيتُكَ في المنامِ
تقولُ لي :
"اِتبَعْ خُطايَ، ولا تكُنْ
غيماً يصبُّ دموعَهُ في البحرِ
لا معنى لجرحٍ لا يُفتِّحُ ياسميناً
أو يُحيلُ الأرضَ مملكةً لديكْ"
أبكيْ عليكْ
أبكي عليكَ الآنَ يا أبتيْ
وأنتَ تنامُ في القبرِ البعيدِ
أرى عيونكَ...
مثل لؤلؤتينِ في جوفِ المحارِ
وصوتَكَ الفضيَّ يغسلُ وحشتي،
وأراكَ ترجفُ تحت أكوامِ الحجارةِ
باردٌ هذا الشتاءُ
فضُمَّـني كفراشةٍ في راحتيكْ
أبكي عليكْ
والآنَ ما أخبارُ قبركَ... قبلَ هذي الحربِ؟
هل مـرّتْ فتاةٌ قربَهُ؟
هل غابَ عاشقُها
فراحتْ تلعنُ الدنيا
وتذرفُ دمعَها في مسمَعيكْ؟
والآنَ ما أخبارُ قبركَ... بعد هذي الحربِ؟
نيرانٌ تضيءُ الليلَ
أشباحٌ تـهُـجُّ من المقابرِ فجأةً
(ما عادَ هذا القبرُ يصلُحُ للحياةِ)
دمٌ يسيلُ من السماءِ
دمٌ يسيلُ كدمعتيْ من مقلتيكْ
أبكي عليكْ
لا الصمتُ يعرفُ قبركَ المنسيَّ
لا الرحمنُ يرحمُ عبدَهُ
لا الأرضُ تلبسُ وردَها
لتنامَ مثلَ حبيبةٍ في ساعدَيكْ
أبكي عليكْ
والآنَ ما أخبارُنا؟
أيامُـنا...
عبثٌ تبعثرَ فوق أرصفةِ الهباءْ
أحلامُـنا...
شيخٌ يموتُ على عكاكيزِ الشقاءْ
وحياتُنا...
جثثٌ تـشِفُّ من الوجوهِ
وترتدي كـفنَ العـراءْ
جثثٌ... وباسمِ الله نأكلُ
باسمِ الله نقـتُلُ
باسمِ الله ننكحُ ما تيسَّـرَ من نساءْ
(هذا كلامُ الأنبياء)
أتلوهُ منكسراً على نفسي
ومنكسراً عليكْ
أبكي عليكْ
إني خذلتُكَ يا أبي
وكسرتُ سيفي بعد أوّلِ غزوةٍ
وذبحتُ للغرباءِ خَيلي،
مزّقـتْني الريحُ
فاستسلمتُ كالأوراقِ
للموتِ الخريفيِّ الرتيبِ
أموتُ...
هل في القبرِ مُـتَّـسعٌ لتحضُنَني إليكْ؟
إني خذلتُكَ يا أبي
أبكيْ عليَّ الآنَ...
لا أبكي عليكْ.
