الرئيسية » » الصبيّ الذي ظنّ القذيفة كرةً | تمّام التلاّوي

الصبيّ الذي ظنّ القذيفة كرةً | تمّام التلاّوي

Written By Lyly on السبت، 27 ديسمبر 2014 | ديسمبر 27, 2014

الصبيّ الذي ظنّ القذيفة كرةً
تمّام التلاّوي


إذا كنتَ تبكي لأنكَ صرتَ تخافُ الحروب
فأجّلْ دموعكَ حتى أموتْ.
بلادُكَ ملعونةٌ يا صديقي
وملعونةٌ كل هذي البيوتْ..
ولولا تأخرتُ عنكَ قليلا
ولولا تأخرتَ عني
لفاجأَنا القصفُ بين كؤوس النبيذ
لشاهدتَ أعقابَ تبغكَ
لاصقةً في سقوف المكان
وأشلاءَنا القرمزيةَ عالقةً في حبال الغسيل
وفي شرَكِ العنكبوتْ.

تعالَ لنشكر قاتلنا يا صديقي
لأنه لم يتأخرْ بإطلاقِ أحقاده صوبَ نافورةِ البيت
والياسمينِ المبعثرِ فوق رصيف المشاةْ.
أما قلتَ لي مرةً إن موتي قريب
فما بالك الآن تبكي
وأنتَ تراه يشمّر ياقَةَ حلمي على مهلٍ
ويحزّ شرايينَ هذي الحياةْ؟!
تعال لنخبرَه أننا
لم نكن نتقصّد إزعاجَه بالغناء
ولم ننوِ أن نرفعَ الوردَ ضدّ الطغاةْ..

تعال لنشكر قاتلنا يا صديقي
لأنه أخطأنا
وأصاب الصبيّ الشقي الذي طالما
كان في الحيّ يقلق نومكَ بعد الظهيرة
ظنّ قذيفتَهم كرةً
فتصدّى لها بجسارته
مثلما كان دوماً يصدّ الكرات
ويصرخ في اللاعبينْ..
ولكنه الآن فاز بلعبته
دون أي صراخ على القاتلينْ
هو الآن فاز عليكَ
وفاز عليَّ
ونام إلى أبد الآبدين..

ولولا تأخرتُ عنك قليلا
لكنتُ انتهيتُ من الشعر
لكنّ سيدةً أغلقتْ دون موتي الطريق
ولولا تأخرتَ عني
لكنتَ انتهيتَ من الحب
لكن سيدةً أغلقتْ دون قُبلتكَ الباب
كنا انتهينا من الأمنيات
ومن عشق هذي البلاد السجينة
مثل الأميرةِ في قلعة الوحش..
لولا المقاهي على ضفة النهر
لولا الصبايا الجميلات في شارع الملعب البلديّ
ولولا نبيذ الأغاني بدوحة ميماس حمص
ولولا دمشق وليل الأزقة في باب شرقي
ولولا..
لكنا انتهينا..

تعال لنشكر قاتلنا..
ثم غادرْ إلى حيث ترغبُ
ما الفرق بين بلاد وأخرى
وما الفرق بين جدار وآخر
ما الفرق بين الغريب هنا أو هناك
بلادُكَ ملعونةٌ يا صديقي
وملعونةٌ كل هذي القصائد
خذْ ما تبقى لكَ الآن في البيت
جاكيتَ جلدٍ لأجل الشتاء، وكرّاسةً للكتابة،
قصة مائة عامٍ من العزلة، الكاميرا،
والقميص الذي منذ عامين أهدتْكَ إياه فدواكَ..
خذ علبةَ التبغِ والذكرياتِ ورائحةَ النهر..
لا فرقَ ما بين حمصَ وبيروتَ
لا فرق ما بين درعا وباريسَ.. إلا بأُمِّكَ
إلا بحمّى الحنين
وكُمِّ القميصِ الملطّخِ بالدم..
أمّا أنا..
فسأبقى هنا قرب بيتكَ
كي أعتني بأصيص البنفسج
حتى هطول القذائف
حتى انتشاليَ من تحت هذا الركام
ومن قاع هذي القصيدة..


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads