الرئيسية » , » أتمشّى بين قطيع من الجسور | خورخي أومبرتو تشافيس

أتمشّى بين قطيع من الجسور | خورخي أومبرتو تشافيس

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 12 ديسمبر 2014 | ديسمبر 12, 2014


حِلية إغريقيَّة

منذ سنواتٍ ووجهي ينتظرني
رغم أنني ما زلت أخشى العتمة،
فهي مركونة على أبواب الذَّاكرة الفارغة،
في شبكة مخاوفي المعقّدة وأنا طفل
لأن الوقت لم يمضِ،
فقط أُمسكني من يدي
أقودني
أقودنا
واحدٌ مع الآخر، كلانا في الرِّحلة ذاتها
رحلة الشَّوارع التي تُشبه الأحلام،
نتشارك اللحظات المختبئة هناك
في الماضي
مذ كنتُ طفلاً كان لديَّ حديقة وحوض ماء
كي أغسل دم عمري وأغيب
لكن كان لديَّ أيامٌ مشمسة
وما زال معي القليل منها
وها هو ذا، يأخذني من يدي
يتشبثُ بي
في حين أنه زجاجٌ هشٌّ
مصيره التحطّم
أو بطريقة أخرى أن يعيش بدونه، بدوني، بعيداً عن الطفل
الذي يعيش في عالم يفتّت كلَّ شيء
منذ سنوات ووجهي يرى نزيفه
في حوض ماء،
بجانب باحة قريبة من كومة أحجار
والشَّمس التي تسطع في بعض أوقات الظّهيرة
ملقاة هناك،
في مكان ما،
الآن.


أعياد ميلاد 

يكونُ العالم بسيطاً وأنت في التَّاسعة، فالمطر على سبيل المثال يأتي دوماً من الريح الغربية غاسلاً حصى الشارع.
لا يوجد فقط شمال وريحٌ تأتي من الغرب، فكلمة شمس تأتي من الريح الغربيَّة، كلمة نهر تبقى في الشمال وكذلك كلمة مهاجر بأوراق غير قانونية.
الحرب تعني فورت بليس أو فيتنام.
كلمة بابا تعني دنفر أو شيفروليه قديمة تنتظر سيدها.
بابا هو الشَّمال، وكلمة بلد كانت صعبة، لم تكن غربيَّة ولا شماليَّة. بلدٌ كانت تشبه مدينة والبعض كان يستخدمها بشكل أفضل كحيّ.
ثمَّ ظهرت كلمة جنوب من ظلِّ جبل فرانكلين الذي كان شمالاً وظَهرتْ المساءات والأمطار الغربيَّة.
في ذات اليوم وصلت للحدود كلمة مجزرة: وكانت تعني ثلاثمائة طالب أطلقت عليهم الدولة الرَّصاص في ميدان
البلد إذاً لم يكن بيتاً، بل منطقة غريبة كانت تعبر منها أشياء لا يمكن تفسيرها.
الأمُّ كأنَّما هي علبة خبز حلو، وكلمة بلد بالأحرى تعني ألَّا تجد خبزاً على مائدتك.
ليس من الصَّعب إذاً فهمُ كلمة مجزرة وكلمة جنوب وكلمة بلد عند بلوغك التّاسعة.


واقعة أخرى

في السَّادس من أكتوبر من ذلك العام روى لنا أرماندو إل تشوكو في حفلٍ إنهم كانوا يبحثون عنه.
وقد وجدوه بعد شهرٍ في صباح اليوم الذي شغَّل به محرك درَّاجته كي يوصِل بناته للمدرسة.
عام 1967، أرَدْنا الذَّهاب لنهر برافو في البداية لغسل سيارة باريو ثم التشاتو وبعدها بوغار وأخيراً سيّارة واراتشي فيلوس.
عام 1990، أرادت الشُّرطة الذَّهاب لنهر برافو كي تصيدَ النِّساء اللاتي ينتظرن على الضفة ليعبرن إلى إلباسو تكساس.
عام 2010، لم يعد هناك نهر بل شرطيٌّ من حرس الحدود وسيرخيو أدريان ذو الثلاثة عشر عاماً. تعاركا: سيرخيو بحجر في يده والعميلُ بيده مسدس.
في ذلك العام في متجر بسافاركار رفض العاملُ أن يدفع ابتزازاً فتلقَّى طلقةً في وجهه.
واصطيد سبعة عشر جاراً له واحداً تلو الآخر عندما كانوا يحتفلون بفوز فريق كرة قدم.
آه أيُّها الشباب أبناء كادمو، أعلم أنَّهم كانوا يريدون البقاء في مكان آخر لكنَّهم اليوم هنا: غنّى أوفيديو العجوز.
وإليك أيتها المرأة التي أخرجوك من بيتها وهدَّدوك بقتل زوجك إن لم تصعدي لجولة أخيرة في السيارة.
أردتُ أن أُخبركِ إننا كدنا نذهب لنهر برافو لنبكي، لكن عليكِ أن تعلمي أنَّه لم يعد هناك نهرٌ ولا بكاءٌ.


هذا الرَّجل الجالس على مقعد في ميدان ويليامز كارلوس ويليامز
"في إحدى المرَّات/ في إلباسو/ عند المساء،
رأيتُ (سمعتُ) عشرة عصافير دُوريّ"
و. ك. و
طويلٌ هو أوتستراد 10، ومنهُ يُمكن رؤيةُ أضواء المدن تحت مدينة خواريس فوق إلباسو تكساس.
متاجرُ زجاجٍ كبيرة على جوانبه واثنان ونصف مليون شخص يحلمون بلغاتٍ مختلفةٍ.
أحلامٌ من التّراب والمعادن. أحلامُ أطفالٍ يتنزَّهون في درَّاجاتهم بين المصانع. أحلامُ قطاراتٍ كالجسور.
عام 1911، ومن إلباسو كان من المُمكن أن نرى رجالَ فرانسيسكو فيّو وهم يُطلقون نيران بنادقهم من الغرب للشَّرق
كي يتجنَّبوا أن تؤذيَ طلقةٌ طائشةٌ السياحَ الذين يتفرَّجون على ثورتنا من شُرفاتهم المريحة
بعد خمسة عشر عاماً كُنا نحن إلباسو الجنوبيَّة، وكان الويسكي كثيراً لدرجة أنَّه سالَ في الشَّوارع وطالت السّكرةُ خمسين عاماً.
نساءٌ ورجالٌ دون أملٍ بعضُهم وجد وطنه والحقيقة في صوت وخصر الملك إلفس بريسلي
قريباً من المسيسيبي هناك سيَّدةٌ سوداء تدعى روسا باركس ركبت الباص الذي اعتادت صعوده وغيَّرت وجه أمريكا للأبد.
في بداية الستينيات رحلت طلقةٌ من متجر الكتب فارتدّت من سيّارة لينكولن سوداء واستقرّت في جدران صالة سينما.
بعد ذلك استطعنا رؤية الرِّجال الأمريكيِّين في حربهم وهم يتركون خلفهم صديقاتهم وعرباتهم المكشوفة.
آخرون كانوا يجتازون درَجات الهواء ويهبطون على القمر بأحذيتهم الكبيرة البيضاء.
لكنْ الآن وهم يقدِّمون ليَ الكأس الثانية في بار ميا ستريت أعتقد أنَّ لا شيء من هذا كله مهمّاً
لولا ذلك الغروبُ القصيُّ الذي رأيتَ وسمعتَ به عشرات الآلاف من عصافير الدوري القادمة من الصحراء في هذا الميدان.
وقلتَ الكلمات التي تجعلك خالداً
هذا كان أنا
       ويليامز كارلوس ويليامز
                        عملتُ قدر ما استطعتُ
وداعاً.


قصّة بيري لاشيز أو نُزهة الأموات

أيُّها السيِّد المعلِّم غييوم أبولينير، أفكِّر الآن أنَّنا أيضاً خُضنا حرباً في جبهة الشَّمال
ضدَّ قلب الحروب القاسي، ضدَّ سلطة النُّقود المظلمة، ضدَّ رِبا الرُّوح
ولهذا سعَيْتُ للبحث ذلك المساء في باريس، ولهذا وقبل وصولي للمقبرة اشتريتُ شيئاً من النَّبيذ وفتَّاحة من حانة
عند دخولي سمعتُ فوراً صوتاً بين المقابرِ، صوتاً لا لبس فيه لخوانخو رودريغس الذي كان من المُفترضِ أن يكون في ماساتلان
كان صوت مُرشد سائحات إسبانيّات، وهو نفسه صوت خوانخو رودريغس مُتظاهراً بأنه مرشد للآنسات الإسبانيات
بعد أن تفاجأنا وحيًّيْنا بعضنا انضممتُ للمجموعة وأخذني لقبر خيم إللاجراتو وقلت له:
إنَّني بخير لكنًّني كنتُ بحاجةٍ للوصول لشاهد قبرك لأنني وعدتُكَ بنبيذٍ منذ ثلاثين عاماً.
آهٍ أيُّها المُعلّم العجوز رأيتُ أشياءَ كثيرةً بعينيكَ وأحببتُ كثيراً بكلماتك والآن أتمشّى بين قطيع من الجسور
ومعي نبيذٌ في جيوب معطفي، نبيُذٌ مخصّصٌ لك، نبيذٌ كعملة نقديَّة متلألئة
مارسيال رجلُ كتبٍ آخرُ من المكسيك أيضاً كان هناك وتركْنا الصّبايا وراءَنا كي نذهب للقائك يا أبولينير العجوز
ساعتان ونحن نقرأ أسماء القبور السُّوقية كقبور أوغستو كومتي إساذورا دونكان وكوليت
وفجأةً وعلى الرُّخام قرأت غييوم أبولينير من كوستروويتزكي 26 أغسطس 1880. 99 داي 1918- جاكلين أبولينير 1891-1959
كانت الشَّمس تحرق الحقول من بعيد وأبداً لم تكن بهذه الضَّخامة كعصر هذا اليوم وأنا معك
نزعتُ غطاء قِنِّينة النَّبيذ وبالكاد تذوّقتهُ وسكبتُ أوَّل دفقةٍ حيث يجب أن يكون رأسُك وقلتُ:
اسمي خورخي، وأعتقد أنَّني مدينٌ لك ببعض الحب، مدينٌ لك بالشَّعر، وجئت من المكسيك كي نشرب النَّخب معاً
أشربُ نخبك قارعاً الكأسَ بقدمك وأسكبُ النّبيذ معك، أشرب نخبك قارعاً يدكَ اليمنى وأسكبُ النَّبيذ، أشرب نخبك قارعاً يدك اليسرى،
وأشرب النَّخب مع جاكلين لا ليندا بيليروخا، وأدَعُ بقيّة الكحول تنسكبُ على القبر ومارسيال يهتف بخورخي وخورخي يَدَعُ القليل
لا يا سيِّدي قلتُ له:
هذه القِنينة كانت لغييوم أبولينير، لكن لا تقلق لأنَّ هناك جيبين في معطفي
نزعتُ غطاء القِنّينة الثَّانية وبدأنا منذ قليل يتناوب ثلاثتنا على شربها فيما العالم يبلغ الأوجَ
في العودة أنكرتُ إعطاء النَّبيذ لألفرد دي موسيت وسارة بيرنهاردت ولرجلٍ مهرِّجٍ اسمه ألان كارديك
ليس الأمر كذلك بالنَّسبة لشوبين الذي بعثرتُ عليه جرعة آه يا برج إيفيل راعية قطيع الجسور طلقة هذا الصّباح.
نُشفق عليهم نحن الذين نحارب دوماً على تخوم اللامحدود ومن أجل المجيء.


نهاية

المدينة تُغنِّي لونَها الأسود
وفي فجوتها الكبيرة العميقة يُسمع فقط ضجيج الكلمة
الحياةُ في انحلالها
والحُبُّ يطفحُ بالبثرات
يحفظها الشِّعر قمامةً
الشِّعر مقبرةُ كلّ شيءٍ
الشِّعر جثَّة الحياة التي يحملها بعضُ من يمرُّ ببابك.


Jorge Humberto Chávez، شاعر وناشط ثقافي من مواليد 1959. عضو المنظَّمة الوطنيَّة لمبدعي الفن المكسيكي. يقيم حالياً في سان لويس بوتوسي. من مؤلفاته التي نشرت في المكسيك: "من الخامسة  للسَّابعة مساء"، و"الوجه الآخر للزجاج"، و"لن يحل منتصف الليل أبداً"، و"المطر عند الجسر"، و"كتاب القصائد"، و"بار بابيون"، و"أيها الملاك" و"أخبرتك أننا سنذهب لنبكي عند نهر برافو لكن عليك أن تعلم أنه لم يعد هناك نهر ولا بكاء".
الترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads