الرئيسية » » نارٌ حلوة | هرمس وأميرة الأدهم

نارٌ حلوة | هرمس وأميرة الأدهم

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 12 سبتمبر 2014 | سبتمبر 12, 2014


 

 

 

أميرة الأدهم:

كان يومي متوهجا، اختلف كثيرا عني، وتماشى ذلك جماليا، صارت زيادة الحيل التي استعملها تصيبهم بالعمى النفسي، هم الذين يطاردون أصواتي الداخلية، آخر آلامي المتكلمة، هم الذين يتحركون كقطط شبعى على أكوام قمامة. أصف لك لأنك أكثر جنونا من القمر المكُتمل، أو هكذا أتخيل لأشيح تأججه عني. نصُك استفز فيّ خيوط الوعي القادرة على تتبع لغةٍ، خيوطٌ كأمهات يأمرن بإنهاء أطباق الطعام إلى آخرها، هكذا ترقص الحروف فينا..إذ نفرغ الأواني، أحلم بك تدريجيا تسألني عن جدوى الكتابة

 

هرمس:

أريد أن ألعب معكِ هذه اللعبة، نرص الأواني، نملؤها بالكلام وبأكباد أعدائنا، سامحيني لأن رؤوس كباش ستكون دائما معلقةٌ على جدراني، ولو تطورتْ اللعبة سننسفها جميعا، أستطيع أن أرى الدم مخلوطا بالحبر يسيل من طرفي شفتيك

 

أميرة الأدهم:

أقول لك يا هرمس، منذ أن توقفتُ عن الحديث بلغتي، وبدأتُ أسأل الناس عن كيفية الكلام، بدا لي بين ذلك كله، أن الزيفَ والتواصل كنهان لامرأةِ واحدة قادرة على الضحك والكيد تماما كالسماء، نحن نلعب الحرف والشطط لذا علينا أن نتحلى بأكبر قدرٍ من الوحدة، ما سيجذبنا للانشحاذ ويحرمنا الجوائز، كنت سأتكلم ككأس وقع من على الطاولة لكي يُفسِد ثِقل الرفقاء، لا أقول أنهم سخيفون لكنهم يذهبون بأدمغتهم إلى حَوَارٍ أخرى لم أعد فيها، لم أكن فيها، أنا الآن في الشوارع الخالية أبحث عن شجرة تعرفني أكثر مني، خبأتُ آلامي الشديدة وامتداداتي الأبدية في الوقت والحب، في أشلاء قتلى حقيقين، ينسال الواحد منهم وراء الآخر عند كل صورة تتراكب كي تُخفي وجعي، وجعي الذي أنساه، العب بالكباش لم يعد فراؤهم مخيفا.

 

هرمس:

وحدتي الآن تتمشى بعيدًا، والشجرة المهددة بالقتل تستعد للمشي أيضًا، كان عليّ أن أضع لجامًا لكل رغبة، حذاءً لكل حافٍ بداخلي، أسكرتُ الطبيعة حتى تقيأتُ كل أوهامي، وككلبٍ ضال تجولتُ في أوهامي. وحدتي الأن لا يجب أن تبتعد أكثر من ذلك، الليل ينتصف ببطء، كتراصف عظيم لأشياء لا أفهمها تماما، وكما أنقضُ أحشاء آخرين، أنكثُ أحشائي، أجول، أجول، أجول.

 

أميرة الأدهم:

يا هرمس، أنت من خلعتَ  شجرة الوجود أمامي مرةَ، وبعد أن أصبح لا مكان لثورةٍ في صراخاتنا، أشغلنا حلوقنا بقتل أنفسنا، مع الوقت، لم يعد للطين العشبي رونقه، ولا لمذاكرة مادة الأعصاب نشوتها الصوفية، وفقد الجنس مهابته وأرقه، لم نصبح أعواد كبريت تستعملها ربة المنزل أكثر من مرة، أصبحنا ربة المنزل، أما أنا لا أذكر من الغابات سوى الجري والمستنقع، اجرِ! جنودنا يشبهون جنودك، كلما شربتُ الشاي ظننته عرقاً لصبر الحماقة والتداعيات.

 

هرمس:

هنا بين العَرَق والشاي - الذي هو ذخيرة أيامي- أفتت روحي ببطءٍ للغربان، الغربان الحكيمة، أولئك القضاة المجنحون، الذين لا ينسون الثأر منا، نحن البشر.. أنا أيضًا غراب، وكل بني جلدتنا ممن يشربون الحبر والدم، غربان، ويبين هذا عندما نقف على طلل، أو شجرة، أو حجر وننعق آلامنا على الصمّ. انتصف الليل يا عزيزتي وسآخذك معي الآن لرحلة المرور على طاقم الحرس.

 

أميرة الأدهم:

سأكون كوب ماء مجهول الهوية، تمنع برودته العطشى، لا هم يشربوه ولا يتخلصوا منه، يسكبُه الغراب في النهر، الحكيم صاحبك، ستمر على طاقم الحرس، بين ملائات متسخة وأرصفة ترابية تغشى خيالاتي، كن حذرا من جندي يشبهك فالقمر المكتمل لا يحتمل النظرات المخترقة، ولا تراتبية الكواكب _بعد الهزيمة_ تستطيع الرحمة، أنا سأقرأ تعليقات بلغةٍ لا أفهمها..وأتحسسُ سكتات البشر بين الكلمات، هكذا أتحدث، البراكين جميعها صنعتها الأرض لكشف البشر الطائرين على فوهات الحلم، هكذا نكتب صدوع الأرض ونتكلم مثل ذئاب محنّطة فوق مائدة ضخمة.

 

هرمس:

الخواصرُ في الأرض مصنوعةٌ للسيوف، إما للتعلق منها أو لتنزرع فيها. أما الليل، ذلك الضابط الكئيب، الذي منذ عرفته وهو يحاول تهريب البدر خارج الأسوار، وفي جنبه نصال خناجر وفوهات طبنجات. لا يشبهني أحد هُنا، في هذه الوحدة، التي بعد أن تذهب بعيدا، تعود لي، لأمر عليها سورًا سورًا، وحارسًا حارسًا، البركان الذي بداخلي لم يسقط به أحد غيري، ويالسذاجتي، كنت أريد أن أبحث في الجحيم عن أحياء.

 

أميرة الأدهم:

أفكر دائما في مكان رطبِ في الجمجمة أزرع فيه سيوفًا حديدية غير منتظمة الأنصال، ليلك يشبه غضبي، حاضرٌ في ديمومة غيابه، هكذا أصبح الزمن والشعور يتبادلان الأدوار على مداخل المدن في قلوب المجانين، قلتُ لهم، أن القلوب لا تصلح للسكاكين، قلبي مثلا، يحتاج لدرجة حرارة منخفضة جدا وطمأنينة كي يصبح قلباً، من الأساس، تعاسة المحيطين الرديئة لم تعد تزيد حسن الظن بأنفسنا، صارت تضحك من عقد الذنب تجاههم كقعدة درامية إلى الأبد، إلى سديم سرابي نهايته زرقاء والأقدام فيها تُنبت الأحمر. كلماتُ بعينها تغويني، أما الظلمة وغياب الشمس، والسكون هذا يطمئنني فور أن أعرف اسمه أرتعد غضبا، ليلك هذا يشبه غضبي، وأصواتنا حاضرة كقِرَدَةٍ لا تعرف متى تغلق الحديقة أبوابها، لا أريد لهذه اللعبة أن تنتهي، يراودني خطرُ بالنوم عند الكتابة، كنتُ سأقول الموت، ولكن الشعر الأبيض في رأسي يمنعني من ذلك صرت خجلى وضعيفة، كنا سنفعل ماذا لو لم نمسك عظام الوجود ونلعب بها على أوتار ضجرنا في كلمات، كنا سنغزل البشر على أضلعنا.

 

هرمس:

يا صديقتي أنتِ حكتِ إزارا للحكمة، من جلد لبؤة، لا أعرف كيف أو من اصطادها ويحلو لي أن أقول أن الكلام بعد أن كان فائرًا في حِقويّ كجرح، صار يدور في عيني كجنون أعرفه، وفي كل مرةٍ تمدين لي بيدك في الداخل، أفزَعُ، لا أيادٍ تمتدّ هنا، لا عيون تصل، والقفل المُزَيَّنُ بالتمائم، الذي على رِتَاجِ روحي، غامت تفاصيل طِلّسْمِهِ في عيني منذ سنوات، لم أعد أعبأ بالأسرار، وكلما قابلني سرّ على دربي، شفيف وضعيف، تركتُه ونظرتُ إلى الأمام، وفي عينيّ نارٌ حلوة، زامًا شفتيّ على السُباب.

 

أميرة الأدهم:

لا بسبب صَرعي، ولا لأنك هرمس، إنه فقط النوم على السطور، كل ماهو خارجها حقيقي وواهي، وكل ما داخلها واهم وحقيقي، أنا أحب أيضا ألا أعرفني، مثلك تماما، ولا أمد يداً في روحي، لكي تصل أصابعي إلى يدك حتى، الهدوء القابع معي، الهدوء الذي دخلني جاعلا مني قطة حُبْلى إلى الأبد، لم تعد تخمش ولا تموء، فقط تمنع عن جسدها حنانا كاذبا بنظرة عين، الهدوء القابع معي بدأ منذ انسلخت الجلود عن زيوت لزجة قميئة، لا أعرف كيف لم أولد بها، لكني ولدتُ بنصلٍ يخرج من عمودي الفقري، يلمع على السطور ونتطيّر من بعضنا إذا تلامس، كن آمنا مثلي تماما إذ قلبتني لتستقيم صورة العالم، الجنون الذي أعرفه بعماه النفسي ونفاقه، الخطئية الكبرى، الاختفاء الصامت، هو الذي يمرر اللبؤة في الطوابير، حتى إحساس السخط وآخر ذرات المقاومة الرديئة أطعمتها تفاحة، لا تجرني إلى هنا، ولا أي تهدئة سمتنع أي مفزوع من الشكوى، قد يقول: الوسائد كما تمنيتُ وهذا مؤذٍ جدا، إن هذا جبلٌ ضخمٌ من بقايا منبوذين ومتكلمين مع الأصل، لو كان رجلا لوددت قتله بالضحك.

 

هرمس:

هكذا نُجْهِضُ كلّ شيء فينا، ونحتفظ بالأجنة في قوارير، الليلة، نحن كنا قوارير أجنتنا الشائهة، سقطنا مع الدم، ثم غسلنا بعضنا، ووضعنا كل منا في الآخر، مُثَبَّتَين وكاملين.

 

 

 

 

أسيوط\القاهرة

16-6-2014

 


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads